دبلوماسية المنظمات الدولية

تابعنا على:   04:14 2013-12-31

د. عبد الحكيم سليمان وادي

رئيس مركز راشيل كوري الفلسطيني لحقوق الإنسان ومتابعة العدالة الدولية

o مقدمة:

انتقل المجتمع الدولي من الدبلوماسية التقليدية التي سيطرت خلال الفترة التاريخية التي

 كانت فيها القرارات الدولية تتخذ في نطاق مجموعة محدودة من القوى الدولية الكبرى،

 وبالأخص القوى الأوروبية ،إلى دبلوماسية متعددة الأطراف التي تعرف بروز مكون قوي

 بالإضافة إلى الوحدات السياسية التقليدية.

فالمنظمات الدولية ساهمت بشكل كبير في تحريك مفهوم المفاوضات لتدبير النزاعات

 الدولية،وهو ما برز مع عصبة الأمم،إلا أن هذه التجربة كانت نتائجها ضعيفة حيث سرعان

 ما عاد العالم إلى حرب عالمية ثانية.

ويمكن تعريف المنظمات الدولية بأنها مؤسسة أو هيئة تتفق مجموعة من الدول على إنشائها

 بمقتضى ميثاق يمنحها الشخصية القانونية ويبين الأهداف التي قامت لأجلها والأجهزة التي

 تمكنها من تحقيق هذه الأهداف.

وقد تطور دور المنظمات الدولية الدبلوماسي،خصوصا مع بروز هيئة الأمم المتحدة التي

 عملت جاهدة على تدبير عملياتي للأزمات الدولية انطلاقا من تدبير دبلوماسي متعدد

 الأطراف.

وتأتي دراسة مفهوم دبلوماسية المنظمات الدولية،انطلاقا مما أصبحت تكتسيه هذه العملية

 في النظام الدولي،والوقوف على طبيعة الحصانات والامتيازات الدبلوماسية للمنظمات

 الدولية،وآلية التدبير الدبلوماسي للقضايا الدولية.

والمنظمة الدولية تباشر دورها إنطلاقا من الإرادة المشتركة للدول،وإنطلاقا من المصلحة

 الوظيفية وتحقيق العمل المشترك.

والشخصية القانونية للمنظمات الدولية هي المحدد الرئيسي لفعالية المنظمات الدولية،هذا

 إلى جانب الشخصية القانونية تعتبر المواثيق العامة والخاصة،والقوانين والتشريعات

 الوطنية مصادر لجميع الحصانات والامتيازات الممنوحة للمنظمات الدولية.

وتأسيسا على ما سبق إلى أي حد ساهمت الحصانات والامتيازات الدبلوماسية للمنظمات

 الدولية في بلورة دبلوماسية فعلية في النظام الدولي؟.

ولتحليل هذا الموضوع تم الاعتماد على:

-المنهج الوصفي التحليلي.

-المنهج التاريخي.

-المنهج القانوني.

المبحث الأول:حصانات وامتيازات المنظمات الدولية

 نشأ قانون الدبلوماسية متعددة الأطراف خصوصا على إثر نشأة المنظمات الدولية ولذلك

 فهو أثر من آثار هذه الأخيرة،وتقتضي دراسة قانون الدبلوماسية متعددة الأطراف الإشارة

 في (المطلب الأول:الىالحصانات المقررة للمنظمات الدولية)،وكذلك في (المطلب الثاني:الىحصانات

 مبعوثي الدول لدى المنظمات الدولية).

المطلب الأول:حصانات المنظمات الدولية

 ترتب على ظهور المنظمات الدولية كأشخاص دولية ومنحها العديد من الوظائف ضرورة

 تقرير بعض المزايا والحصانات اللازمة لحسن قيامها بوظائفها،ولاشك أن الحصانات و

 المزايا الدبلوماسية كانت أسبق من حيث ظهورها من تلك الممنوحة للمنظمات الدولية،بل

 يمكن القول أنها اتخذت أساسا إلى حد ما في تقرير هذه الأخيرة وتطويرها.

