العلاج بالتكنولوجيا أحدث طريقة لترميم الانكسار النفسي

تابعنا على:   14:44 2019-03-07

أمد / يجمع علماء النفس على أن التعبير عن الحزن والتنفيس عن الإحباط الداخلي أمران مهمان، حتى يكون بمقدور المرء تجاوز الأوقات العصيبة والتركيز بشكل مثمر على الخطوات اللاحقة في حياته.

وقد وجدوا مؤخرا أن الكتابة التعبيرية على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تقدم أفضل الحلول في معالجة التوترات النفسية، بدل الحلول التقليدية من أجل تفادي الانفعالات المنفلتة مثل الصراخ أو تحطيم الأشياء أو الاعتداء على الآخرين!

ويأتي هذا التحول، في وقت تنتشر فيه التقارير والدراسات التي تتحدث عن الآثار السلبية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأفراد والمجتمعات، لتؤكد أنها يمكن أن تعيد التوازن إلى الأشخاص من خلال خلق بديل للعلاقات الاجتماعية التي مزقتها أنماط الحياة الحديثة وخاصة في المدن الكبيرة.

وبدأ بعض الخبراء يصفون وسائل التواصل الاجتماعي بأنها “وباء صحي” رغم إقرارهم بأنها يمكن أن تؤدي إلى مشكلات نفسية وعقلية لدى بعض الشباب، بسبب الاستخدام المفرط الذي يصل إلى الإدمان.

وأكدوا أن هذا الأفق الاجتماعي الذي تقدمه التكنولوجيا يحمل أيضا في فضاءاته علاجات وحلولا لما يعانيه البعض من أمراض وضغوط نفسية. ويعني ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي لها جانب مشرق يستحق التأمل قد يضاهي جميع ما يذكر عن مخاطرها.

وتنسجم هذه الآراء الجديدة مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث يصل عدد مستخدمي فيسبوك لوحده إلى أكثر من ملياري شخص، ناهيك عن العشرات من المواقع الأخرى.

ويمكن لأي مستخدم لتلك المواقع أن يقدر ببساطة أن الغالبية العظمى لأولئك المستخدمين منسجمة تماما مع دور وسائل التواصل الاجتماعي في حياتها بدليل مواظبتها على استخدامها، في مقابل نسبة صغيرة تؤثر عليها تلك الوسائل بشكل سلبي.

تحفل المواقع يوميا بآراء الملايين من المستخدمين التي تثني على وسائل التواصل الاجتماعي في إدامة تواصلهم مع أصدقائهم وعوائلهم بعد تباعد المسافات، وهو ما يؤكد دورها المحوري الإيجابي في حياتهم.

وفي العديد من الدراسات الحديثة في السنوات الأخيرة، انصب تركيز علماء النفس وفرق الباحثين على تحليل ظواهر الفضاءات الإلكترونية على سلوك المستخدمين، في محاولة للبحث عن إجابات على الكثير من الأسئلة الجديدة التي تقدمها أنماط الحياة الحديثة بشأن الصحة النفسية للأفراد والشعوب.

ونجحت بعض التجارب العملية التي شملت وراقبت سلوك أعداد كبيرة من المستخدمين في التمييز بين الأشخاص المعرضين للإصابة بالاكتئاب والأمراض النفسية عن غيرهم بدقة عالية.

كما تمكن الباحثون من رصد العلامات الأولى لإمكانية الإصابة باضطرابات نفسية لدى تسع من بين نحو عشر حالات قبل ظهور وتشخيص تلك الحالات النفسية فعليا بفترة طويلة.

وركز العلماء في أبحاثهم على المفردات الإيجابية والمفردات السلبية بشكل خاص، كونها من أقوى المؤشرات للتنبؤ بإمكانية الإصابة بالاكتئاب وأمراض نفسية أخرى، إضافة إلى مؤشرات أخرى مثل زيادة عدد الكلمات في المنشورات والتغريدات بشكل مبالغ فيه.

