من محطات التآمر الأمريكي لشطب الهوية الفلسطينية، ممثلا وقضية!

تابعنا على:   10:12 2019-02-06

كتب حسن عصفور/ لم يعد بإمكان الفلسطيني، أي فلسطيني، ان يقف على ماهية المشروع الوطني في الوقت الراهن، بل ربما لم يعد هناك رؤية محددة لأهداف النضال المرجوة، ليس لأنها أصبحت "طلسما سياسيا"، بل لأنه لم يعد هناك "حركة وطنية" بالمعني التمثيلي العام، التي تم استبدالها بكينونات تسمي ذاتها باي اسم تريد، دون واقع موضوعي يمكن ان يمنحها فعل وقوة.

ولم يعد هناك سر في أن اغتيال الخالد المؤسس ياسر عرفات، كانت البداية العملية لاغتيال المشروع الوطني الذي حملته قوى الثورة الفلسطينية، في إطار منظمة التحرير منذ الانطلاقة المعاصرة للثورة، وتطور بما يتناسب والمشهد السياسي الممكن، وكان المعلم الرئيسي عام 1974، عندما قادت حركة فتح وبتحالف مع الجبهة الديمقراطية، صياغة البرنامج المرحلي، أو ما عرف بالنقاط العشرة، التي حددت لأول مرة هدفا برنامجيا واقعيا، تجسد فيما أسماه المجلس الوطني في دورته 74 ببرنامج إقامة السلطة فوق أي أرض يتم تحريرها.

وخلال مراحل متقدمة تم بلورة البرنامج "المرحلي" في الوثيقة التاريخية عام 1988، "إعلان دولة فلسطين" في دورة الجزائر، وهي الوثيقة التي حازت إجماعا وطنيا قل نظيره، في مسار منظمة التحرير، بعد ان ايدت الجبهة الشعبية تلك الوثيقة، وقادت حركة فتح، تحالفا في إطار منظمة التحرير وعلى قاعدة برنامج سياسي، منحته الانتفاضة الوطنية الكبرى المتفجرة في ديسمبر 87، قوة مضافة، بولادته الثورية، وليس في لحظة "إنهاك" او "هوان سياسي".

وشكل "إعلان دولة فلسطين" سلاحا هاما لمنظمة التحرير في المراحل التالية لترسيخ الوجود الفلسطيني والهوية الوطنية، التي حاولت أمريكا وبعض الأطراف الإقليمية، وأطراف فلسطينية، النيل منها بل والتطاول بما يمكنها من حصار تمثيلها الشرعي الوحيد، وكانت قواعد مؤتمر مدريد، التي أعلنها وزير الخارجية الأمريكية جميس بيكر1991، رسالة واضحة، ان المخطط القادم تنفيذ "رؤية بوش الأب" عام 1988، في تقرير حمل عنوان "البناء من أجل السلام"، مستندة الى تقرير صاغته مجموعة يهودية صهيونية، منها دينس روس الذي يكن حقدا أيدلوجيا لمنظمة التحرير والثورة وزعيمها الخالد أبو عمار.

"رؤية بوش الأب" 1988، دعت لخلق "قيادة فلسطينية مسؤولة"، ترضى عنها منظمة التحرير، وهي تقريبا ذات الرؤية التي تقدم بها "بوش الابن" عام 2002 التي دعت الى قيادة فلسطينية جديدة، ترابط أيديولوجي هدفه الحقيقي التخلص من منظمة التحرير الفلسطينية، كإطار تمثلي للشعب في كل مناطق تواجده، المسألة التي تعمل الحركة الصهيونية، وعبر أدواتها في المؤسسة الأمريكية بكل سبل على شطبها، وحصرها قصرا في سياق الضفة والقطاع وبعض القدس.

"رؤية بوش الأب"، وضعت هدفها في شروط مؤتمر مدريد، بأن المشاركة يجب الا تمثل منظمة التحرير بشكل مباشر وليس وفا مستقل، بل ينحصر التمثيل على ممثلي الضفة الغربية وقطاع غزة دون القدس والمنظمة، وفي إطار وفد أردني مشترك.