تتمثل أهم الحصانات والمزايا التي تمنح للمنظمة في تمتعها بالشخصية القانونية وحصانة

 مقرها ومحفوظاتها ووثائقها وأموالها والإعفاء من الضرائب والرسوم،والتسهيلات الخاصة

 بوسائل الاتصال والحصانة ضد التقاضي.

القفرة الأولى:حصانة المقر:

أ-الشخصية القانونية:

تتمتع المنظمة الدولية على أراضي كل دولة عضو بالشخصية القانونية ويكون لها الأهلية

 في التعاقد واقتناء الأموال الثابتة والمنقولة وحق التقاضي،غيرأن الاعتراف للمنظمة بالشخصية

 القانونية لا يعني التسليم للمنظمة بها على المستوى الدولي،لأن غرض إتفاق المقر هو

 تنظيم الوضع القانوني للمنظمة،فوق إقليم الدولة أي في إطار نظامها القانوني الداخلي،

 وإن كان مجرد إبرام معاهدة دولية مع المنظمة يعني التسليم لها بمزيد من مزايا الشخصية

 الدولية.

ب-حرمة المباني:

تكون مصونة حرمة المباني التي تشغلها المنظمات الدولية ولا تخضع أموالها ولا

 موجوداتها أينما كانت وتحت يد من كانت لأية إجراءات تفتيش أو استيلاء أو مصادرة

 أو نزع ملكية أو لأي نوع آخر من أنواع الإجراءات الجبرية الإدارية القضائية والتشريعية،

 كما تكون مصونة حرمة المحفوظات والوثائق بكافة أنواعها أينما وجدت،والالتزام بعدم

 التعرض للمباني الدبلوماسية التي استقر عليها العرف الدولي من قدم،وتنص اتفاقات المقر

 صراحة على تمتع مباني المنظمات بهذه الحصانة وكذلك اتفاقيات حصانات وامتيازات

 الأمم المتحدة لسنة 1946.

فمباني الأمم المتحدة في الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع طبقا للنصوص الواردة في القسم

 الثاني من القانون العام الأمريكي رقم 291 بالحصانة من التفتيش أو المصادرة وبحرمة

 محفوظاتها وتنص أيضا على ذلك الفقرة الأولى من القسم التاسع من اتفاقية المقر.

كما تلتزم الدولة المضيفة بعدم دخول أي مبنى من المباني التابعة للمنظمة إلا بإذنها

 ويترتب على ذلك بطلان دخول المحضرين والإجراءات الإدارية والقضائية والتنفيذية

 المتخذة داخلها،ويرد على ذلك الاستثناءات التالية:

1-يتجه هذا الرأي إلى إباحة الدخول في أحوال الدفاع الشرعي عن النفس وتطبيقا لذلك تتضمن

 بعض اتفاقات الإقامة نصوصا تعطي للدولة الحق في اتخاذ كل الإحتياطات اللازمة

 للمحافظة على سلامة وأمن الدولة ولاشك في أن هذا الاتجاه سليم لأن مصلحة الدولة يجب أن

 تحجب الاعتبارات الأخرى.

2-أحوال الضرورة كحدوث حريق أو قيام الدليل على نية ارتكاب جريمة داخل المبنى،

 ويتجه هذا الرأي إلى أن القوة القاهرة تتضمن الإذن الضمني بالدخول.

 

وتبعا لذلك فلا يجوز اقتحام المنظمة أو دخولها إلا في حالة موافقة هذه الأخيرة مما يعني

 أن المنظمة هي الرقيب الأول على كل ما يحدث داخلها،وعلى ذلك إذا لم تطلب المنظمة

 من السلطات المختصة في دولة المقر التدخل أو اتخاذ ما يلزم داخلها فلا يجوز لهذه

 الأخيرة التدخل،ويحتم ذلك ضرورة تعيين حدود مقر المنظمة وهو ما تقوم فعلا المنظمات

 الدولية بالاتفاق عليه مع دولة المقر.

إلا أن الحصانات الممنوحة لمقر المنظمة يطرح بعض المشاكل نذكر منها:

القانون الواجب التطبيق داخل المقر:

تجدر الإشارة هنا إلى أن التنظيم الهيكلي والتشريعي ناقص في هذه الناحية،وأنه ما لم يوجد

 اتفاق يقضي بخلاف ذلك يطبق القانون الداخلي واختصاص المحاكم الداخلية وهو ما نصت

 عليه المادة الثالثة من الفصل 7 من اتفاقية المقر المبرمة بين الأمم المتحدة والولايات

 المتحدة الأمريكية.

