منظمات المجتمع المدني الفلسطيني العاملة في حقوق الانسان والديمقراطية والمرحلة القادمة

تابعنا على:   23:11 2014-06-20

ا. علاء محمد منصور

يعتبر مفهوم منظمات المجتمع المدني من المفاهيم التي لم تحظى بتعريف موحد لدى الباحثين والدارسين, ولكن الرأي السائد حول هذا المفهوم بأنه تعبير عن مجموعة "الحركات الاجتماعية التي تسعى للحد من هيمنة سلطة الدولة على المجتمع, وتتمثل هذه الحركات بالمؤسسات والمنظمات الطوعية غير الرسمية التي تعمل باستقلالية بعيداً عن سلطة الدولة وسيطرتها" (أبو عدوان, 2013, 25), حيث يتضمن هذا المفهوم جميع المنظمات التي تعمل خارج الاطار الرسمي للدولة كالأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات المهنية والحركات الطلابية والنسوية, ومنظمات حقوق الانسان والديمقراطية, والجمعيات الثقافية والخيرية والتنموية, والأندية الرياضية.

وعند محاولة التعرف على المجتمع المدني أو تعريفه نجد أنه ذلك المجتمع الذي تنتظم العلاقات بين أفراده على أساس الديمقراطية, حيث يمارس فيه الحكم على أساس أغلبية سياسية حزبية, وتحترم فيه حقوق المواطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وهو المجتمع القائم على أساس دولة المؤسسات بمعناها الحديث من مؤسسات, برلمان, قضاء مستقل, تعددية الأحزاب السياسية, اضافة لوجود منظمات نقابات وجمعيات فاعلة. وقد عرفه بعض الباحثين بأنه "مجموعة من التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها أو تحقيق منفعة عامة, ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السليمة للتنوع" (قنديل, 2010, 16).

وقد ظهر مفهوم المجتمع المدني مع انتهاء حقبة الحرب الباردة وانتصار النموذج الليبرالي الغربي وتفكك دول المنظومة الاشتراكية, والتي لعب فيها المجتمع المدني دور المحرك الأساس في عملية التغيير, وتحديداً عام 1989م عندما سطع نجم نقابة "التضامن" البولندية ودورها في احداث التحول والتغيير في بولندا. حيث أبرزت عمليات التحول والتغيير التي اجتاحت أوروبا الشرقية أهمية ودور المجتمع المدني في أخذ زمام المبادرة وقيادة عملية التحول الديمقراطي وفرض نفسه على الحلبة السياسية للدول. ومنذ ثلاثة عقود لم يحظى مصطلح بمثل الاهتمام الذي حظي به مصطلح "المجتمع المدني" في أوساط النخب السياسية الغربية والعربية, وأصبح تداول المصطلح من ضرورات الخطاب السياسي لكافة المهتمين بقضايا التنمية السياسية والإصلاح والتحول الديمقراطي, سواء كان في الوطن العربي أو في بقية أنحاء العالم الثالث. وأضحت ظاهرة المجتمع المدني موجودة بل تفرض نفسها على سياسة الدول الداخلية والخارجية, حتى أصبحت تحظى باهتمام القوى الكبرى في العالم. و وعلى خلاف الأحزاب السياسية التي تهدف للوصول للسلطة و يعتبرها البعض طليعة المجتمع المدني, الا أن هذه المنظمات ليس لها طمعاً في الوصول لسدة الحكم, وهي تطالب بمجموعة من الحقوق التي ترى فيها الأنظمة العربية مطالب عادلة, وبذلك فالأنظمة الرسمية لا تمنعها من العمل والتحرك العلني على الصعيد السياسي والاجتماعي, لذك تصبح هذه المنظمات الأقدر على العمل والتحرك وأقل عرضة للاحتواء والسيطرة من قبل الدولة وأجهزتها, وهو ما جعل منظمات حقوق الانسان والديمقراطية تقف في طليعة مكونات المجتمع المدني الفاعلة, وباتت على سلم أولويات الاهتمام المحلي والدولي.

