نقد مشروع "حل الدولتين الهزيل"
محمود سعادة
مشروع حل الدولتين وما انبثق عنها من حلول تجزيئية تتبناه معظم الفصائل في الساحة الفلسطينية، وليس فقط حركة فتح، سواءاً ورد ذلك في مواثيقها وبياناتها أو تطبيقاً عملياً على الأرض.ان هذا الحل ولد مشوهاً وغير قابل للتنفيذ، لذلك طرأت على الساحة مفاهيم فضفاضة منها ما يسمى مرحلية الدولة والإستثمار الدبلوماسي للعمل الثوري.
لقد استعمرت الدول الاستعمارية ما يقارب ٧٠% من مساحة العالم، وأقامت مستوطنات في مختلف البلدان، ولم تطرح هذي الدول الاستعمارية فكرة تقاسم البلد المستَعمَر بين المستوطنين والسكان الأصليين، كذلك قاومت الشعوب نحو انهاء كامل للوجود الاستيطاني او الانصهار تماماً في المجتمع المحلي. وهذا الانصهار لا يتم إلا عبر انسلاخ المستوطن عن المركز الاستعماري وتبني الفكر الوطني وفي أحيان قيادة ثورة ضد المركز الاستعماري لرفع الظلم عن الشعب، كما حدث مع ثورة سيمون بوليفار المجيدة. توضيح: ينحدر أصل سيمون بوليفار من عائلة استيطانية قدمت من اقليم الباسك – اسبانيا للاستيطان في كولومبيا، وفي هذي المرحلة تعتبر العائلة استيطانية استعمارية احلالية، وفيما بعد انصهرت الاجيال الجديدة في المجتمع الكولومبي الأصلي وتبنت شعاراته وانسلخت كلياً عن المركز الاستعماري.
وتحاشياً لهذا الخطأ التاريخي أوجدت الحركة الصهيونية ورعاتها الاستعماريين مفهوم المعازل الاستيطانية عبر عزل المستوطنين عن المجتمع الأصلي وعدم السماح للتلاقي المجتمعي (وقد وضح هذه المسألة باستفاضة السيد ايلان بابيه وتحدث عنها الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي لاحقاً).
ان المسار التاريخي يتجه نحو الدولة الواحدة، دولة عربية تترابط ثقافياً وعرقياً مع محيطها، وإن رحيل المستوطنين عنها حتمي سواءاً بالمواجهة العسكرية أو انقضاء الصلة مع المراكز الاستعمارية الراعية لهذا الكيان الغاصب، مع بقاء المستوطنين المنسلخين عن المركز مثل حركة ناطوري كارتا وغيرها.
هذا الكيان الإستيطاني الإحلالي (إستيطاني:بجلب سكان غير أصليين وإحلالي: ليحلوا محل السكان الأصليين) واثناء تكوينه تمثل في ثلاثة مراحل رئيسة: التكون والتطور والتغير (التحول).
-مرحلة التكون: بدأت منذ نهايات القرن التاسع عشر وبداية الهجرات الصهيونية ذات الصبغة اليهودية في ظاهرها والوظيفية في جوهرها
– مرحلة التطور: تمثلت ببداية قرار التقسيم ونشأة الكيان جغرافياً وعسكرياً ومحاولة فصله إقتصادياً عن رعاياه الإستعماريين (الأمر الذي لم ينجح حتى يومنا هذا، حيث بقي إقتصاد هذا الكيان معتمداً إعتماداً كلياً على المعونات التي يتلقاها من رعاته لقاء وظيفة سنتحدث عنها لاحقاً)
– مرحلة التغير (التحول): هي الحتمية التاريخية لكل الإحتلالات والكيانات المصطنعة عبر التاريخ، والتي بدأت منذ إنسحاب قوات هذا الكيان مرغمةً وبمنطق القوة من الجنوب اللبناني عام 2000، وما تلته من حروب لاحقة لم تستطع إسرائيل تنفيذ أي من وظائفها (سواءاً بتطويع المحيط أو استنزاف قوته)
ما هي الوظيفة (الوظائف) التي من أجلها عمدت الدول الإستعمارية على إنشاء هذا الكيان الإستيطاني الإحلالي؟
* بدايةً إن إضفاء الصبغة الدينية على هذا الكيان هو محاولة لتغييب العقل الجمعي العربي، وإخفاء الوقائع الإستعمارية والوظائف الحقيقية تحت ستار غيبي ديني ميتافيزيقي، وهذي الوظائف تلخصت في:
– تدمير مقدرات الشعب العربي الفلسطيني وتفكيك بنيته المجتمعية سواءاً بالقتل أو الإعتقال أو التهجير القسري في أماكن متعددة متباعدة جغرافياً بشكل نسبي
– تطويع المحيط العربي وجعله تابعاً للسياسة الإستعمارية ومنفذاً ومثبتاً للوظيفة الأولى- منع أو الحد من نهضة شعوب المنطقة، عبر ضربها عسكرياً بشكل مباشر، أو إثارة للنعرات الإثنية والمذهبية والمناطقية، لإبقاءها ضعيفة غير قادرة على إدارة نفسها بنفسها
– الكيان هو قاعدة عسكرية ثابتة تنطلق منها الغزوات الإستعمارية، ومركزاً إستخبارياً يقرأ ويحلل ويوصي رعاياه الإستعماريين