قبول تلك الشروط بعد تعديلات "نسبية"، جاء في سياق قراءة سياسية للمشهد العالم، وتمكنت القيادة برئاسة الشهيد الخالد أبو عمار من السيطرة على مسار التفاوض من مقر "الرئيس العام" في "يوغرتا" بتونس العاصمة، ومنها فتح الباب لمفاوضات أوسلو التي انجبت الاتفاق الشهير، لتسقط كليا المؤامرة "رؤية بوش الأب".

عام 2002، عادت المؤامرة بثوب جديد، عبر "رؤية بوش الابن" في 24 يونيو، بعد أن أفشلت حكومة باراك مفاوضات كمب ديفيد، وبدأت حربا عسكرية وأعادت احتلال الضفة وقطاع غزة وحاصرت الشهيد المؤسس في مقره، يظهر الرئيس الأمريكي، ويقدم ما عرف لاحقا برؤية بوش الابن لـ"حل الدولتين"، مشترطا لها أن يكون هناك "قيادة جديدة" للشعب الفلسطيني، تغيير في المظهر فبدلا من الحديث عن إزاحة الممثل الشرعي الوحيد، لصعوبتها لجا الى التخلص من "زعيم" الشعب، كخطوة على طريق تحقيق الهدف المركزي بشطب الممثل الشرعي الوحيد، ومعها شطب مرحلة تاريخية من كفاح الشعب، وخلق "قيادة مدجنة" لمشروع قاصر ومشوه ومحدود، على طريق تمرير المشروع التهويدي لحل الصراع الدائر.

ومع التخلص من "الزعيم" التاريخي، وتنصيب محمود عباس بعد أن تم التوافق عليه بين إدارة بوش وحكومة شارون كـ "بديل مقبول"، كانت الانتخابات التشريعية 2006، وفتح الباب لحركة حماس ان تشارك دون قيد أو شرط، بعد "مؤامرة ثلاثية" انضمت قطر اليها.
ومن الانتخابات الى رحلة الانقسام التي جاءت كخطوة عملية في ظل اختلاف صلاحيات وبرنامج، بين رئيس متوافق مع رؤية سياسية تتناقض بالشكل مع حركة تقود الحكومة ولها الأغلبية البرلمانية، فسارعت أطراف التآمر بدفع نحو الانقلاب فالانقسام، الذي مر عليه 12 عاما، ساهم موضوعيا بتوفير البيئة العملية لفرض مشروع التهويد، الذي اصبح "حقيقة قائمة"، على طريق ربطه بـ "دولة اليهود".

وجاءت "خطة ترامب" التي تمثل عمليا خطة شارون التي تقدم بها لمحمود عباس عام 1995، لتفتح الباب واسعا لحصار المشروع الوطني الفلسطيني مقابل منح المشروع التهويدي كل السبل لترسيخ اقدامه.

المؤامرة السياسية لإنهاء المشروع الوطني لم تعد ملامح بل أصبحت واقعا، تتحرك بنشاط وحيوية مقتبل حالة فلسطينية غير مسبوقة من التيه السياسي والتوهان التنظيمي.

ولذلك لقاء سياسي جديد لو كان للحياة حضورا!

ملاحظة: التصريحات الإيرانية الأخيرة حول "إبادة دولة إسرائيل"، أصبحت جزءا من خطاب ترامب دفاعا عن دولة عنصرية بقوله "لن نسمح بإبادة اليهود"...المشكلة أن "الحكي الإيراني" طخ في الهواء و"الحكي الترامبي" طخ في الصميم!

تنويه خاص: عندما تقرأ أن المؤسسة الأمنية في دولة الكيان تحذر من انهيار القطاع الصحي في قطاع غزة بعد تخلي عباس عن دعمه، تدرك أنها النهاية السياسية.

اخر الأخبار