وفي الحالة الفلسطينية "نشأت منظمات المجتمع المدني وتطورت في ظل غياب السلطة اليومية الشرعية نتيجة الاحتلال, اذ تطورت منظمات المجتمع المدني لتقوم بمهام ومسئوليات هي صلب اختصاص السلطة, وليست مكملة لها كما هو الحال في دول العالم المستقلة" (أبو عدوان, 2013, 4), وهذه النشأة والتطور تنطبق على معظم منظمات المجتمع المدني الفلسطيني, باستثناء منظمات حقوق الانسان والديمقراطية والتي لم ترى النور الا بعد قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994م, عدا عن بضعة مؤسسات حقوقية عملت في ظل الاحتلال خاصة في الضفة الغربية. ونظراً للخصوصية التي يتمتع بها المجتمع المدني الفلسطيني عن بقية أنحاء العالم الثالث, كون الدولة الفلسطينية لم تتحقق بالمعني الحقيقي والسيادي للكلمة, الا أن هذا له ما يبرره لوجود كثيراً من دول العالم الثالث تفتقر الى مقومات الدولة, وهي ليست دولاً الا من خلال عضويتها بمنظمة الأمم المتحدة, ومجتمعاتها مازالت تفتقر الى مقوماتها السياسية والأهلية, ومع ذلك يجري العمل على نهضة هذه الدول عبر تطويرها واجراء الاصلاح الديمقراطي فيها عبر قوى ومنظمات المجتمع المدني فيها, ولكن الخصوصية الفلسطينية تكمن في فرادة تطور تشكيل المجتمع المدني الفلسطيني للحد الذي تشابه فيه مع تطور مفهوم المجتمع المدني الغربي والذي " لم ينشأ يوما في تاريخ اوروبا بوصفه مفهوما ناجزا بعد تحقق مشروع الدولة اذ صار جنبا الى جنب مع تشكلها وتحققها" (ابو سيف, 2005, 137).

وقد احدث التحول السياسي المتعلق بتوقيع اتفاقية اوسلو عام 1993م بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل, وقيام السلطة الفلسطينية عام 1994م, منعطفاً وتغيراً هاماً في تاريخ تطور الكيان السياسي الفلسطيني وفي طبيعة العلاقات القائمة في المجتمع الفلسطيني, ويأتي هذا التحديد في تطور علاقات المجتمع الفلسطيني, انطلاقاً من فهم طبيعة العلاقة لدى البعض بين المجتمع المدني والدولة على أنها علاقة اقصائية, وفي أفضل الحالات هي علاقة توازن بين المجتمع المدني والدولة, وهنا يتضح طبيعة وأهمية حالة التوازن بين أطراف معادلة الفرد, المجتمع المدني, الدولة. ومع ذلك هناك من يرى أنه "خلال فترة الاحتلال الاسرائيلي يصعب اعتبار منظمات المجتمع المدني الفلسطيني المختلفة مجتمعاً مدنياً, نظراً لغياب الدولة" (أبو سيف, 2005, 13), في حين يرى آخرون أنه في "ظل غياب الدولة الفلسطينية تتطور المنظمات المجتمعية في فضاء الإقصاء المتبادل مع دولة الاحتلال, وفي تلك المرحلة كان المجتمع المدني الفلسطيني هو المجتمع السياسي الفلسطيني" (بشارة, 2006, 29), وهذا الفهم يعود لحالة الصراع والعداء بين منظمات المجتمع المدني ودولة الاحتلال, ولم يجري البحث عن المواطنة وحقوقها في سياق هذه العلاقة, بقدر ما كانت العلاقة تعبيراً عن الصراع الوطني ضد الاحتلال, وهذا تجسد بمقاومة الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والمنظمات المدنية الفلسطينية لسياسة الاحتلال الاسرائيلي طيلة سنوات الاحتلال, حيث تميزت هذه الحقبة بتغليب السياسي على المدني عندما غابت السلطة التي تجسد روح الدولة الوطنية, وكان للتحول في طبيعة السلطة الحاكمة الأثر المباشر على طبيعة العلاقة القائمة بين المجتمع المدني الفلسطيني والسلطة السياسية الجديدة, وهو ما تم فعلاً بقيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994م تجسيداً لتواجد الكيان السياسي الفلسطيني الوليد, ورغم عدم اعتبارنا السلطة الفلسطينية دولة كاملة السيادة, الا أنها تتمتع بوصفها كيان سياسي ذو سلطات محلية, يمكن بلورة علاقة المجتمع المدني معها ضمن ثنائية الدولة/ المجتمع. وقد تميز عمل منظمات المجتمع المدني وخاصة الحقوقية والديمقراطية منها بعد قيام السلطة الفلسطينية بالمهنية والتخصص, وما يتطلبه ذلك من هياكل ادارية منظمه وموارد مالية "تفرضها متطلبات الواقع الجديد, حيث نشطت في تعبئة الجماهير والضغط من أجل اعداد مسودة الدستور الفلسطيني, وتعديل قانون الانتخابات والمجالس المحلية, وغيرها من قضايا" (أبو رمضان, 2006, 162), وكما هو معروف يمر المجتمع الفلسطيني حاليًا بعمليتين مترابطتين، ونعني بهما: بناء المجتمع المدني الديمقراطي والتحول نحو الاستقلال الوطني والانعتاق من نير الاحتلال على الرغم من المعيقات والتحديات الكبرى التي تعصف بهاتين العمليتين. الا أن الصلة بين العمليتين قوية وعميقة، بل أنهما أقرب إلى أن تكونا عملية واحدة من حيث الجوهر، ففي الوقت الذى تتبلور فيه التشكيلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية، فإنها تخلق معها تنظيمات مجتمعها المدني التي تسعى بدورها إلى توسيع دعائم المشاركة السياسية في الحكم, والتي هي محور عملية الدمقرطة او التحول الديمقراطي.

