مسيرات الجوع بين خيارات "حرب واستسلام ومراجعة"!

تابعنا على:   10:41 2019-02-09

كتب حسن عصفور/ عندما قررت فصائل العمل الوطني في قطاع غزة يوم الأرض 30 مارس (آذار) 2018، انطلاقة مظهر كفاحي شعبي جديد كانت تعلم يقينيا، ان جزء من حركة المواجهة العامة والشعار الملتبس المسمى بـ "مسيرات العودة وكسر الحصار"، ليس سوى فعل تحفيزي لحشد طاقات شعبية، وربط سياسي بين هدف وطني كبير ينسجم مع واقع قطاع غزة السكاني، مجسدا في حق العودة.

 لكن تلك القوى والهيئات، كانت تدرك وبيقينية أكثر، انه شعار لا أكثر في هذه المرحلة، فيما الهدف الحق هو وضع المأساة الإنسانية التي يعشها ما يقارب مليوني انسان في كارثة لا سابق لها، حصار مركب تنفذه الدولة الاحتلالية العنصرية، وزمرة محمود عباس في رام الله، كجزء من رؤية سياسية بإكمال المشروع التهويدي.

ولعل ما أعطته مسيرات الغضب والجوع الإنساني، فاق كثيرا توقعات المشاركين، وأكثر توقعات المراقبين، وأحدثت "هلعا سياسيا – أمنيا واقتصاديا" لدولة الكيان، وجسدت ملحمة كفاحية يوم 14 مايو 2018، بسقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى، ردا على قرار ترامب بنقل سفارة بلاده الى القدس.

ملحمة شعبية هزت المنطقة دون أن تهز "سلطة المقاطعة"، ودون ان تبعثر حسابات طغمة تل أبيب، لكنها فرضت بحثا عن معادلة سياسية للتعامل مع غضب القطاع الشعبي، فيما عرف لاحقا بـ "معادلة التهدئة مقابل المال"، التي كسرت بعض من كرامة هيبة مسيرات الغضب، بتحجيمها مقابل "سعر مالي" وكأنها بضاعة لا أكثر.

وبعيدا عن ذلك، ما هي مجمل نتائج المسيرات، وهل لها فعلا أن تحقق هدفها المعلن بكسر الحصار، فما بات واضحا جدا، ومع مسار الانتخابات الإسرائيلية، والتغييرات التي شهدتها قيادة جيش المحتلين، لم يعد بالإمكان بحث المسألة كما كانت قبل، ليس لفقر الحشد الشعبي في مسيرات الغضب، ولكن لأن هناك مؤشرات ظهرت الى وجود تذمر وطني من استمرارها بلا هدف محدد، او زمن حدد، وكأنها مسيرات من "أجل العناد السياسي".

يوم الجمعة، 8 فبراير 2019، وبعد سقوط شهداء أطفال مع نشر فيديو أحدهم دون الخامسة عشرة، اجتاحت قطاع غزة ردود فعل إنسانية غاضبة جدا لم تكن سابقا، بين منادي بالرد العسكري والانتقام، وبين مطالب بالوقف الفوري لمسيرات "موت الأطفال".

المتابعة السياسية للغضب الشعبي بعد اعلان استشهاد الأطفال شلبي واشتيوي، ليس عفويا ولا طارئا، لكنه جزء من "نقاش عام" بعضه معلن وكثيره غير معلن، والخيارات تتدحرج من رد عسكري صاروخي، دون أي حساب انتقاما لروح الشهداء، خاصة الأطفال منهم، والبعض طالب وقفا فوريا لمسيرات لم تعد "مثمرة"، وبينهما هناك من يبحث "مراجعة شاملة، بلا تردد أو ارتعاش.

بداية، أي محاولة لفرض خيار عسكري راهن بين دولة الكيان وقطاع غزة، ليس سوى جريمة سياسية مهما حاول البعض تبريريها، فأي حرب أو مواجهة عسكرية سيكون أثرها تدميريا دون ثمن لا سياسي ولا انساني، وليس صحيحا رهان "البعض"، بأن نتنياهو لن يغامر بحرب على أبواب الانتخابات، وهو يعلم أن "صواريخ غزة" قد تضرب تل ابيب.

والحقيقة التي قد تغيب عن هؤلاء، ان ضرب تل أبيب سيكون الذريعة الأهم لنتنياهو لشن حرب سياسية عسكرية على قطاع غزة أولا، والضفة ثانيا والقدس ثالثا، ومنها سيعلن مشروعه السياسي تحت باب مواجهة الخطر التهديدي لوجود إسرائيل، وسيدفع أهل القطاع ثمنا مضاعفا، لفرض معادلة اهانة سياسية – إنسانية لاحقا.

الحرب ليست خيارا ولا ردا ولا حلا مطلوبا، دون أن تسقط معها كل إمكانات الرد أو المواجهه في نقطة تصعيد محددة، ولكن ليس مطلوبا أبدا التعامل الانفعالي في لحظة عاطفية سياسيا.

وكما "الرد الحربي" ليس الخيار، فتأكيدا، وقف المسيرات فورا ليس خيارا وهو الوجه الآخر للعسكرة، خيارا تدميريا سياسيا ومعنويا، وكأنه إعلان هزيمة لا أكثر، وهو ما تسعى له "أطراف الحصار" لكسر روح الشعب الفلسطيني ليس في القطاع فحسب، بل في كل أماكن تواجده.

ولقطع الطريق على روح "المغامرة" بشقيها "الحربجي والاستسلامي"، بات واجبا ان تدعو مكونات هيئة العمل الوطني الى وقفة مراجعة شاملة، دون مزايدة أو نقصان، مما كان من فعل كفاحي طوال ما يقارب العام، وان يتم وضع رؤية شاملة متفق عليها، تناقش بكل جدية مع الأشقاء في مصر ومنها بلورة رؤية تصبح "وديعة سياسية " بيد القيادة المصرية تتعامل معها بالتنسيق مع الأمم المتحدة عبر منسقها النشط ملادينوف أحد أضلاع المكون الجديد.

المراجعة لمسيرات الغضب والجوع ليست انتكاسة، كما يحاول البعض ترويجا، بل هي فعل كفاحي وجب القيام به، حماية لبعض مشروع وعملا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في زمن الانكسار العام.

قطاع غزة رأس حربة نعم، لكنه ليس السهم الذي يمكنه أن يعيد رسم معادلة إقليمية...تلك هي المسألة!

ملاحظة: فريق التيار العباسي يبحث عن "بطولة وهمية سياسية" بالحديث عن رفضهم المشاركة في لقاء وارسو، عدم الحضور هناك مهم، لكن الأهم أنهم غابوا عن الحضور الوطني بقراراتهم غير الوطنية!

تنويه خاص: "صلاح الجوجو" فلسطيني غزي يبحث عن الثقافة بين حاويات الزبالة من أجل "لقمة أكل ومن أجل لقمة وعي"...ليت "اتحاد كتاب فلسطين" يعلمون بحضور هذا المثقف بلا ألقاب!

اخر الأخبار