حروب غزة .. والفصول الأربعة

تابعنا على:   10:52 2014-12-29

محمود سلامة سعد الريفي

صادف 27/12/2014م مرور 6 سنوات على أولى الحروب الثلاثة التي تعرضت لها غزة, حيث نفذ الطيران الحربى الاسرائيلي غاراته المكثفة على كل مناطق قطاع غزة من الشمال إلي الجنوب في نفس التوقيت الذي انطلقت فيه شرارة الحرب على قطاع غزة , واعتبرت الأكثر دموية من ناحية سقوط اعداد كبيرة من الشهداء والجرحى بفعل المناطق المستهدفة من مقرات حكومية ومؤسسات خدماتية , أو ممن تزامن وجودهم بالقرب منها وبدون سابق إنذار تم توجيه قذائف الحقد والقتل والتدمير ليترك ذلك صور بشعة محفورة بذاكرة الفلسطيني تختلط فيها الاشلاء و الدماء بركام الأماكن المدمرة بسبب ضراوة القصف الهمجي .

استمرت الحرب الأولى مدة 22 يوماً في الفترة ما بين 27/12/2008م ولغاية 18/1/2009م وأطلقت عليها دولة الاحتلال "الرصاص المصبوب" , استطاعت أن تحيل شتاء غزة القارس في مثل هذا الوقت من العام إلي شتاء حار, وبعد تدخل دولي و إقليمي توقفت الحرب على غزة وانسحبت القوات الاسرائيلية من محيط غزة دون أن تحقق أي من أهدافها المعلنة وأهمها ضرب البنى التحية للمقاومة الفلسطينية والحد من قدراتها على استهداف مدن و بلدات غلاف غزة بالقذائف الصاروخية دون أن يتحقق ذلك.

منذ اللحظة الأولى لانتهاء الحرب الأولى على غزة كان هنالك مؤشر و بقوة لاستئناف العمليات العسكرية الاسرائيلية ضد غزة , وبات الشعور العام لدى الفلسطيني في غزة أنا الأمر لا يتعدى كونه تهدئة هشة سرعان ما أن تنتهى مع أي جولة تصعيد جديدة مسبباتها لازالت قائمة , والنية مبيته لدى قادة الاحتلال بمعاودة مهاجمة غزة وأن الاوضاع الميدانية لاحقاً ستحدد آلية وطبيعة الهجوم على غزة , وهذا ما حدث في خريف العام 2012م , حينما قامت الطائرات الحربية الاسرائيلية باغتيال الرجل الثاني في كتائب القسام أحمد الجعبري وتم ذلك يوم 14/11/2012م , وعلى إثره تصاعدت وتيرة الهجمة العسكرية الاسرائيلية بعدما قصف المقاومة الفلسطينية لأول مرة مدينة تل أبيب رداً على حادثة الاغتيال , وكان ذلك بمثابة صب الزيت على النار , واتسعت دائرة المواجهة الميدانية , أطلقت عليها دولة الاحتلال "عامود السحاب" , وشاركت جميع الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية في مقاومة الاحتلال والتصدي لعدوانه وعلى رأسها كتائب شهداء الأقصى والتي برغم امكانياتها البسيطة شاركت بفاعلية في دك المستوطنات والبلدات الاسرائيلية بالقذائف الصاروخية خلال فترة الحرب الثانية التي استمرت مدة 8 أيام بين الفترة الواقعة بين 14/11/2012م و21/11/2012م , توقفت بعد تدخل رسمي مصري , وموافقة المقاومة الفلسطينية على بنود اتفاق وقف اطلاق النار التي تضمنت في حينه وقف الاغتيالات بحق المقاومين الفلسطينيين , والسماح بدخول الصيادين لمسافة 6 ميل بحرى , والسماح للمزارعين بزراعة أراضيهم القريبة من السياج الحدودي شمالاً و شرقاً , وتخفيف حصار غزة , والسماح باستئناف زيارة السجون , واعادة اعمار ما هدمته الحربين السابقتين , دون أن يتحقق شيء مما اتفق علية , و يُسجل تراجع دولة الاحتلال كل التفاهمات , ويزداد الوضع سوءاً بشكل مضطرد , وبدت المنطقة على شفير حرب وحتماً تتجه نحو التصعيد.

