فنزويلا تفتح الملف اللاتيني

تابعنا على:   20:01 2019-02-05

د.خليل حسين

ما سيزيد الأمر تعقيداً، الانقسام العمودي في الداخل الفنزويلي في ظل تماسك القوى العسكرية حول الرئيس مادورو، وانتقال العنف ومشاهد الفوضى إلى الشارع.

ثمة مؤشرات قوية على انفتاح الوضع الفنزويلي على مسارات متعددة ستسهم تالياًَ في فتح ملف أمريكا اللاتينية التي لطالما اعتبرتها الولايات المتحدة الأمريكية حديقة خلفية لها، ذلك بحكم الجغرافيا السياسية وتنوع إغراءات التدخل للتبديل والتغيير.

وفي هذا السياق لم يكن الوضع الفنزويلي سابقة في هذا المجال، فقد سبقه كل من الباراغواي والبرازيل والأرجنتين واللائحة تطول قبلاً وأشهرها كوبا، إلا أن كراكاس شكّلت تحدّياً قوياً لواشنطن، وبخاصة إبان حكم هوغو تشافيز، الذي خلفه نيكولاس مادورو.

تتقاطع أسباب داخلية وإقليمية ودولية لتصعيد الوضع. داخلياً بات من الواضح أن ثمة مشروعين غير قابلين للتعايش حتى قسرياً، وسط دعوات للمظاهرات التي باتت دامية بين مناصري مادورو، ورئيس الجمعية الوطنية خوان غايدو الذي أعلن نفسه رئيساً انتقالياً وتزعم المعارضة بدعم أمريكي واضح والذي بدأ يتوسّع دولياً، في ظل مسعى أمريكي لاستثماره داخلياً في العديد من الملفات المتعلقة بالرئيس دونالد ترامب والانتخابات الرئاسية المقبلة في المدى اللاحق، علاوة على أهمية النفط الفنزويلي حيث تستعدّ للتنقيب في مياهها الإقليمية المحاذية لجزيرة غويانا والتي بموجبها ستصبح من الدول الوازنة نفطياً في السنوات المقبلة.

إنما الأخطر من ذلك كله، من الوجهة الأمريكية ما جرى تداوله سابقاً عن إمكانية إقامة قواعد عسكرية روسية بعدما رصدت واشنطن وجود أربع طائرات روسية استراتيجية في فنزويلا، وهو البلد الذي لا يبعد عن الشاطئ الأمريكي أكثر من 1500 كلم، الأمر الذي يعتبر تحدياً للأمن الحيوي الأمريكي، وهو ما يعيد تجربة واشنطن المريرة في ستينات القرن الماضي مع كل من كوبا والاتحاد السوفييتي آنذاك.

وما يعزز فرضية التقاطع الدولي حالياً التصريحات الأمريكية بإمكانية التدخل العسكري في فنزويلا بعدما أشيع إرسال 5000 جندي أمريكي إلى كولومبيا، الأمر الذي واجهته كل من روسيا والصين بشدة، ما ينذر بتوتر دولي إضافي.

إن ما سيزيد الأمر تعقيداً، الانقسام العمودي في الداخل الفنزويلي في ظل تماسك القوى العسكرية حول الرئيس مادورو، وانتقال العنف ومشاهد الفوضى إلى الشارع، في ظل عقوبات اقتصادية أمريكية واحتجاز أصول مالية فنزويلية في المصارف الأمريكية، وتخفيض العملة الوطنية إلى النصف ما سيزيد من تعقيدات الوضع الاجتماعي الذي سيصبح أكثر قابلية للانفجار، وفي ظل عدم قدرة أي طرف على حسم الوضع لصالحه بالسرعة والوقت المناسبين.

إن موقع فنزويلا الجيواستراتيجي في القارة اللاتينية سيفتح شهية دول كثيرة للاستثمار في الواقع الفنزويلي الراهن، بعدما تهيأت عناصر وعوامل التدخلات، ما ينذر بتكوين ملفات تنافسية وصراعية أخرى في مختلف دول القارة اللاتينية.

فموسكو مثلاً التي تراقب الوضع عن كثب بمواجهة واشنطن لن تترك كراكاس وليمة سهلة المنال، لاسيما أنها بحاجة لتعزيز مواقعها الحيوية على الشاطئ الأطلسي في الخاصرة الرخوة للولايات المتحدة، وهي تجربة خاضتها موسكو السوفييتية في العام 1961بكل قواها، وكادت أن تشعل حرباً نووية بفعل نشر صواريخ استراتيجية في كوبا لم تسحبها آنذاك إلا بعد سحب واشنطن لصواريخ «بيرشينغ» المنصوبة لها في تركيا.

والسؤال الذي سيجدد نفسه هل ستعاد أزمات صواريخ جديدة في ظل رعاية الأزمة الفنزويلية الحالية؟

إن تجارب إدارة الأزمات التي قادتها واشنطن في غير منطقة في العالم تشير إلى ميلها الدائم نحو إشاعة ما تسميه الفوضى الخلاقة بهدف التغيير وفقاً لمنظورها الاستراتيجي، وهذا ما بدا يتهيأ واقعاً في الداخل الفنزويلي، والتجارب السابقة لا سيما في حالات ما يسمى «الربيع العربي» مثلاً ذهبت فيها واشنطن إلى الأخير، فلماذا لا تعيد التجربة في فنزويلا؟ فيما الطرف الآخر الذي يحاول جاهداً إثبات وضعه دولياً، لن يترك واشنطن طليقة اليدين في فنزويلا وغيرها من مواقع الدول اللاتينية بعدما مالت العديد من الدول باتجاه اليمين وتخلت عن اليسار.

ربما صدرت كلمات السر لفتح الوضع اللاتيني واسعاً بعد خضم متغيرات لم تكن بريئة ولا هي ناجمة عن ديناميات التغير الاجتماعي والسياسي الطبيعيين.

عن الخليج الإماراتية

اخر الأخبار