حيث يمكن تعريف التحول الديمقراطي بأنه "العملية التي يتم في اطارها صياغة أساليب وقواعد حل الصراعات بطرق سلمية، وصولا الى وضع دستوري ديمقراطي، وعقد انتخابات نزيهة وحرة، وتوسيع نطاق المشاركة السياسية باعتبارها معيارا لنمو النظام السياسي ومؤشرا دالا على ديمقراطيته" (سمية, 2012), فالتحول الديمقراطي يعني الانتقال من نظام تكون فيه العلاقات داخل المجتمع السياسي مؤسسة على السيطرة والخضوع وما تفرضه من استعمال للقوة إلى نظام ديمقراطي تقوم فيه علاقات مؤسسة على طاعة واعية بالحقوق والواجبات وليس إذعان ومؤسس على الفصل بين السلطات, ويعتبر الانتقال الديمقراطي أحد مراحل عملية التحول الديمقراطي، وأخطرها لوجود إمكانية يتعرض فيها النظام برمته لانتكاسات، حيث تتميز هذه المرحلة بالصراع بين النظام السابق والممارسة الديمقراطية الجديدة.

وبشكل عام يعني التحول الديمقراطي الانتقال بالمجتمع من وضع إلى وضع أفضل من سابقه، ويتميز بمبدأ التعاقب السلمي على السلطة السياسية، عبر حق الأغلبية التى يفرزها الاختيار الديمقراطي الحر في ظل تعددية الأحزاب السياسية، ضمن اطار احترام حقوق الإنسان وحرياته وشخصيته الحضارية في المستوى الاول, مع ضرورة التخلي عن الايديولوجية الانقلابية, وتوفر الاستقرار الاقتصادي مع عدم وجود تهديد خارجي فاعل, وتوفر منظمات المجتمع المدني الفاعلة والمؤثرة في شئون ونواحي الحياة المختلفة.

