دعوة لقراءة إعتداء نيوزلندة بالمقلوب

تابعنا على:   13:52 2019-03-24

عصام حلمي حماد

لا يختلف اثنان على وصف التصرفات التي قامت بها رئيسة وزراء نيوزلندة بالجريئة والحكيمة والإنسانية، لا بل تعدت ذلك لتكون مفاجئة وغير متوقعة.
لقد استيقظنا صباح الجمعة 15 مارس 2019 على وقع عمل إرهابي شنيع، فقد قتل شخص دخل إلى مكان عبادة في وقت الصلاة أكثر من خمسين ضحية وهو ينتصر في داخله لهواجس صنعتها أحقاد كانت تسود بين البشر منذ قرون،
كنا نود أن يتحرك العالم لينصف المسلمين، وليقتص من هذا الارهابي المجرم، ولو أننا علمنا خلفه منظمة أو جماعة ما، لطالبنا بإجتثاثها وإقتلاع كل أعضائها، بل وربما طالبنا بشن الحرب على الإرهاب وأهله وكل من يقف خلف هكذا أعمال إرهابية جبانة.
دعونا نستدعي حادث 11 سبتمبر
اصطدمت طائرتان مدنيتان ببرجي التجارة العالميين في مستهل يوم عمل حيث توجه المدنيون لأعمالهم ومكاتبهم بهدوء اعتادوه في كل يوم، ليبدأ كل منهم في خدمة الانسانية حسب مجاله، منهم من يعمل بالتجارة، ومنهم من يعمل بالتدريب على نقل الخبرات والمعارف، ومنهم من ينظم إحتياجات المسافرين، ومنهم من يصمم نماذج جديدة لصمامات القلب ودعامات الشرايين، ومنهم من يدير أعماله في دول أخرى من مكتبه في هذا المكان، ومنهم ومنهم ومنهم ...
تناسى أو تغافل أو لربما لم يدرك من قام بالتخطيط لهذا الفعل أو من نفذه كل هذه التفاصيل ليجبر الطائرتين بمن فيهما من الركاب المدنيين على الإصطدام ببرجي التجارة العالميين آملاً في إنهيارهما وانهيار القوة الإقتصادية الأمريكية معهما، لتكون حصيلة ما أنجزو هو فقدان ثلاثة آلاف من المدنيين الأبرياء لأرواحهم، ومن ثم يأتي تنظيم القاعدة ليتبنى هذا الفعل الإجرامي على لسان زعيمه أسامة بن لادن ..
دعونا نقلب المشهد الآن ونتمثل دور رئيسة الوزراء النيوزلندية ثم نستدعي كل مشاعرنا ونحن نشاهد ما فعله المجرم الإرهابي بالمصلين وما فعله المجرم الإرهابي بالمدنيين في برجي التجارة وركاب الطائرتين الذين تم شويهم باللهب المتولد عن الاصطدام قبل أن تتناشر أشلاؤهم من علو، ودعونا نقدر ما كان يحب أن تفعله رئيسة الوزراء أو أي إنسان طبيعي حر في هذا الموقف ...
في لحظة صدق مع النفس ليس لنا إلا أن ندرك الحقيقة الدامغة وهي أن الإرهاب واحد بغض النظر عمن يتبناه، وكان لا بد أن يدرك الجميع بأن هذا البن لادن قد اقترف ذنباً عظيما عندما غرد خارج سرب الانسانية والدين، وأن هذا الفعل الجبان كان لابد أن يستدعي أفعالاً جبانة مثله وأن المسلمين سيدفعون ثمن هكذا مواقف.
ربما ما فعلته رئيسة وزراء نيوزلندة يجب أن يدفعنا لفهم قيم التسامح التي نحن من كان يجدر أن يتصدر رفع لوائها للعالمين، وكان يجب أن نفهم بأن دخول الناس أفواجا في الاسلام لا يتم بالسلاح ولكن بإعلاء القيم التي نتشارك فيها جميعا بعيدا عن التخوين والاستعلاء.
لقد كان ومازال مطلوب منا بأن ندرك أن الإرهاب لا دين له، وان كل من يرعب الناس المدنيين ويقتلهم أو يتسبب لهم بالأذى فهو إرهابي دون مواربة، وأننا دفعنا من مستقبلنا ورفعتنا ثمناً كبيراً للتطبيل والتهليل لأناس آذوا معاني الإنسانية بإسم الدين وبسبب فكرهم المتخلف،
من كان يعتقد أن المطلوب هو أن يتحول الناس جميعاً لمسلمين فهو واهم، لأن ذلك لم يكن مطلوباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل طالبه الله في سورة الكافرون بمخاطبة الكافرين
" ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين" فما بالكم بأصحاب الديانات السماوية؟
وفي آية أخرى يقول الله " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " فهل نجتهد في تصنيف البشر والله قد طمأنهم على مستقبلهم إذا آمنوا به وأحسنوا العمل؟
ان حرية اختيار الدين هي حرية فردية لا تعنينا بشيء، وليس مطلوباً منا أن نشق صدور أحد أو نتتبع سرائرهم، ولكن ما يعنينا هو التشارك معهم بقيم التسامح والحرية والانسانية .

اخر الأخبار