وتشير نتائج الأبحاث إلى أن إمكانية الكشف عن مظاهر الإصابة بالأمراض النفسية في الحالات التي تتطلب العلاج قبل فوات الأوان، تعد ميزة إضافية تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي ويصعب بلوغها من دونها.

ويؤكد الباحثون أن الفائدة الكبرى لوسائل التواصل الاجتماعي تكمن في أنها قدمت أثرا إيجابيا هائلا على الصحة العامة والعقلية، تتمثل في عملية التنفيس عن الآلام والمشاعر المكنونة في النفوس.

وذكروا أنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من دورة حياتهم اليومية من خلال الكتابة ونشر الصور والمناسبات والأحداث الاجتماعية. وأكدوا أنها توفر لمعظم المستخدمين قدرا كبيرا من الراحة النفسية.

يرى البعض من المعالجين النفسيين أن التعبير عن الحزن والتنفيس عن الإحباط الداخلي أمر مهم، حتى يكون بمقدور المرء تجاوز الأوقات العصيبة والتركيز بشكل مثمر على الخطوات اللاحقة في حياته.

ويقولون إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت متنفسا يقلل من تراكم الاحتقان وانفجاره في انفعالات قاسية مثل الصراخ أو تحطيم الأشياء أو تصعيد المواجهات مع الغير إلى حد استخدام العنف.

وأكدوا أن اللجوء إلى الكتابة التعبيرية أصبح يعد من أحدث طرق العلاج النفسي، لأن بإمكانها أن تنفس الكبت والمعاناة التي يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية.

كما يمكنها تخليص الذين يعانون من التوتر ومن شأنها أيضا تخليصهم من الشحنة الانفعالية الزائدة، وربما تفوق أهميتها كوسيلة لتنظيم المشاعر، أهميتها كوسيلة لحل المشكلات التي وقعت في الماضي.

ولا يعد هذا التوجه جديدا في علم النفس، حيث يعود إلى عام 1986، حين توصل أستاذ علم النفس الاجتماعي الأميركي جيمس بينبيكر إلى اكتشاف مدهش دفع من خلاله جيلا من الباحثين إلى إجراء العشرات من الدراسات.

وتمحورت فلسفة بينبيكر على حث الطلاب على أن يكتبوا لمدة 15 دقيقة عن أكبر صدمة تعرضوا لها في حياتهم، أو أصعب وقت مروا به إذا لم يكونوا قد تعرضوا لصدمة كبيرة من قبل.

ونصح الطلاب بأن يطلقوا العنان للأفكار الدفينة، ويعبروا عنها على الورق، حتى لو لم يكونوا قد باحوا بتلك الأفكار لأحد من قبل. وطلب منهم تكرار تلك الطريقة من الكتابة على مدار أربعة أيام.

واكتشف بينبيكر أن الطلاب الذين أفصحوا عن مكنون مشاعرهم عن طريق الكتابة، انخفض عدد زياراتهم إلى الأطباء في الأشهر اللاحقة بشكل لافت للنظر.

ومنذ ذلك الحين، تحاول بعض الدراسات النفسية دراسة العلاقة بين ما يعرف بالكتابة التعبيرية والأوقات العصيبة في حياة الناس، إلا أن الملفت للنظر، في ظل الثورة الرقمية التي شهدها القرن الحادي والعشرين، أن فضاءات التواصل الاجتماعي قد عوضت الورقة والقلم اللذين كانا حتى وقت قريب الوسيلة الوحيدة للتعبير.

آثار سلبية
أظهرت عدة أبحاث أن موقعي فيسبوك وتويتر ليسا مجرد منصتين لنشر الصور والمنشورات، بل من الممكن أن يستخدما كميدان واسع للعلماء والباحثين لدراسة وفهم بعض أسرار السلوكيات البشرية.

في عام 2015 سعى باحثون في مركز “بيو” للدراسات ومقره العاصمة الأميركية واشنطن، إلى معرفة ما إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي تزيد من حدة التوتر لدى المستخدمين أكثر مما تخففها.