وتعتبر منظمات المجتمع المدني المرتكز الأساسي في عملية التحول الديمقراطي, خاصة ضمن ما ستمليه ضرورات المرحلة القادمة واستحقاقاتها, فهذه المنظمات تقوم بالتنشئة السياسية المبكرة للمواطنين, عبر فعالياتها المختلفة لترسيخ مفاهيم الحقوق والواجبات وضرورة المشاركة السياسية الفاعلة في الأنشطة الهادفة للإصلاح الديمقراطي, فالمشاركة السياسية هي عملية اعطاء الحق الديمقراطي الدستوري لكافة أفراد المجتمع البالغين العاقلين واشراكهم بصورة منظمة في عملية صنع القرار السياسي, دون ممارسة أي ضغوط قد تؤثر على أفراد المجتمع خلال ممارستهم هذا الحق, ويعرف هذا المفهوم على "أنه العملية التي يلعب الفرد من خلالها دوراً في الحياة الاجتماعية والسياسية في بلده, التي تتيح له فرصة الاسهام في وضع الأهداف العامة المجتمعية, واقتراح أفضل الوسائل لتحقيق تلك الأهداف وانجازها" (الشرقاوي وآخرون, 2006, 9), وهناك من عرف المشاركة السياسية على أنها "الأنشطة الاختيارية أو التطوعية التي يسهم أفراد المجتمع عن طريقها في اختيار حكامهم, وفي وضع السياسة العامة بشكل مباشر أو غير مباشر, والأشكال التقليدية لهذه الأنشطة تشمل: التصويت والمناقشات, وحضور الاجتماعات العامة, والاتصال بالنواب, أما أكثر اشكال المشاركة فهي الانضمام للأحزاب والمساهمة في الدعاية الانتخابية, والسعي للاطلاع بالمهام الحزبية والعامة" (تاج الدين, 2010, 10).

لقد باتت عملية التحول الديمقراطي تشكل أسمى أهداف ومهام منظمات المجتمع المدني, تحقيقاً "للنظرية السياسية التي تركز على تكوين المجتمع المدني في الدول غير الديمقراطية بوصفة ضرورة ديمقراطية" (أبو سيف, 2005, 215). وبيد أن تلك المنظمات على الصعيد العربي قد فشلت حتى الآن في تحقيق مهمة التحول الديمقراطي, فذلك ليس من باب التبسيط للقضية أن يعزى فشل الديمقراطية العربية على كاهل المجتمع المدني بمختلف مكوناته, ولكن من المنطقي عدم اعفاء المجتمع المدني العربي عن قصوره في تحقيق أهدافه. فدور المجتمع المدني يكمن في عملية الاصلاح الديمقراطي, والقاعدة تقول أن مجتمعاً قوياً وفاعلاً ضمانة أكيدة لازدهار الديمقراطية. وهنا يكمن جوهر العملية الديمقراطية أو بالأحرى عملية الدمقرطة كما اصطلح على تسميتها, حيث لا يمكن الحديث عن مجتمع مدني فاعل بدون التعرض للمشاركة السياسية لأفراد المجتمع, فهي مستلزم أساسي لإرساء قواعد المجتمع الديمقراطي, وهي التي تعكس طبيعة العملية الديمقراطية في المجتمع بحالتيها السلبية والايجابية, وتمثل قلب الديمقراطية, فارتفاع نسبتها دليل على اتساع الديمقراطية وأفول المشاركة السياسية مؤشر على انحسارها, فهي تعتبر من أساسيات الواقع الديمقراطي, وحيث أن الديمقراطية عملية مركبة من مجموعة من العناصر, كل منها يشكل عملية قائمة بذاتها, لذلك نجد المشاركة السياسية كأحد هذه العناصر تمثل عملية قائمة بذاتها لها عناصرها الأساسية والضرورية والتي لا يمكن اهمالها بل يجب الاهتمام بها وتعزيزها, حتى يتحقق الهدف المنشود منها والمتمثل بإرساء الديمقراطية, فالمشاركة السياسية كما أسلفت تعني "اسهام المواطن في ممارسة حقوقه المدنية والسياسية, ابتداءً من الانضمام للأحزاب السياسية والاتحادات والنقابات المهنية والنقابية الى الترشح للمناصب العامة وتولي تلك المناصب, الى التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية, الى المشاركة في الحملات الانتخابية والمؤتمرات والندوات المعنية بتسيير شئون المجتمع" (تاج الدين, 2010, 3), وفي العصر الحالي أصبح توسيع نطاق المشاركة السياسية مطلباً لجميع منظمات المجتمع المدني وذلك للقضاء على ظاهرة زيادة فئة غير المهتمين سياسياً, من أجل اخراج المواطن من حالة اللامبالاة المدنية وأنانية الذات, وخروج السلطة عن استبدادها لا بد من وجود جمعيات وبنى وسيطة تستطيع أن تحمي المواطن وتضمن انخراطه ومشاركته في الحياة العامة. وهذا يتطلب ضرورة عدم ابتعاد المجتمع المدني عن المجتمع بل التصاقه به كي لا يختل مبدأ المشاركة التي من المفروض أن يساهم المجتمع المدني بمنظماته المختلفة في تعزيزها. وفي الوقت الراهن لم تعد عملية المشاركة السياسية الفاعلة والتي تشكل المحور الرئيس للتحول الديمقراطي, تقلق أقطاب المجتمع المدني في الدول الغربية, لكونها باتت من مسلمات النظام السياسي والاجتماعي والفكري, ومعلماً رئيساً من معالم المجتمعات المدنية الحديثة, ولكنها تشكل الفعل الأساس لمنظمات المجتمع المدني في العالم الثالث, حيث المواطن ليس مواطناً بالمعنى الحقوقي للكلمة اذ أن حقوقه كلها(المدنية والسياسية والاجتماعية) كلها مغيبة أو مسلوبة(أبو سيف, 2005, 34), ومن هنا باتت الأهمية الكبرى ملقاة على كاهل منظمات المجتمع المدني وخاصة تلك العاملة في حقوق الانسان والديمقراطية لتعزيز عملية المشاركة السياسية والنهوض بمجتمعاتها نحو التحرر والديمقراطية, فهذه المنظمات تعمل في الجذور وبين الشرائح المختلفة وفي الساحات التي تهملها الدولة, والتي تتجاوزها منظمات المجتمع المدني الأخرى إما لناحية عدم الاختصاص أو لعدم المعرفة بأهميتها, حتى باتت هذه المنظمات نقطة جذب(محور) في علاقة الدولة بمحيطها وبالمجتمع عموماً.