وقد أصدرت الأمم المتحدة ثلاث لوائح بخصوص نظام الضمان الاجتماعي وشروط

 الوظائف وسريان الخدمات داخل المقر،وكذا لائحة بشأن الأضرار الواقعة داخل المقر،ولم

 تصدر المنظمة الدولية لوائح بخصوص المسائل الجنائية،فإذا ارتكب موظف دولي من

 الطبقة الدنيا جريمة داخل مقر المنظمة وقبض عليه من طرف الشرطة فلا يحق له أن يدفع

 بحصانته لأنها لا تسري إلا على أفعاله الرسمية.

منح اللجوء وإيواء الأشخاص:

يترتب على منع السلطات المحلية من دخول المباني منع الأخيرة من استخدام حق الملجأ

 وإيواء الأشخاص الفارين من العدالة وكذلك الفارين من الاضطهاد السياسي، وتنص بعض

 اتفاقات المقر على منع المنظمات من استخدام مبانيها لإيواء الفارين من العدالة،فنجد أن

 الفقرة الثانية من القسم التاسع من اتفاقية الإقامة التي عقدتها الأمم المتحدة مع الولايات

 المتحدة الأمريكية تنص صراحة على ذلك.

ج-حصانة محفوظات ووثائق المنظمة وأموالها:

لا يجوز انتهاك حرمة وثائق ومحفوظات وأرشيف المنظمة أو تلك التي قد تكون في

 حيازتها أينما وجدت وفي أي يد كانت ويسري ذلك على جميع سلطات الدولة المضيفة

 بما في ذلك المحاكم التي لا يجوز لها أن تصدر أمرا إليها بالكشف عن وثائق معينة

 أو إيداعها للإطلاععليها أو غيرها من الأمور.

وتتمتع كذلك أموال المنظمة وأصولها وممتلكاتها أينما كانت وأيا كان الحائز لها بحصانة

 ضد التفتيش أو الاستيلاء أو المصادرة،أو نزع الملكية أو أي نوع من أنواع الإكراه

 التنفيذي أو القضائي أو التشريعي ،كما تعفى المنظمات الدولية من الضرائب المباشرة

 والرسوم الجمركية ومن أي حضر أو قيد على الواردات أو الصادرات الخاصة

 باستعمالها الرسمي.

د-التسهيلات الخاصة بوسائل الاتصال

 تعامل الرسائل الرسمية للمنظمات في أقاليم الدول الأعضاء معاملة لا تقل امتيازا عن

 معاملة تلك الدول لرسائل أي دولة أخرى وبعثاتها الدبلوماسية،ولا تخضع مكاتبها ورسائلها

 الرسمية الخاصة بها لأي رقابة،كما يجوز لها استعمال الرمز في رسائلها وفي إرسال

 وتسلم مكاتبها برسول خاص أو بحقائب يكون لها وللرسول الخاص نفس المزايا

 والحصانات الخاصة بالرسول والحقائب الدبلوماسية.

ه-الحصانة القضائية:

تمنح هذه الحصانة للمنظمات الدولية على غرار الامتياز المعترف به للدول بأن تنجو من

 الملاحقات القضائية أمام المحاكم الوطنية لدولة المقر،ويبدو من المعقول الحفاظ في مجال

 الحصانة القضائية للمنظمات على أوسع ميدان تطبيق بالنظر إلى انغراسها الضروري

 في إقليم الدولة.

وعلى عكس ذلك أصدرت محكمة النقض الإيطالية سنة 1962 قرار رفضت من خلاله منح

 منظمة الزراعة والأغذية "الفاو" الحصانة القضائية أثناء نظرها في خلاف متعلق بعقد

 إيجار بناء مكاتب رغم أن إيطاليا صادقت على اتفاقية واشنطن لسنة 1950 والمتعلق

 بتمتيع المنظمة وممتلكاتها في أي مكان وأي بلد كانت بالحصانة ضد أي إجراء إلا إذا

 تنازلت عن حصانتها صراحة.