شهدت الفترة ما قبل الحرب الثالثة على غزة هبه جماهيرية في الضفة الغربية والقدس تفجرت بعد خطف وتعذيب وحرق الطفل محمد أبو خضير من حي شعفاط أحد احياء مدينة القدس على أيدي مجموعة من المستوطنين في 2 /7/ 2014م , وإعادة اعتقال العشرات من محرري صفقة شاليط وأعقبها احتجاجات واسعة في القدس والداخل المحتل, وكذلك مناطق الضفة الغربية , وبقى الحال علية في غزة ولم يتغير شيء بل ازداد الوضع سوءاً بسبب عدم التزام دولة الاحتلال ببنود الاتفاق الذى أبرم برعاية مصرية , وعادت الأوضاع الميدانية إلى سابق عهدها تتجه بوتيرة متسارعة لتدهور الوضع الأمني وكان ذلك كفيلاً بإشعال جبهة غزة في

أي لحظة , وعادت دولة الاحتلال إلى سياسة الاغتيال من جديد حيث نفذت طائراتها عملية اغتيال طالت عنصرين من المقاومة الفلسطينية ما أجج التوتر السائد الذى بلغ ذروته يوم الاثنين الموافق 7/7/2014م , واستأنفت المقاومة الفلسطينية استهدافها المباشر للمدن والبلدات والتجمعات الاسرائيلية إلى أن تفجرت شرارة الحرب الثالثة فجر يوم الثلاثاء 8/7/2014م ,استمرت مدة 50 يوماً بشكل متواصل , توقفت مساء 26/8/2014م بعد جهود مضنية للقيادة الفلسطينية , وحراك دولي وعربي , تم التوصل لتشكيل وفد فلسطيني موحد يمثل الفصائل الفلسطينية يرأسه "عزام الأحمد" للتفاوض الغير مباشر مع وفد اسرائيلي وصل للقاهرة لذات الهدف , واستمرت المفاوضات لأيام وبعد مخاض عسير تم الاتفاق برعاية مصرية على وقف اطلاق النار, والاتفاق لاحقاً على التفاوض للوصول لاتفاق طويل الامد يبعد شبح الحرب مرة أخرى على الأقل في المدى المنظور ويثبت وقفاً دائماً لإطلاق النار, ويبحث بكل البنود محل الخلاف .

اعتبرت الحرب الاكثر عنفاً ودموية بحق غزة , وسجل الصيف الحار حرباً فتاكة ومدمرة أضافت ناراً مستعرة لصيف غزة اللاهب , دمرت بشكل مقصود ما تبقى من منشآت حيوية , ومؤسسات خدماتية , وأصيبت بفعلها قطاعات مهمة , واستشهد على اثرها 2147 شهيدا , وسقط أكثر من 10000 جريج 50% من الأطفال و النساء , وهدم ما يقارب 50000 بيت ومنشأة بين هدم كلى و جزئي.

جاءت الحرب الثالثة على غزة التى أطلقت عليها دولة الاحتلال " الجرف الصامد" لتفاجأ اسرائيل بطبيعة الرد الفلسطيني المقاوم الذى بات يمتلك قدرات أكثر تطورا كماً وكيفاً , وهذا ما جعل قادتها يتراجعون عن فكرة الدخول البرى لمناطق قطاع غزة برغم التسليح النوعي والعتاد العسكري للقوات الاسرائيلية الغازية خاصة بعد اشتباك المقاومة الفلسطينية مع القوات البرية التى حاولت تحت غطاء كثيف من النار من التقدم نحو تخوم غزة وتواجه ببسالة المقاومة الفلسطينية وأوقعت فى صفوفها مئات بين قتيل و جريح كان ذلك سبباً لإلغاء المجلس الأمني و العسكري الدخول البرى , و أخذت دولة الاحتلال في الحسبان أن أي مغامرة في قطاع غزة غير محسوبة العواقب ستكون وبالاً على سمعه الجيش الاسرائيلي الذى لا يقهر وتداعيات ذلك على كافة المستويات الحاكمة فى اسرائيل سواء سياسية كانت أم عسكرية , وعلى المستوى الإقليمي و الدولى وهذا ما كان سيحدث فيما لو ارتكبت حكومة نتنياهو مغامرة غير محسوبة ودخلت اعتاب غزة , وبقيت جاثمة على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة توجه قذائفها المدفعية صوب كل بقعة من القطاع على مدار الساعة.

