كل العرب على حق

تابعنا على:   12:31 2015-04-27

صلاح صبحية

العرب جميعهم على حق ، يتقاتل العرب وجميعهم على حق ، القاتل والمقتول على حق ، الشعوب العربيّة على حق ، الحكومات العربية على حق ، الحكام العرب على حق ، توجيه الأسلحة العربية إلى الشعوب العربية على حق ، التنظيمات المسلحة الإرهابية على حق ، قطع الرؤوس بقرار أميري على حق ، جهاد النكاح برفع الراية الحمراء على أبواب المجاهدين جهاد حق ، سبيّ النساء واغتصابها الجماعي عمل حق ، تدمير المدن العربيّة واجب و حق ، هجرة الشعوب العربيّة من أوطانها إلى الأرض المنخفضة في الشمال هجرة حق ، ابتلاع البحر الأبيض المتوسط لآلاف العرب عبر قوارب الموت موت حق ، تدمير العراق وسورية وليبيا واليمن والصومال على حق ، وخراب لبنان وفلسطين ومصر وتونس والجزائر والسودان على حق ، كل ما في عالمنا العربي على حق .

والدي الذي توفاه الله منذ أكثر من عشرين عاماً كان على حق ، والدتي التي ما زالت تروي الحكايا عن مربع صباها في بلدتنا ترشيحا بفلسطين والتي تعيش في عقدها التاسع هي على حق ، حفيدتي التي تبلغ من العمر نحو شهرين هي على حق ، أقاربي وأصحابي وأصدقائي وجيراني ومعارفي الذين هجروا مخيمهم هم على حق .

كل القنوات الفضائية العربية المتناقضة فيما بينها على حق ، المحللون السياسيون الذين يملؤون شاشات التلفزة ضجيجاً وهذياناً جميعهم على حق ، مجلس الجامعة العربية الذي لم ينجح في حل أية أزمة عربية هو على حق ، مؤتمرات القمة العربيّة التي لم يعد الشارع العربيّ يهتم بها هي على حق ، الأحزاب العربية الوطنية والقومية والدينية جميعها على حق ، وعبادة الحكام وتقديسهم وجعلهم أهم من الوطن على حق .

لا أحد على باطل ، فالباطل منفي في العالم العربي ، ولأنّ الباطل غير موجود فإنّ العرب يبنون اليوم أهم حضارة عرفها التاريخ المعاصر ، حضارة انتحار الشعوب وهدم الدول ، وينشرون ثقافة القتل الجماعي ، حيث لم يعد الموت عبرة للبشر ، بقدر ما أصبح الموت خلاصاً من القدر اليومي المثقل به كاهل العرب ، ولأنّ الباطل غير موجود في الثقافة العربية المُعاشة اليوم فإنّ العرب يعيشون مجداً عظيماً قلّ نظيره في تاريخ البشريّة .

فالصراع الذي يدور في العالم العربيّ ليس صراعاً بين الباطل والحق لأنّ الكل على حق ، وإنما هو صراع الحقوق فيما بينها ، ولكن عندما تتصارع الحقوق فيما بينها تلتقي في منتصف الطريق دون أن تتحول إلى صراع وجود هدفه نفي أحدهما للآخر بكل مقوماته ، فكيف يمكن لجزء الوطن أن ينفي الجزء الآخر من الوطن ، هي حروب إبادة ، يبيد الشقيق شقيقه ، ويتطاول زميل العمل على زميله فيرديه قتيلاُ ، ويتلقى المكافأة على فعله ، فلا شيء يردع أحد ، لا وازع من ضمير ، ولا صرخة خُلق حميد ، فقد مات الضمير ، وغادرت الأخلاق الحميدة النفوس ، إنها أزمة أخلاق يعيشها العرب بكل مكوناتهم ، حيث لم يعد الحلم سيد الأخلاق .

لا يوجد في العالم العربيّ شيخ قبيلة يرمي عقال رأسه حتى يعود المتقاتلون إلى رشدهم ، فشيوخ القبائل لا عقال لهم حتى يكونوا عاقلين في حكمهم ، والحكام العرب لم يعد بينهم حاكم حكيم يفرض حكمته على الجميع لينقذ ما تبقى من بقايا الوطن ، لأنّ حكمة حكامنا وما أكثرهم لا تخرج من دائرة قصورهم المشيدة بفقر العرب وذلهم وهوانهم .

لقد أمسينا في عالمنا العربيّ أذلاء ، فما أقسى أن يعيش الإنسان ذليلاً في وطنه تحت شعار ( لا أحد على باطل ، الكل على حق ) ، وحدها الشمس على باطل ، لأنها لم تشرق بعد على صباح عربي تتجلى فيه الحقيقة جليّة واضحة لكل من ادعى أنه على حق وهو في حقيقته على باطل ، ولأنّ الشمس كذلك فقد نامت في كبد السّماء ، وولجت النجوم والكواكب في خط الأفق ، وانشق القمر حتى لا ينير للتائهين دروبهم في وسط ظلمتهم القاتلة ، وتهدمت الأنفاق لتطفىء الشمعة في نهايتها ، فهل يستيقظ أصحاب الحق وبعد أن فات الأوان ليدركوا أنّ بعض حقهم على باطل

اخر الأخبار