ما بالكم؟ لم كل هذا الجبن؟

تابعنا على:   23:48 2019-01-17

صالح عوض

مشهدان وقفا أمام عقلي ونظري بقوة حضور عجيبة تفرضان علي التدبر والتأمل الطبيعي والفطري.. فكان لابد من تقديمهما إلى القارئ العزيز فلعل أبسط الأشياء يكشف عن أعمق الأفكار.
اذا حل الجبن بفرد أصبح تبعا لما يمليه عليه قاتله مستسلما يمد عنقه للمقصلة وظهره للسياط ويدخل زنزانته يغلق بابها عليه بيديه.. وإذا حل الجبن بفرد سلم أولاده للقتلة وماله الى اللصوص بل وأوشى بأهله وبخبايا نفسه.. والحال هذه لا تقف عند فرد بل قد تنتشر في أمة حينما يحط عليها الهوان فلقد حكت لنا قصص التاريخ كيف كانت امرأة مغولية تستوقف عشرات الرجال من المسلمين وتخبرهم بأن ينتظروا لتعود لهم برجل مغولي يقتلهم فردا فردا.. ان هذا أمر عجيب خارج عن سياق الفطرة والطبيعة.
أذهلني قبل مدة وأنا أتابع فيديو لمجموعة من الثيران الوحشية وقد هجم أسد على أحدها فكاد يفترسه ولكنها أسرعت تتناوشه بأرجلها وتعضه بما تستطيع وبعد معركة ضارية استسلم لهزيمته وانسحب وأعتقد انه سيروي قصته لأشباله بل لأسود الغابة أن: ابتعدوا عن هذا الصنف من الحيوانات.
أذهلني المشهد وراعتني المقارنة وتذكرت العرب والمسلمين لماذا يختارون سبيلا آخر لا يحاولون فيه مقاومة حتى لم يقفوا عند سبيل الخراف وهي تسير نحو مذبحها ولا تنتفض على جلادها مثلما فعلت الثيران المتوحشة التي اشتبكت مع الأسود الضارية تدفع عن نفسها موتا محققا.. وفيما انا أتأمل وأقارن أصابني شيء من الإحساس بان هناك ما هو أعمق في وجدان الأشخاص الذين يسيرون بالأمة اليوم الى مذابحها..
ظن بعض العرب والمسلمين ان هم سلموا فلسطين للصوص الصهاينة فإنهم سيكونون في منجى من المكيدة الاستعمارية.. وظن بعض الحكام انه إذا ما قدموا الدليل على عدم صدامهم بمشروع إسرائيل فإنهم بذلك ينالون رضى الاستعماريين الكبار الى درجة ان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بيل كلينتون يقول لقد قمت بأحد جولات زياراتي الى المنطقة العربية فالتقيت بأربعة عشر زعيما عربيا لم يكلمني احدهم كلمة بخصوص فلسطين.. بل يكون هناك من هو أسوا من ذلك فهناك زعماء عرب قدموا اقتراحات للأمريكان بخصوص فلسطين يستحي الصهاينة ان يقدموها فلقد سبق لجولدا مائير أن عاشت أسوا أيام حياتها عندما احرق متطرف صهيوني منبر صلاح الدين في المسجد الأقصى الا انها مع مضي اليوم الأول بهدوء عربي وإسلامي شعرت بأنها تتنفس بعمق فأدركت أنها امة قد ماتت.
