مع الأزمات المتتالية.. الموت يهدد حياة مئات الأطفال المرضى بقطاع غزة

تابعنا على:   02:06 2019-03-06

أمد/ غزة – ترنيم خاطر: في غرفة مشتركة، يسمع فيها أهات الألم، تجلس والدة الطفلة "نجاح الفيومي" على كرسي بجوار سرير ابنتها، في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي بمدينة غزة، ممسكة بيدها الناعمة علها تبث في قلبها الصغير الطمأنينة، وتخفف القليل من وجعها، إلا أن الدموع سرعان ما أغرقت وجنتيها، خوفاً من مصير مجهول ينتظر طفلتها الجميلة.

بنظرات مليئة بالألم، تتأمل والدة الطفلة نجاح وجه طفلتها التي لم تبلغ ربيعها الثالث، فيما تستلقي على سريرها، وتتصل بذراعها أنابيب رفيعة للمحلول الملحي لتغذية جسدها النحيل، تقول:" ابنتي تعاني من سرطان الغدد اللمفاوية، ووضعها يزداد سوءاً يوم بعد يوم".

خوف وترقب

وتضيف :"أشعر بالخوف الشديد أن أفقد نجاح في أي وقت، وأن ينتشر المرض في كافة أنحاء جسدها"، منوهةً ولدت طفلتي ولديها خلع ولادة في رجليها، وتم تحويلها إلى مستشفى المقاصد بالقدس، لتلقي العلاج الذي استمر ما يقارب شهرين، وبعد عودتها بـ 9 أيام أصبح وجهها متنفخاً وتوجهت على الفور إلى مستشفى الدرة الذي قام بتحويلي إلى مستشفى الرنتيسي، لتكون الصدمة بأن لديها المرض اللعين".

وتتابع بغصة الالم:" ومن ذلك الحين وأنا انتظر التحويلة لأن علاجها غير ممكن في مستشفيات القطاع، وأن أتمكن من مرافقتها في رحلة علاجها، ففي المرة السابقة تم رفضي لصغر سني، وقامت أحدى أقاربي بمرافقتها، وهذا الأمر صعب للغاية عليا وعلى طفلتي أيضاً".

وأنهت حديثها لـ "أمد للإعلام" بمطالبة الرئيس أبو مازن بتسريع حصولها على تحويلة العلاج، مشيرةً إلى  أنه رغم ضيق الحال وعدم عمل زوجي، وصعوبة الوضع الاقتصادي، إلا أن كل شيء يمكن أن يهون مقابل أن تعود نجاح كما كانت وأن تمارس حياتها كباقي أطفال عمرها، وتقول:" اشتقت لاحتضانها وأن أضمها لصدري، لعدم قدرتها على القيام من السرير بسبب الجبص الذي يلف رجليها".

نجاح ليست هي الحالة الوحيدة التي تعاني من المرض ونقص الإمكانات وتحتاج لتحويلة علاج، فعلى السرير المجاور لها، يستلقي الطفل مراد الذي يعاني هو أيضاً من مرض السرطان.

تقول أم أحمد الربايعة جدة الطفل "مراد":" يعاني حفيدي من مرض السرطان في احدى كليتيه، كما أن الكلية الأخرى لا تعمل، موضحةً أنها وغالبية أهالي الأطفال المرضى في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي نشعر بالقلق والخوف، ونعيش حالة الترقب والانتظار للحصول على تحويلة العلاج.

وتابعت حديثها لـ "أمد للإعلام": "ليس هذا فقط ما يقلقنا، فمع تزايد الأزمات التي يعاني منها القطاع الصحي بغزة تزداد معاناتنا وتخوفاتنا، من توقف عمل المستشفيات، مع نقص الوقود، وعدم توفر العلاجات اللازمة سواء لمرضى السرطان، أو غيرهم".

ماهو ذنبهم؟!

وأكدت أن حياة أطفالنا ليست بأمان في المستشفيات بسبب الأزمات المتكررة التي تعاني منها، قائلةً: "أطفالنا مش بسهولة جبناهم، مين سيتحمل مسؤوليتهم لو أصابهم مكروه؟".

وبعيونٍ محمرة تفضح حزنها، تساءلت أم أحمد إلى متى سيبقى أطفالنا يعانون، وما هو الذنب الذي اقترفوه حتى لا يتمكنوا من الحصول على العلاج المناسب، وهل ذنبهم الوحيد أنهم فلسطينيون".

وناشدت الرئيس محمود عباس بتسهيل سفر المرضى، وتوفير الأدوية والتحويلات العلاجية اللازمة لهم، قائلة:" أبو مازن أنت أبو الشعب الفلسطيني ومطلوب منك تحس فينا، وبمعاناة أطفالنا".

يذكر أن الحق في الصحة مكفول لجميع المرضى، وهذا يعني أن يستطيع كل فرد الحصول على الرعاية الصحية الجيدة والمقبولة وأن يتمتع بظروف معيشية تدعم بقاءهم أصحاء، وتشكل القيود المفروضة على الحصول على الخدمات الصحية الأساسية أحد الحواجز الرئيسية التي يواجهها الفلسطينيون الذين يعيشون في الضفة الغربية وغزة من أجل الحصول على حقهم في الصحة،  كما وتدعو منظمة الصحة العالمية إلى حماية وتوفير الحق في الصحة لجميع الفلسطينيين.