الفقرة الثانية: حصانة الموظفين والمستخدمين الدوليين:

الموظف الدولي هو المكلف من عدة ممثلين للدول الأعضاء في المنظمة الدولية أو من

 الهيئة الدولية ذاتها أو أحد أجهزتها باسمهم بناءا على اتفاق الدول وبرقابة إحداها أو بعضها

 أو جميعها وذلك على أساس تطبيق قواعد معينة لها صفتها القانونية بطريقة مستمرة

 ومطلقة لمصلحة الدول المعنية،ويقوم الموظف الدولي في المنظمة الدولية المنشأة بحكم

 الاتفاق بين الدول الأعضاء وهو لا يؤدي الخدمة للدولة بالذات بل للمنظمة ومصالح

 الدول الأعضاء الدولية بحكم الميثاق وهكذا فهو يباشر عملا له صفة الدولية فهو يتلقى

 تعليماته من المنظمة ويباشر مصالحها فحسب ،من أجلذلك تقدمت محكمة العدل الدولية

 بتعريف دقيق للموظف والمستخدم الدولي في رأيها الاستشاري لسنة 1949.

ويتمتع الموظف الدولي بمجموعة من الحصانات لكن هؤلاء الموظفين فئات:

أ-فئة كبار الموظفين:

كالأمين العام وجميع الأمناء المساعدين،هؤلاء يتمتعون بالحصانات والامتيازات التي يتمتع

 بها الدبلوماسيون طبقا للقانون الدولي،فالأمين العام والأمناء المساعدين يتمتعون وأزواجهم

 وأولادهم بنفس الامتيازات والحصانات والتسهيلات والإعفاءات الممنوحة للمبعوثين

 الدبلوماسيين بموجب القانون الدولي.

ب-فئة الموظفين الذين يتم تعيينهم من قبل المنظمة:

يحدد الأمين العام فئات الموظفين الذين يستفيدون من هذه الحصانات والامتيازات وتعد

 قائمة بأسمائهم إلى الجمعية العامة،تبلغ بعدها إلى حكومات الدول الأعضاء كما أن أسماء

 الموظفين في هذه الفئات تبلغ دوريا إلى حكومات الدول الأعضاء ،وتتمتع هذه الفئة

 بالامتيازات والحصانات التالية:

-الحصانة القضائية فيما يتعلق بالأعمال التي يقومون بها بصفتهم الرسمية أضف إلى ذلك

 ما يتفوهون ويكتبون.

-الإعفاء الضريبي فيما يتعلق بأجورهم التي ليس عليهم التصريح عن مبلغها للإدارة

 المحلية.

-الإعفاء من الالتزامات المتعلقة بالخدمة الوطنية

-الإعفاء بالنسبة لزوجاتهم ولأفراد عائلتهم الذين يعولونهم من جميع قيود الهجرة ومن

 الإجراءات الخاصة بقيد الأجانب.

-الالتزامات نفسها الممنوحة للموظفين الذين يعادلون مرتبتهم والتابعون للبعثات

 الدبلوماسية لدى الحكومة صاحبة الشأن وذلك فيما يتعلق بتسهيلات القطع.والتسهيلات

 نفسها لهم ولأزواجهم ولأفراد عائلاتهم الذين يعيشون على عاتقهم والتي يتمتع بها

 المبعوثون السياسيون أثناء الأزمات الدولية والخاصة بالترحيل إلى الوطن.

-إدخال أثاثهم وأمتعتهم معفية من الرسوم عند أول استلام لوظائفهم في البلاد صاحبة

 الشأن.

-أما بالنسبة لباقي الموظفين الإداريين فهؤلاء لا يتمتعون بأي حصانات.

-وأما الخبراء الذين تستعين بهم المنظمات الدولية فمن الطبيعي أن يتمتع هؤلاء بالمزايا

 والحصانات اللازمة لممارستهم لوظائفهم بطريقة مستقلة مثل عدم إمكانية احتجازهم،

 والحصانة ضد التقاضي وحصانة أوراقهم ووثائقهم وحق استخدام الرمز أو الشفرة

 أو تلقي وثائق أو مراسلات بواسطة حامل للحقيبة أو في حقائب مختومة.