الآن عمليات التطبيع التي يقوم بها معظم النظام العربي وبشكل سافر ورديء لا تعني الا شيئا واحدا ان التسارع في إظهار المودة لإسرائيل بلغت مدى سقطت فيه كل الأقنعة وكل عناوين الكرامة والسيادة.. ولكن الذي قد لا يعرفه هؤلاء المطبعون ان إسرائيل والاستعماريين الكبار مثلهم كمثل جهنم كلما القي فيها وقود قالت هل من مزيد؟ فان إسرائيل لن تكتفي بان تصدر لهم بضائع او تنسق امنيا او تتحالف مع بعضهم ضد بعضهم الآخر إنما ستدخل عليهم تفكك مجتمعاتهم وتضع بذور التفرقة بين مكوناتهم ويكفي نظرة الى كل مشكلة في بلادنا العربية فإننا حتما سنجد ان الأساس فيها إنما هي الأجهزة الأمنية الصهيونية.. فكل مظاهر الفتن والتصارعات الإثنية والمماحكات بين التيارات والأحزاب والقوى الاجتماعية إنما هي مجال رحب لعمل الأجهزة الأمنية الصهيونية.. فالتطبيع لا يقف عند حد التجارة والسياسة والتنسيق الأمني، بل هو ينخر مجتمعاتنا ويبدد تجمعها ويفت في عضدها.. ثم بعد ذلك يصبح وجود الزعيم العربي إنما هو محل تفكير العدو ورضائه فيصبح وضعنا بهذه الطريقة موتا مبرما، وتخلفا وتبعية لا فكاك منها.
من هنا أعود لتدبر قصة الخراف والثيران الوحشية ماذا لو قامت الخراف بعملية انتحارية وتجمعن في مواجهة الذئب وماذا لو احتشدت أولئك الكباش ذوات القرون المعقوفة او المكسورة وكلما جاء ذئب هبت اليه بكل قوتها من كل جهة تنطحه حتى توقه أرضه وترفسه من كل جانب.. ان عواءه حينذاك سينبه كل ذئب بان المسالة ليست سهلة وان هذا الدرب ليس امنا..
انه لا يليق بهؤلاء الرعاديد مثلا الا الخراف التي تقود نفسها الى المذبح لان لا منطق ولا عقل ولا خلق ولا دين يسمح لها بتسليم أهلها وفلسطين والقدس والمسجد الأقصى للصهاينة وان تسلم نفطها وثرواتها للعابثين بمصيرنا وان تسلم كرامة بلداننا وسيادتها للمجرمين الغزاة خوف ضياع الكراسي والسلطان..
الان بعد التطبيع حصل التنسيق الأمني وتشكيل الأحلاف العسكرية وتم اختراع عدو استراتيجي للأمة.. وبعد هذا أيضا أصبحت البلاد مفتوحة للصهاينة يقومون في مجالات شتى بتكريس صهينة كل شيء وإعادة صياغة روايتنا عن أنفسنا فأصبح تاريخنا هم من يكتبه وتعليمنا هم من يرسمه ونحن نموت قهرا او نستسلم للنذالة.
ليست طبقة معينة محصور فيها الواجب بل كل الطبقات معنية بالرد والتصدي فالإعلام رغم معاناة الإعلاميين والمطاردات التي تلاحقهم كما الحزبيين ورغم تهميشهم كما النقابيين واتحاداتهم فإنهم جميعا سيكونوا في عمق المعركة للدفاع عن حمى الأمة.
ان الجبن الذي أصاب السياسي تمدد في ثقافتنا وحياتنا السياسية جملة وفي نخبنا السياسية، فلم تعد الأحزاب ولا علماء الدين ولا المثقفين على قدر المسئولية التاريخية بل اخترعوا لهم معاركا وهمية يتلهون بها او يتسلون كي يبرروا لأنفسهم انصرافهم عن معارك الوجود التي عليهم النهوض بها..
ان ما يجري الآن في منطقتنا العربية ليس سببه فقط الأنظمة الرديئة ولكن أيضا المثقف الفاسد والحزبي المعقد والجمعوي التاجر والناس اللاهين.. اننا في معركة كبيرة لا يمكن ان ننتصر فيها بدون قوة حقيقية أساسها الشعور بالعزة القومية والإسلامية والحضارية والتحرر من الجبن والإيمان بالوحدة والانطلاق من هذا كله نحو مواقف عزيزة كريمة على صعيد الشخص والمجتمع والقيادة كان الله في عوننا

اخر الأخبار