أزمة تلو الأزمة

من جهته قال د.محمد أبو سلمية مدير مستشفى عبد العزيز الرنتيسي بمدينة غزة :"أن الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة منذ 13 عاماً، أثر على جميع مناحي الحياة في قطاع غزة، وخصوصاً القطاع الصحي، فلا تكاد تحل أزمة حتى ندخل في أزمة أخرى".

وأضاف في حديثة لـ "أمد للإعلام" بالأمس القريب كنا نعاني من نقص ونفاذ الوقود في المستشفيات ولازلنا نعاني من هذه المشكلة حتى الآن، والكل يعلم أن المستشفيات دون وقود لا يمكن أن تعمل بأي حال من الأحوال، مشيراً إلى وجود قسم لغسيل الكلى والعناية المركزة، ومرضى السرطان، داخل المستشفى، فكل هذه الأقسام تصبح بلا فائدة في ظل عدم وجود كهرباء، حيث تصبح كالمقابر.

وتابع حديثه، كما أننا  نعاني الآن من نقص الأدوية الخاصة بالمرضى، وخاصة مرضى السرطان، والعلاج الكيماوي، فهؤلاء المرضى يحتاجون إلى بروتوكولات علاجية محددة، معمول بها في جميع أنحاء العالم، ولا يمكن استبدال هذا العلاج بأي علاج أخر، وهذا البروتوكول يتكون من ثلاث إلى أربعة أدوية إذا فقد أي نوع من هذه الأدوية يكون البروتوكول غير فعال مما يؤدي إلى انتشار المرض، وقد يتوفوا وهم ينتظرون هذا العلاج".

وواصل أبو سلمية حديثه، أما المشكلة الثانية التي يعاني منها المرضى فتتمثل في عدم حصولهم على تصاريح من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، موضحاً أنه بحسب منظمة الصحة العالمية فإن ما بين 45- 50% من هؤلاء المرضى لا يمنحوا التصاريح لاستكمال علاجهم سواء في الداخل المحتل أو القدس أو الضفة الغربية، إضافة إلى حاجة البعض كما أن بعض إلى علاج إشعاعي أو مسح ذري  وهذا غير متوفر في قطاع غزة نهائياً.

مرض السرطان بالأرقام

وأكد أن معدلات مرض السرطان بقطاع غزة كبيرة، فشهرياً نسجل ما بين 120-100  حالة جديدة، منوهاً إلى وجود 7000 مريض سرطان من الكبار في مستشفى الرنتيسي ، إضافة إلى 650 مريض من الأطفال،  فالمرضى بين كماشة منع الاحتلال لسفرهم، وبين نقص الأدوية، فهذا يؤثر على حياتهم بشكل كبير.

وأشار أبو سلمية إلى أن الألم عند مرضى السرطان يكون كبيراً جداً، ولكن مع الأسف في بعض الأحيان تكون حتى المسكنات غير متوفرة، كما أن العلاجات التي ترفع  المناعة في كثير من الأحيان لا تتوفر، مؤكداً أن الوضع جدا صعب بالنسبة للمرضى.

وتابع:" كما أن مرضى غسيل الكلى يعانون أشد المعاناة من نقص الأدوية والمواد الخاصة بالغسيل، كذلك فالكثير من الأدوية الخاصة  بمرضى التشنجات و الأمراض الصدرية غير متوفرة،  موضحاً أن مستشفى الرنتيسي هو مستشفى تخصصي يخدم كل قطاع غزة من رفح وحتى بيت حانون، جميع الحالات الصعبة من المرضى يأتون إليه.

وشدد أبو سلمية على أن الوضع في القطاع الصحي صعب جداً ولا يمكن أن يستمر بهذا الحال، وإذا استمر بهذا الحال فإنه خلال أشهر قليلة وربما أسابيع قليلة سنضطر إلى وقف العلاج الكيماوي على مرضى السرطان، وهذا يمكن أن يؤثر على حياتهم ويشكل تهديد على حياتهم.

ونوه إلى أن الوقود الذي يأتي لقطاع غزة للمستشفيات هو عبارة عن منح إما عربية أو دولية أو إسلامية، فأخر منحة كانت القطرية وانتهت بتاريخ 15  نوفمبر، حيث قامت وزارة الصحة بكل التقليص حتى نستمر في العمل، لكن وصلنا قبل شهر إلى نفاذ الكميات الموجودة لذلك أطلقنا المناشدات.

وأوضح أبو سلمية أن المستشفيات في القطاع تحتاج إلى 400 - 500 ألف لتر بشكل شهري، ومستشفى الرنتيسي يحتاج يومياً إلى 700 لتر، وفي الشهر يحتاج إلى 21  ألف لتر .

وأكد على ضرورة تحيد القطاع الصحي عن أي مناكفات أو تجاذبات سياسية، فالقطاع الصحي يخدم أبناء الشعب الفلسطيني كافة لا يفرق المرض بين أبن تنظيم وتنظيم أخر، مشدداً على ضرورة التدخل العاجل من قبل المجتمع الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ومؤسسات حقوق الإنسان  لحل مشكلة القطاع الصحي، فهي حالة انسانية بحتة، فحتى في الحروب والأزمات المستشفيات تحيد المستشفيات والمرضى.

اخر الأخبار