وهناك أشخاص آخرون يتمتعون ببعض المزايا والحصانات،كالذين يحضرون مثلا لتقديم

 بعض المعلومات أو الشهادات أمام لجنة التحقيق،أو بحضور حلقة دراسية وكذلك ممثلي

 المنظمات الدولية غير الحكومية،وأيضا أفراد قوات حفظ السلام الذين يتمتعون بالحصانات

 والامتيازات طبقا للاتفاقات الثنائية المبرمة بين الدول والمنظمات الدولية كالاتفاقات

 المبرمة بين الأمم المتحدة ومصر وقبرص وكذلك وفود حركات التحرير الوطنية.

المطلب الثاني:حصانات مبعوثي الدول لدى المنظمات الدولية

 في الواقع إن العمل في المنظمات الدولية ينص على تمثيل الدول الأعضاء في هذه المنظمة،

 وفي أغلبية الحالات فإن هذا التمثيل،يتخذ شكلا دائما يحمل اسم المفوضية أو الممثلية أو

 البعثة الدائمة،وقد ولد هذا النموذج في عهد عصبة الأمم،وتطور بشكل أكثر اتساعا مع

 ولادة الأمم المتحدة والعديد من منظماتها المتخصصة.

ولتحقيق الأهداف المرجوة من البعثة،والتي حددتها اتفاقية 1975 والمتمثلة في: ضمان

 تمثيل الدولة الموفدة لدى المنظمة،والاحتفاظ بالصلة بينهما وإجراء المفاوضات،وكذا تعزيز

 النشاطات في المنظمة وإطلاع حكومة الدولة الموفدة بهذا الصدد، وحماية المصالح المتبادلة

 بينهما،وغيرها من الأهداف،تم من خلالها منح هذه البعثات الحصانات والامتيازات الاتية.

الفقرة الأولى: حصانات وامتيازات البعثة:

في البداية يمكن التساؤل في ما إذا كان بإمكان الدولة المضيفة أن تقوم بتقييد امتيازات

 وحصانات البعثات لأسباب سواء كانت متعلقة بالمعاملة بالمثل أو لأسباب تتعلق بتردي

 العلاقات الثنائية،ما بين الدولة المضيفة والدولة الموفدة والملاحظات التي أبدتها الحكومة

 البلجيكية بلجنة القانون الدولي،التي عبرت عن رأي بلجيكا لصالح المعاملة بالمثل،والنقطة

 الجوهرية لا تثير أي شك،فالبعثة تم انتدابها لدى الأمم المتحدة وليس لدى دولة المقر.

وبناء عليه فإنه لا يفترض أن يعتمد منح الامتيازات والحصانات للبعثات الدائمة على أساس

 العلاقات القائمة مع الدول المضيفة،وقد اعترف المستشار القانوني لوزارة الخارجية

 الأمريكية سنة 1946،بهذه المسألة حيث قال أن:(منح الامتيازات والحصانات المنصوص

 عليه في المادة 105 من ميثاق الأمم المتحدة،يجب أن لا تعترضه أية عراقيل من خلال

 الإشتراطات الوطنية للمعاملة بالمثل أو للإجراءات الوطنية للثأر ما بين الدول.

وفي الواقع فان وجة النظر هذه،تتجاهل حقيقة العلاقات الدولية في صورتها الثلاثية وأن التي

 تمنح الامتيازات والحصانات لم تكن المنظمة،ولكن الدولة ذات السيادة على إقليمها حيث

 يوجد مقر المنظمة،وفيما إذا عاملت الدولة الموفدة بشكل تمييزي،من ناحية الحصانات

 والامتيازات بعثة الدولة المضيفة في علاقاتها الجانبية.ليس هناك ما يثير التعجب أن تقوم

 الدولة المضيفة باللجوء إلى المعاملة بالمثل،فيما يتعلق بالتسهيلات التي تمنحها في إقليمها

 على الدولة الموفدة ما عدا الالتزام الذي تفرضه الاتفاقيات حول هذه النقطة،فإنه يبدو بأن

 لعبة المعاملة بالمثل تبدو شرعية،فيما إذا نظرنا إلى المسألة من ناحية الثأر.

