ماليزيا تحرج العرب

تابعنا على:   21:54 2019-01-19

عمر حلمي الغول

بات من المؤكد اننا نعيش في زمن العجائب والمفارقات والغرائب. لم يعد هناك ما تستغربه، أو تتفاجأ به. كل الفرضيات ممكنة وواقعية، حتى بات الإنسان يتوقع حدوث تطورات، لم يكن ممكنا وقوعها قبل بضع سنوات قليلة، وإن حدثت، فإن الفاعل والمفعول به يغطيا فعلهما بستار كثيف من السرية والكتمان، ليس هذا فحسب، بل انهما يستخدما بيانات سياسية عدائية فيما بينهما، ليخفيا ما ارتكباه من فعل شائن ومرفوض. فمثلا بعض العرب، هم فعلا عرب بالجنسية والإسم والموقع والهوية، لكنهم على النقيض من العروبة ومصالحها وهمومها وقضاياها الوطنية والقومية، حتى لم يعد المواطن العرب يميزهم عن الصهاينة والأميركان اعداء العرب. وهناك العكس، شعوب وقيادات من قوميات لا تمت للعروبة بصلة، لكنهم يدافعون عن العرب وقضاياهم عموما وقضية فلسطين خصوصا بعناد وثبات يندر ان تجده عند بعض العرب الرسميين. 

ما تقدم عميق الصلة بالموقف، الذي أعلنه مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا الأسبوع الماضي (11يناير 2019) برفض منح اللاعبين الإسرائيليين تأشيرة دخول لبلاده للمشاركة في منافسات بطولة العالم للسباحة البارالمبية، التي من المقرر ان تقام في ماليزيا في تموز/ يوليو القادم. ولتأكيد موقفه أعلن المناضل الشجاع مهاتير محمد، ان قرار الحكومة الماليزية لا رجعة عنه، وهو موقف ليس للمناورة، او للإبتزاز للحصول على قرض، أو لقاء شراء سلاح من الولايات المتحدة، أو للمساومة على فضيحة ما، وقال بالفم الملآن: "إذا ارادت الجهات المنظمة للبطولة سحب حق الإستضافة من ماليزيا، فيمكنها فعل ذلك." ونفس الموقف أكده وزير الخارجية الماليزي، سيف الدين بن عبدالله. 

ومن تابع مواقف الرجل الماليزي المتميز بعبقريته وشجاعته، كان القى في سبتمبر الماضي (2018) في الدورة ال73  للأمم المتحدة كلمته، التي تركزت في معظمها على القضية الفلسطينية، ودافع عن الحقوق الوطنية، وعن السلام الممكن والعادل، كما لم ينطق به الغالبية من قادة العرب سوى ربان القضية ورئيسها محمود عباس وعدد لا يزيد عن اصابع اليد الواحدة منهم. 

الموقف الماليزي الذي يقوده الرجل الجسور مهاتير محمد، يعكس الشجاعة، والقوة وإمتلاك الإرادة السياسية والديبلوماسية والإقتصادية. ومع ان بلاده ليست أغني من بلاد العرب، غير انه وقف بشموخ وصلابة متحديا إسرائيل الإستعمارية ومن ورائها إدارة البلطجي ترامب الأميركية، ولم يهادن في الدفاع عن كلمة الحق، مع انه يعلم علم اليقين ليس عند الفلسطينيين ما يمنحونه اياه سوى تثمين مواقفه المتميزة.

والمفارقة العجيبة تتمثل في لوثة ودونية بعض الدول العربية، وإنحدارها إلى مربع الجبن والرذيلة السياسية والتطبيع المجاني والمتناقض مع ابسط معايير الوطنية والقومية، ومع محددات مبادرة السلام العربية، ومع قرارات القمم العربية المتعاقبة، حيث قامت بإستقبال القادة الأمنيين والوزراء الإسرائيليين الرسميين ومن اعلى المستويات سرا وعلانية بذريعة انهم يرغبوا في الوساطة وتقريب المسافة بين الفلسطينيين والإسرائيليين! وإستقبلوا الرياضيين الإسرائيليين، ورفعوا علم إسرائيل الإستعمارية في بلدانهم، وعزفوا النشيد الإسرائيلي "هاتكفاة" العنصري، وجالوا بوزراء حكومة اليمين المتطرف في المدن والأماكن الهامة من بلدانهم، من اجل مداهنة إدارة ترامب المتوحشة والغبية، التي تشن حربا مفتوحة على المصالح والحقوق الوطنية الفلسطينية. وزاروا دولة الإستعمار الإسرائيلية مرات عدة، وإلتقوا بقادة إسرائيل وزعماء الإيباك اليهودي الصهيوني في اميركا مرات ومرات، وتعهدوا بتمرير صفقة القرن على حساب مصالح الشعب العربي الفلسطيني مقابل حماية رؤوسهم وكراسي حكمهم الكرتونية، وضمان تربع بعضهم على مركز القرار هنا او هناك. 

مهاتير محمد الماليزي وجه صفعة قوية لكل الزعماء (آسف على إستخدام مفردة الزعامة) المتواطئين مع دولة إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، الذين باعوا قضية العرب المركزية في سوق النخاسة الأميركية والإسرائيلية، ووضعهم في موقف محرج، هذا إن بقي للحياء من وجود في أجنداتهم الشخصية والرسمية. 

شكرا لرئيس الوزراء مهاتير محمد ولكل ماليزي دافع عن القضية الفلسطينية العربية. وشكرا لكل إنسان أممي مؤمن بخيار السلام والعدالة السياسية والإجتماعية وإنتصر للقضية الأعدل في التاريخ المعاصر. وشكرا للعرب الأقحاح المناضلين من اجل الحرية والعدالة الإجتماعية، رواد المشروع القومي العربي النهضوي، وحملة راية القضايا العربية كلهاوفي الطليعة منها القضية الفلسطينية

اخر الأخبار