ماذا وراء جولة بومبيو وبولتون في المنطقة؟

تابعنا على:   14:50 2019-01-20

فيصل علوش

الهدف الأساسي من الحراك الأميركي في المنطقة، هو طمأنة الحلفاء بأنها ستظل لاعباً في الشرق الأوسط، وستعمل على إقامة «تحالف إقليمي أمني» لمواجهة ما يسموّنه «الخطر الايراني»!
شهدت المنطقة في الأيام الأخيرة حراكاً دبلوماسياً أميركياً مكثفاً، أعقب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من سورية، والذي أدّى إلى ردود فعل واسعة في مختلف أرجاء المنطقة والعالم، فضلاً عن رفض وانتقاد بعض أقطاب السياسة الأميركية، بمن فيهم بعض الجنرالات ومستشاري الرئيس للأمن القومي. وقد شكلت ردود الفعل تلك والانتقادات الداخلية، ضغوطاً كبيرة على الرئيس دفعته إلى إعلان «إبطاء وتيرة الانسحاب وتمديد المهلة الزمنية المطلوبة لتنفيذه». 
كما كشفت تلك الانتقادات والتصريحات العلنية المتناقضة لعدد من كبار المسؤولين، عن وصول الخلافات العميقة بين مراكز صنع القرار الأميركي إلى مرحلة متقدمة، تشي عن مدى التباين والتخبط، الذي باتت تعاني منه مؤسسات الدولة الأميركية المختلفة، وخصوصاً إزاء التوجهات الاستراتيجية المتصلة بالسياسة الخارجية، حيث يبدو جلياً أن هناك تباعداً ملموساً بين رؤى وتوجهات الرئيس (حديث الانخراط في معمعان السياسة وأبعادها)، وبين رؤى وأجنداتهم وزرائه ومستشاريه، وخاصة لدى هؤلاء الأقرب إلى ما يسمّى بـ«الدولة العميقة» وسياساتها وتحالفاتها التقليدية المُتبعة هنا أو هناك. 
صحيفة «واشنطن بوست» (7/1)، حدّدت هوية المسؤولين الكبار الذين يعرقلون عملية الانسحاب من سورية وهم: «وزير الخارجية مايك بومبيو، مستشار الأمن القومي جون بولتون، والمبعوث الرئاسي الخاص لسوريا جيمس جيفري»، مشيرة إلى تصريحاتهم التي تؤكد على أنّ هدف التواجد العسكري الأميركي في سوريا «لا يقتصر على محاربة (داعش)، بل يشمل التصدي للنفوذ الايراني في سوريا أيضاً»!.
وفي محاولة من إدارة ترامب لاحتواء ردود الفعل الدولية والمحلية الرافضة لقرارها، فقد أوفدت هؤلاء المسؤولين أنفسهم؛ بومبيو و بولتون وجيفري، ليجولوا على العواصم الإقليمية بهدف «طمأنة الحلفاء وتبديد مخاوفهم من تداعيات الانسحاب الأميركي»، كما قال هؤلاء المسؤولون. وإضافة إلى إسرائيل، فقد زار بولتون تركيا، أما بومبيو فقد شملت جولته كلاً من الأردن ومصر والعراق والإمارات والسعودية وقطر والبحرين وسلطنة عمان. 
استمرار الغموض والتخبط!
والحال، فبعد أن أعلن ترامب عن انسحاب كامل وفوري من سوريا، وضعت إدارته على لسان بومبيو وبولتون شروطاً لهذا الانسحاب من شأنها أن ترجئ الأمر إلى بعض الوقت. وتتمثل هذه الشروط في الحاق «هزيمة نهائية بتنظيم داعش»، والتأكد من أنّ «الأكراد الذين قاتلوا لتنظيم الإرهابي سيكونون في مأمن، في وقت تهدّد تركيا بشن هجوم عليهم»، فضلاً عن احتواء ما يسمّى بـ«النفوذ أو الخطر الإيراني».
لكن، وفي الوقت الذي كان فيه بومبيو وبولتون يدليان بتصريحاتهما هذه، كان البنتاغون يعلن عن بدء سحب جنوده من سوريا. ثم جاءت التقارير المتضاربة في هذا الشأن؛ لتكرّس وتزيد من واقع الغموض والضبابية اللذين يحيطان بهذا الأمر!.
عناوين «المرحلة المقبلة»
وقد تبيّن أنّ الهدف الأساسي من جولتهما في المنطقة، هو وضع الخطوط العريضة للسياسة الأميركية وتوجهاتها المقبلة في المنطقة، وقوامها «الاستمرار في احتواء ايران وتقليص النفوذ التركي»، إضافة إلى محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. وأداتها «تشكيل حلف أمني إقليمي» عنوانه مواجهة ايران، سواءً تحت مسمّى «التحالف الاستراتيجي الشرق أوسطي»، أو «الناتو العربي والإسلامي»، كما أطلقت عليه بعض وسائل الإعلام. 
وهذا ينسجم تماماً مع ما حدّده دونالد ترامب خلال زيارة إلى الرياض، (كانت الأولى التي يقوم بها إلى الخارج بعد توليه الرئاسة مطلع 2017)، كخطّ رئيسي لسياسته في «الشرق الأوسط»، وهو «توحيد حلفاء الولايات المتحدة ضد إيران، إضافة إلى مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية».