يضاف إلى ذلك أن نص المادة 105 من الميثاق واتفاقية الامتيازات والحصانات حددت

 الامتيازات إلى ذلك الذي يبدو ضروريا لممارسة المهمات بالمنظمة،وأن المعاملة بالمثل

 لا يمكن أن تكون شرعية فيما إذا ترتب على تطبيقها بعض الأضرار بالمهمات المناطة

 بالبعثة.

كما أن المستشار القانوني للأمم المتحدة،عارض الثنائية خلال الاجتماع الذي عقد سنة

1967 في اللجنة السادسة للجمعية العامة وأكد على وضوح المادة 105 واتفاقية 1946،

 وأكد على الطبيعة الخاصة للاتفاقية حول الامتيازات وحصانات الأمم المتحدة،الاتفاقية ترجع

 على الأقل إلى الأطراف من الأعضاء ونصت على أن هذه الاتفاقية ما بين الأمم المتحدة

 وكل عضو.

والأعضاء يخضعون للمنظمة لا إلى الدول الأخرى الأطراف في الاتفاقية. إذ أكد بأنه من

 مصلحة المنظمة تأمين لممثلي الدول الأعضاء الامتيازات والحصانات الضرورية لهم من

 أجل الحضور والمشاركة بكل حرية في الاجتماعات والمؤتمرات.

ومنه يمكن أن نقول أن الامتيازات والحصانات الممنوحة لهذه البعثات هي في جوهرها

 نفس تلك التي تمنح للبعثات الدبلوماسية الدائمة أي ما يقصد بحرية التنقل،حيث أن المادة

26 من اتفاقية سنة 1975 نسخة مصورة من تلك التي نصت عليها اتفاقية 1961،والتي

 تمتد إلى امتياز التنقل لأعضاء عائلةالبعثات.لكن ذلك لم يمنع من أن تلجأ الدولة المضيفة

 إلى اتخاذ إجراءات للأمن،ومن وجهة نظر سياسية في تقييد حرية بعض البعثات كما تحاول

 الولايات المتحدة الامريكية دائما إزاء البعثة الدبلوماسية الكوبية لدى الأمم المتحدة.

وأن مسألة حماية البعثات الدبلوماسية في الدول المستقبلة وبشكل خاص ضد التظاهرات

 والأعمال العدائية من الأفراد أو جماعات الضغط،تمثل بشكل مؤكد،حالة مقلقة في

 نيويورك.

وقد كانت المادة 33 من اتفاقية 1975،شبيهة بالمادة 22 من اتفاقية فيينا من خلال تأكيدها

 التالي:

 "في حالة حدوث اعتداء ضد مباني البعثة على الدولة المضيفة أن تتخذ الإجراءات المناسبة

 لمقاضاة الفاعل وعقاب الأشخاص الذين يرتكبون الاعتداء".

كما أن المادة 24 من اتفاقية 1975 قد نصت على الحصانات الضريبية على مباني البعثة

 ومسكن رئيس البعثة.

الفقرة الثانية: حصانة أعضاء البعثة:

إن الذين يستفيدون من الامتيازات الدبلوماسية هم رؤساء البعثات وأعضاء الممثليات

 الدائمة يتمتعون بحصانات وامتيازات مثلها مثل التي تمنح للممثلين الدائمين للدول

 بعضها مع بعض.

وذلك استنادا إلى ما قد تتعهد به إزاء المنظمة الدولية،بحيث إذا خرقت الدولة المضيفة هذا

 التعهد بالنسبة لبعض الوفود فإنها تعتبر مسؤولة أمام المنظمة الدولية وليس أمام الدولة

 الموفدة.

يستند منح هذه الامتيازات والحصانات إلى فكرة تسهيل مهمة أعضاء الوفود الدائمة،ولا

 علاقة لها بمبدأ المعاملة بالمثل التي يتعذر تطبيقه في هذا المجال ،وكمثال على هذا فإن الولايات المتحدة الامريكية الدولة المضيفة للأمم المتحدة،حصرت إفادة أعضاء الوفود التي لم تعترف بها من هذه

 الحصانات والامتيازات بالمنطقة الإدارية الموجودة فيها مساكنهم ومكاتبهم وأثناء سفرهم

 في مهمات رسمية خارجها.