وما ميز هذه المنظمات انها انتشرت في أراضي السلطة الفلسطينية الى درجة تحولها لظاهرة في أوساط نخب المثقفين والذين خاضوا العمل الوطني ضمن عملية التحرر الوطني من الاحتلال. حيث أضحت المنظمات الحقوقية والديمقراطية وسيلة نضال قانونية في وجه التحديات الوطنية والدولية التي تواجه المجتمع الفلسطيني وقضاياه المصيرية, مستمدة قوتها من المواثيق والأعراف الوطنية والدولية, ودورها تعدى ولم يقتصر على رصد وتوثيق ونشر انتهاكات حقوق الانسان الفلسطيني من قبل الاحتلال الاسرائيلي, بل الى أدوار سياسية واجتماعية وثقافية أخرى تساهم في عملية البناء والتحول الديمقراطي للمجتمع الفلسطيني.

لقد عملت منظمات حقوق الانسان والديمقراطية بشكل مركز على تفعيل الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني (كثقافة وحقوق ونظام حكم) وتشجيع المواطن على ممارسة حقوقه المدنية والسياسية, وتحفيز مشاركته السياسية, وخاصة في الانتخابات لتمثل السلطة الحاكمة المحكومين وتعبر عن ارادتهم, وبعد مرور أكثر من عشرين عاماً على نشأة وتطور منظمات المجتمع المدني الفلسطيني العاملة في حقوق الانسان والديمقراطية فإنها باتت تساهم بشكل فاعل في عملية التحول الديمقراطي من خلال دورها المحوري في تعزيز المشاركة السياسية في فلسطين. فهذه المنظمات لديها القدرة في المساهمة لإحداث التغيير والتحول الديمقراطي القائم على المشاركة السياسية الفاعلة في تحديد الشعوب لخياراتها المستقبلية في التحرر والبناء والتقدم, ولديها القدرة والكفاءة في دحض الاتهامات الموجه لها والمتعلقة باستنادها على المساعدات المالية الغربية وما تمليه من أجندات تنعكس على نشاط وعمل تلك المنظمات, والسبيل لذلك هو ضرورة ترسيخ مفاهيمها الوطنية والانسانية والديمقراطية, ضمن أنشطة وفعاليات وبرامج تلك المنظمات في المرحلة القادمة. بالإضافة لتفعيل وتطوير واستحداث آليات عمل جديدة لتعزيز عملية المشاركة السياسية في المجتمع الفلسطيني. والاهتمام بنشر الدراسات والأبحاث المتعلقة بالمجتمع المدني العربي والفلسطيني أو تلك الخاصة بتجارب المجتمعات المدنية على الصعيد الدولي, وتعميمها على شرائح المجتمع المختلفة, ورسم خطوط علاقتها مع السلطة الفلسطينية سوف تستند الى مدى تطبيق واحترام مبادئ القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الانسان.