وفي خطابه الذي ألقاه بالقاهرة، حاول بومبيو، طمأنة حلفاء الولايات المتحدة بأنها عازمة على أن تظل لاعباً في الشرق الأوسط، وشدد على أن إدارة ترامب ليست في وارد الانسحاب من المنطقة، مؤكداً على أن بلاده «تعمل على إقامة تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط لمواجهة أهم الأخطار، (...) وموضحاً أنه سيضم دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى الأردن ومصر.
وإلى ذلك، فقد كان من أبرز القضايا والعناوين التي ركّزت عليها جولة المسؤولين الأميركيين تسريع وتيرة «التطبيع العربي الرسمي مع اسرائيل».
ارتباك في أنقرة بعد تهديد ترامب بـ«تدمير تركيا اقتصادياً»! 
أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب ارتباكاً واضحاً في أنقرة، بعد توعّده بـ«تدمير الاقتصاد التركي» إذا شنّت أنقرة هجوماً على «وحدات حماية الشعب» (الكردية) بعد الانسحاب الأميركي من سورية. ودعا ترامب إلى إقامة «منطقة آمنة» يبلغ عرضها 30 كلم، ولكن من دون أن يضيف أية تفاصيل عن مكانها أو تمويلها. وفي الوقت نفسه، طلب من الأكراد الذين يقاتلون تنظيم داعش، «عدم استفزاز تركيا».
وجاءت تهديدات ترامب متأثرة بالزيارة المتوترة التي قام بها مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، إلى العاصمة التركية مؤخراً، ورفض خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اللقاء به، بعد أن صرّح بأنّه «يجب ضمانة سلامة الحلفاء الأكراد، قبل انسحاب القوات الأميركية من سورية». وطلب بولتون من أنقرة «عدم القيام بأي عمل عسكري ضد أكراد سوريا دون موافقة الولايات المتحدة». واعتبر أردوغان أنّ هذه التصريحات «غير مقبولة، ولا يمكن التساهل معها».
صحيفة «وول ستريت جورنال» (7/1)، كانت كشفت عن محتوى ما في جعبة بولتون خلال زيارته لأنقرة، ووضعه أما المسؤولين الأتراك «خريطة ملونة» أعدها عضو الوفد جيمس جيفري، تحدد فيها واشنطن «مناطق النفوذ الممنوع لتركيا الاقتراب منها»، والتي «تشبه اتفاقية سايكس – بيكو»، على حد تعبير الصحيفة الأميركية!.
وأشار مراقبون في تركيا إلى أن أنقرة فوجئت بحدّة تهديدات ترامب بعد أن أوحى الاتصال الهاتفي بينه وبين نظيره التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي بعودة الودّ إلى علاقات الرجلين والعاصمتين. وعليه، فقد حرص الرئيس التركي، في اتصال مع ترامب (14/1) على التهدئة، مشدداً على أنه لا توجد أي مشكلة لتركيا مع الأكراد، وأنها ترمي فقط لمكافحة «المنظمات الإرهابية» التي تهدد أمنها القومي.
وفيما شدّدت أنقرة على أنها «لا تخشى أي تهديد»، وهو ما جاء على لسان وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو، لكنّ هذا اعتبر «مجرد كلام للتسويق أمام رأي عام محلي تعوّد على سقوف عالية في تصريحات المسؤولين الأتراك»، كما قالت أوساط إعلامية تركية.
أما موافقة أنقرة على تلويح ترامب بإقامة «منطقة آمنة» على الحدود مع تركيا، والتسويق لكونها فكرة تركيا بالأساس، فهي موافقة هدفها ترك باب التواصل موارباً مع إدارة ترامب، والإيحاء بأن الرئيس الأميركي قد يكون اضطر إلى هذه التصريحات «تحت وقع ضغوط من مراكز نفوذ في واشنطن تعارض التقارب مع أنقرة».
وتعي أنقرة جيداً كلفة توتر العلاقات مع واشنطن. وكانت أزمة دبلوماسية اندلعت بين البلدين، العام الماضي، عندما فرض ترامب عقوبات على وزيرين تركيين ورفع الرسوم الجمركية على صادرات المعادن التركية، ما أدى إلى انخفاض قيمة الليرة التركية إلى مستوى غير مسبوق، وجعل الاقتصاد التركي على شفير الكارثة.
لكن اللافت في هذا الإطار هو تدخل زعيم «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، أبومحمد الجولاني، لصالح الموقف التركي معلناً أن فصيله يؤيد شن تركيا لعملية عسكرية ضد المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا، في تطور اعتبر بمثابة دليل آخر على مدى التنسيق الذي يجري بين المخابرات التركية والتنظيم المصنف إرهابياً؟!.

اخر الأخبار