وتجدر الإشارة إلى أن الدول الأعضاء بالأمم المتحدة يجب عليها ألا تتسبب في أي ضرر

 للمفوضين الذين يمرون بأراضيها،وأن التزاماتها لا تقبل المناقشة في هذا الصدد بموجب

 المادة 105 من الميثاق.

ففي سنة 1966 قامت السلطات الغانية باعتقال 19 عضوا من مفوضية غيينا لحضور

 مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية لدى مرورهم في مطار أكرا،هذه الحادثة دفعت الجمعية

 العامة للأمم المتحدة أن تصدر توصياتها رقم 2328 لسنة 1967،حيث عبرت عن أسفها

 في عدم احترام قواعد القانون الدولي المنظمة للامتيازات والحصانات الدبلوماسية و الامتيازات الخاصة بالأمم المتحدة.

ومن بين المشاكل التي تتعرض لها هذه البعثات إعلان دول المقر لأفراد هذه البعثات

 أشخاص غير مرغوب فيهم.

وفي هذا الصدد فإن الحكومة النمساوية،أقرت بأن مفهوم شخص غير مرغوب فيه،لا

 ينطبق على الممثليات الدائمة لدى الأمم المتحدة في مقرها في فيينا،وإذا ما طبق هذا النظام

 فإنه سيكون ما بين السكرتارية العامة حيث ينتدب لديها الدبلوماسي وما بين هذا

 الدبلوماسي.

ومن جهتها فإن الأمانة العامة للأمم المتحدة،قد أكدت تطبيق نظرية الشخص غير مرغوب

 فيه بين الممثليات الدائمة والمنظمة.

ومن المؤكد أنه إذا تمتعت بعثات الدول الأعضاء بالحصانات فإن ذلك من أجل الممارسة

 الحرة،وبكل استقلالية لمهماتها من أجل انتهاك قوانين الدولة المضيفة.

وبالمقابل فإن أغلبية اتفاقيات المقر تحتوي على نص يحتفظ بحق دولة المقر في اتخاذ

 الإجراءات الضرورية في حماية أمنها القومي من تجاوزات أعضاء البعثات.وقد شهد

 تطبيق مختلف حالات طلب الاستدعاء والطرد ومنع الدخول إلى أراضي دولة المقر

 وخصوصا في الحالات التي يتهم فيها عضو البعثة بالتجسس أو النشاطات الإرهابية،

 وهي الاتهامات التي كثيرا ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية،تلصقهابدبلوماسيي الدول

 الاشتراكية خاصة المعادية للسياسة الأمريكية،كما في حالة استبعاد الممثل الدائم لنيكارجوا

 لدى الأمم المتحدة سنة 1988.

المبحث الثاني:الممارسة الدبلوماسية للمنظمات الدولية

 أن تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية التي يترتب عليها تمتع المنظمات الدولية

 بالحصانات والامتيازات هو الداعم الأساسي لدفع المنظمات الدولية للعب أدوار طلائعية

 سياسيا وقانونيا لتدبير الأزمات الدولية من خلال آلية الدبلوماسية الوقائية(مطلب أول)،

 إلا أن هذا التدبير غالبا ما يصطدم بمجموعة من المعيقات التي تحد من فعاليته

(مطلب ثاني).

المطلب الأول:الدبلوماسية الوقائية للمنظمات الدولية

 تعني الدبلوماسية الوقائية بذل الجهود الدبلوماسية من أجل تخفيف التوتر قبل أن يؤدي إلى

 نشوب الصراع فإذا نشب الصراع تم العمل بسرعة على احتوائه وعلاج أسبابه، ويمكن أن

 يتولى مهام الدبلوماسية الوقائية الأمين العام شخصيا،أو يقوم بتكليف كبار الموظفين أو عن

 طريق الوكالات والبرامج المتخصصة أو بواسطة مجلس ا�

اخر الأخبار