لقد بات من الضروري وبما لا يدع مجال الشك, بل يتوجب على منظمات حقوق الانسان والديمقراطية أن تولي اهتماما أكبر بعملية التحول الديمقراطي في فلسطين لاسيما التركيز على دورها في تعزيز المشاركة السياسية, ولا يبقى دورها المحوري وجل أنشطتها تدور حول رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الانسان سواء من قبل الاحتلال الاسرائيلي أو من قبل السلطة الفلسطينية, ولا نستطيع أن ننفي أهمية ذلك الدور, الا أنه هناك ضرورة تقتضي النهوض بدور تلك المنظمات الحقوقية والديمقراطية لتواكب العمليتين المترابطتين والمتلازمتين في فلسطين, وهما بناء المجتمع المدني الديمقراطي والتحول نحو الاستقلال الوطني, لتحقيق تكوين المجتمع المدني الفاعل والنشط بالتوازي مع وجود دولة قوية وثابتة وممأسسة.

وهذا يتطلب إيلاء أهمية جادة نحو تمكين المجتمع الفلسطيني عن طريق المساهمة الفاعلة في بناء الوعي الجماهيري حول ديناميكيات القضايا الوطنية والمحلية, وبناء القدرات الشعبية على المشاركة في صياغة السياسات الوطنية المتوازنة مع الاولويات المعيشية للمواطنين, مع المساعدة على تكوين وبلورة بيئة تشجع الناس على المشاركة في عملية صنع القرار.

إضافة لأهمية قيام تلك المنظمات بإجراء تقييم جدي شامل ومراجعة نقدية لأهدافها وغاياتها وآليات عملها لكي تستطيع أن تفي بمتطلبات المرحلة القادمة, والعمل بشكل جدي وفاعل ضمن جسم مجتمعي واحد ومنظم على ضرورة رفع يد السلطة عن المجتمع المدني والمحافظة على استقلاليته بعيداً عن محاولات احتوائه الحزبية أو الجهوية.

اعداد: ا. علاء محمد منصور

كاتب وباحث في الدراسات السياسية

المراجع

- أبو رمضان، محسن. (2006) : قطاع غزة بعد الانسحاب – دراسة تقيمية للواقع ورؤية مستقبلية, ط1, برنامج دراسات التنمية, جامعة بير زيت, رام الله, فلسطين.

- أبو سيف, عاطف. (2005): المجتمع المدني والدولة: قراءة تأصيلية مع إحالة للواقع الفلسطيني, ط1, دار الشروق للنشر والتوزيع, عمان, الأردن.

- أبو عدوان, سائد. (2013): دور منظمات المجتمع المدني الفلسطيني في تعزيز التنمية البشرية (الضفة الغربية كحالة دراسة), جامعة النجاح الوطنية, فلسطين, (رسالة ماجستير غير منشورة).

- بشارة, عزمي. (2012): المجتمع المدني دراسة نقدية, المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, ط6, الدوحة, قطر.

- تاج الدين, احمد سعيد. (2010): الشباب والمشاركة السياسية, الهيئة العامة للاستعلامات.

- الشرقاوي, عفت محمد, وآخرون. (2006): المشاركة الشعبية والاصلاح, تأصيل –تفعيل- تجارب واقعية, دار العلوم للنشر والتوزيع, القاهرة.

- قنديل, أماني. ( 2010): مراجعة نقدية لأدبيات المجتمع المدني العربي 1990 -2010.

http://www.shebacss.com/ar/researches.php?action=viewitems&cat=4&id=17

- سمية, جلولي بوجلطية (2012): التحول الديمقراطي: مفاهيم ومقاربـــــات.

(3.2012http://regionalstudies.arabepro.com/t21-topic,)

اخر الأخبار