وأظهر الاستطلاع الذي أجراه المركز، وضم عينة تتكون من نحو 1800 شخص، أن النساء عبرن عن شعورهن بالتوتر والضغوط النفسية أكثر من الرجال، عند استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

وتوصل الباحثون أيضا إلى أن موقع تويتر يعد مساهما قويا في ذلك الشعور، لأنه يزيد من وعي المستخدمين بالتوتر الذي يتعرض له أشخاص آخرون، لكنهم وجدوا كذلك أن موقع تويتر يمكن أيضا أن يكون وسيلة للتكيف مع التوتر والقلق، وبالتالي يساعد في التخفيف منهما.

وأظهرت النتائج أنه كلما تواصل استخدام النساء للموقع أكثر، كلما تراجعت حدة التوتر، لكن نفس الأثر لم يُسجل لدى الرجال. ورجح الباحثون أن الرجال أقل ارتباطا بمواقع التواصل الاجتماعي مقارنة بالنساء.

وإجمالا، انتهى الباحثون في هذا الاستطلاع إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي ترتبط بمستويات أقل من التوتر الذي يشيع الحديث عنه.

وفي النمسا توصل فريق من الباحثين في عام 2014 إلى نتائج أكثر إيجابية تؤكد أن المنشورات السعيدة على مواقع التواصل الاجتماعي تُحدث تأثيرا كبيرا وقويا. وأظهرت النتائج أن كل منشور إيجابي يلهم في المعدل نحو 1.75 منشور إيجابي آخر ما يؤدي تدريجيا لاتساع ذلك الأثر.

ورغم كل تلك النتائج فإن فكرة أن مواقع التواصل الاجتماعي قادرة على إحداث تغيير إيجابي وحقيقي في الحالة المزاجية للمستخدمين، مازالت غير قطعية.

انقسام آراء الباحثين
لا يوجد حتى الآن إجماع بين علماء النفس والباحثين والمرضى على أن التفاعل والتغريد على منصات التواصل الاجتماعي، يمكن أن يساعدا في رفع مزاج الأشخاص ممن يعانون من توترات ومشكلات نفسية.

وتؤكد برايديان أوديا الباحثة في مجال الصحة العقلية في معهد “بلاك دوغ” الأسترالي، على وجود تفسير علمي دقيق أو ارتباط مباشر بين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والميول الانتحارية والمشكلات النفسية التي يعاني منها بعض الشباب.

لكنها في المقابل لا تعتقد أن الرأي الشائع الذي يشير إلى ضرورة أخذ استراحة من مواقع التواصل الاجتماعي لتحسين الحالة النفسية، صحيح بنسبة كبيرة على الإطلاق.

وأكدت أوديا وجود فوائد لما ينشره الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك المنشورات والمشاركات والصور، وذلك من ناحية التعامل مع التوترات والمشكلات النفسية المحتملة.

وشددت في الدراسة التي أجرتها في عام 2017 على أن مواقع التواصل الاجتماعي قد تكون مرهقة في بعض الأحيان، إلا أنها تقدم الكثير من الدعم النفسي والحيوي لأي شخص يعاني من ضغوط وتوترات ومشكلات تتعلق بالصحة النفسية.

ولكن سواء كانت تلك المواقع إيجابية وتساهم في تحسن الصحة النفسية أو كانت سلبية وتؤدي إلى اضطرابات سلوكية، فإن التواصل الإنساني الحقيقي وليس الافتراضي والفضفضة المباشرة وليس على الشاشات ستظل عملية صعبة لا تقدر بثمن. ويرى الكثير من الباحثين أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت حاجة حتمية تملأ فراغا كبيرا بعد أن تقلصت مساحة اللقاءات الاجتماعية التقليدية بسبب أنماط الحياة الحديثة في المدن المزدحمة.

ورغم كل الحديث عن المشكلات النفسية الناجمة عن الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فإن ذلك لا يعني أن تلك الحالات لم تكن موجودة قبل عقدين من الزمان، بل إنها أصبحت بادية للعيان أكثر من أي وقت مضى.

اخر الأخبار