سُجلت المئات من الخروقات الاسرائيلية للتهدئة المبرمة بعد الحرب الأخيرة , والأمر ذاته تكرر بعد كل اتفاق لوقف اطلاق النار , وهذا ما يدلل على عدم جدية الجانب الاسرائيلي بالتقيد باتفاقيات وقف اطلاق النار و الابقاء على حالة الاشتباك والتصعيد قائمة وفى أي وقت دون ضوابط أو احترام ما يتم الاتفاق علية , وهذا ما نجده حاضراً فى هذا التوقيت حيث تشهد الحلبة السياسية الاسرائيلية سجالاً وسباقاً

محموماً نحو رئاسة الحكومة القادمة , ومنافسة نتنياهو عليها , وكما فى كل جولة انتخابية غزة حاضرة وليست بمنأى عم يحدث , وتصريحات قادة حرب دولة الاحتلال بمهاجمة غزة يضع النقاط على الحروف من امكانية ارتكاب حماقة جديدة تجاه غزة , ورفع اسهم المتسابقين و المتهافتين على بلوغ كرسي الحكومة على حساب خنق , وقتل , تدمير غزة , وبات دخول انتخابات الكنيست (البرلمان) الاسرائيلي والوصول لمواقع متقدمة مرهون بدعاية انتخابية موجه للجمهور الاسرائيلي و تنافس المتزاحمين على من يتبنى شعار توفير الأمن و الأمان لسكان دولة الاحتلال , وتوجيه المدافع جنوباً .

لم يكن هنالك تبريراً واحداً لم تعرضت له غزة من اعتداءات متواصلة , وحروب متعاقبة سوى شهية القتل و التدمير التي تنفرد بها دولة الاحتلال وساستها , ويلاحظ ذلك في الازمات السياسية التي تعصف بالقيادة السياسية بين الفينة و الأخرى , ويسلك الجميع خلالها طريقاً واحداً بات معروفاً وهو التوجه جنوباً و اشعال جبهة غزة وتدفيعها ثمن رهاناتهم و ازماتهم السياسية , ويمثل ذلك سلم هبوط وصعود لأسهم ذاك او ذلك على حساب تدمير مقومات الحياة واستهداف الانسان الفلسطيني مباشرة , وهذا ما تؤكده الوقائع الميدانية بعد تصريحات قادة الجيش الاسرائيلي العدوانية بإمكانية عودة العمليات العسكرية ضد غزة .. وكأن العمليات تم وقفها ..!!

خلال 3 حروب واجهتها غزة لم تستطع دولة الاحتلال من ايجاد واقع جديد يُقصد منه اذعان و خنوع الفلسطيني من خلال سياسة كي الوعى التي تنتهجها دولة الاحتلال ولأجل ذلك تمعن فى استهداف الأطفال والنساء , والتدمير المباشر و الشامل لكل مقومات الحياة لتبقى غزة تعانى على مدار العام وفى كل الفصول الأربعة ..

في كل حرب تمكنت غزة من الصمود و مقاومة الاحتلال و الدفاع عن نفسها على الرغم من قدرات المقاومة الفلسطينية المتواضعة أمام الترسانة العسكرية الاسرائيلية, في خضم ما تعيشه غزة من تهديد ووعيد مستمر , وما تنفذه قوات الاحتلال على الأرض من خروقات و استفزاز يومي , وعدم تطبيق ما جاء في اتفاق وقف اطلاق النار و التسويف و المماطلة يبقى الباب مشرعاً من جديد أمام احتمال مواجهة قد تبدأ في أي لحظة , وجميع الحروب الثلاثة التي شنتها دولة الاحتلال على غزة أسبابها وظروفها واحدة .. ومع توفر الأسباب و الظروف تبقى الأوضاع الميدانية أسيرة الفعل و رد الفعل , ومع ذلك تبقى غزة تعيش أجواء الحرب حتى في لحظات التهدئة , وقدرها أن تصمد و تواجه وألا تخضع و تستكين وتمضى بكبريائها غير أبهة.

اخر الأخبار