عندما تفيض بالدمع عيون الرجال إعلم بأن على ظهورها أحمال الجبال

تابعنا على:   03:27 2013-11-26

حسن حسين الوالي

أكتب هذه الكلمات كأمانة حملنى إياها رجل شاب في مقتبل العمر جمعتي به الصدفة في سيارة التاكسي الذي كان يقوده .

أنا وثلاثة من الركاب كان يتحرك بنا بسيارته في ظلمة الشوارع التي حولها إنقطاع الكهرباء إلى قطع من الليل الدامس تشقه سيارة الأجرة بسائقها وركابها الأربعة الذين جمعهم إحساس واحد بالألم والمعاناة ....

كان من الممكن تجاهل حديث هذا الشاب وإعتباره فضفضة سائق أجرة معتادة ولكن تلك الدموع التي لمعت في عيونه عندما أصبحنا وحدنا في السيارة هي التي فجرت الألم في وجداني و ضميرى و كانت شهادة صدق على حقيقة معاناة هذا الشاب ... فالرجال لا تفيض عيونها بالدمع إلا عندما يكون فوق ظهورها أحمال الجبال ...

الشاب في أمانته التي حملني إياها قال : " أستحلفك بالله أن توصل معاناتي لأي إنسان ممكن أن يتحمل مسؤولية في هذا الوطن ... لقد تعبت ولم أقدر على المقاومة و الظروف أشد قسوة وتحطمني "

فقلت له : أنا لا أملك سوى قلم أكتب فيه معاناتك لعلها تصل لأصحاب القرار والعلاقة و المسؤولين ....وأصحاب الضمير "

فالشاب كما أخذ بوصف مشكلته ومعاناته اليومية .... صاحب سيارة أجرة إشتراها بالتقسيط ليوفر لنفسه ولزوجته مصدر رزق حلال وثابت .. والآن و بسبب الحصار و إرتفاع أسعار الوقود لم يعد قادر على توفير دخل يغطي إلتزاماته في قسط السيارة التي أصبح مهدد في أن يقوم التاجر بأخذها منه في حال عجز عن سداد قسطها الشهري ... وبالتالي يفقد مصدر دخله الوحيد .. كما أنه عاجر كذلك عن توفير متطلبات الحياة اليومية لأسرته وفي مقدمتها أجرة البيت الذي يسكنه بالإيجار أي أنه ملزم بتوفير مبلغ شهري قدره 500 دولار أمريكي كقسط للسيارة وأجرة الشقة ... قبل الحديث عن المأكل والمشرب والمصروفات الحياتية الأخرى ..والتي يضاف إليها مصاريف علاج " للأنجاب " فهو متزوج منذ 3 سنوات ولم يرزقه رب العالمين بأطفال ...

يضاف على ذلك مصاريف الترخيص المفروضة على السيارة ...

كل هذه الظروف الصعبة حاول أن يقاومها أو معالجتها باللجوء للدين من الآخرين مرة ومرة ولكنه وبإستمرارها فقد القدرة على التحمل وأصبح على وشك الإنهيار ...

فلذلك أضع هذه القضية أمام كل صاحب ضمير ويتحمل مسؤولية في هذا الوطن ... كأمانة حملني إياها هذا الشاب الذي أحجمت عن أن أتعرف على تفاصيل شخصية عنه إحتراماً للدموع التي ذرفها بصمت أمامي ...

و أضع هذه القضية كنموذج عام للمعاناة التي تعيشها تلك الشريحة المتضررة من الحصار و إرتفاع أسعار الوقود بشكل مباشر وهم سائقي سيارات الأجرة بحيث تقوم جهات الإختصاص بإتخاذ أجراءات عاجلة للتخفيف عنهم و إعادة جزء ولو صغير لهامش الربح في دخلهم الذي تآكل بسبب إرتفاع أسعار الوقود ....

كما أضعها كقضية عامة أمام إنسانية العالم كنموذج للمعاناة اليومية التي يعيش فيها أبناء شعبنا بسبب الحصار الظالم والغاشم على قطاع غزة ... لتكون هذه القضية صفعة لكل ضمير عله يستيقظ ويعلم بأن قطاع غزة ليس مساحة مرسومة على خريطة صماء تحاط مرة بدوائر حمراء ومرة بدوائر زرقاء وأخرى سوداء ... غزة أرض وشعب .. غزة إنسان ....

 

 

اخر الأخبار