إستكمال انطلاقة "تغيير المسار والمصير" "قيد الانتظار"!
تاريخ النشر : 2016-12-10 09:15

كتب حسن عصفور/ انتشرت "الذكريات العاطفية" في مواقع التواصل الإجتماعي وبعض بيانات فصائلية، في ذكرى الانتفاضة الوطنية الكبرى التي إنطلقت "شرارتها" من مخيم جباليا شمال قطاع غزة 9 ديسمبر 1987، مع حركة إغتيال عمال فلسطينيين،"ذكريات" لم يترافق معها اي "فعل شعبي" مهما كان لونه، وإكتفى المتذكرين بأضعف الإيمان، دعوات ونداءات باللسان وفي القلب..

مرور هذا اليوم المفصلي في تاريخ القضية الوطنية الفلسطينية بهذا "السكون المطلق"، يثير كل أشكال الريبة السياسية، من فصائل لا تهدأ تهدد وتطلق ، وتحذر كلما سمح لها بذلك،  وكانت المسألة المثيرة للإستغراب موقف الصمت من حركة فتح، التي كان لها دورا رياديا خلال سنوات "الانتفاضة الكبرى الست"،  وكأنه حدث بغير صلة، رغم خروجها من مؤتمر أكد على "التحرير والقرار الوطني المستقل"!

ولكي لا يبقى الحديث حكرا على "الذكريات العاطفية - السياسية، لا بد من اعادة الاعتبار للدروس الأهم وطنيا، التي كانت "نقطة تحول تاريخي" في مسار القضية الوطنية، وجسدت عمليا "الإنطلاقة الثورية المعاصرة الثانية" بعد انطلاقة فتح والثورة عام 1965..

وبما أن المعركة لا زالت مستمرة، وأهداف الانطلاقة الثورية الثانية لم تكمل مسارها، نتيجة "المؤامرة الكبرى" من قبل التحالف الأميركي الصهيوني وبعض العربي والفلسطيني، من المهم اعادة التأكيد على "القيم السياسية" التي أنتجهتا تلك الانطلاقة الثورية..

كان توقيت "الانتفاضة الكبرى" نهاية عام 1987 بوابة العبور الحقيقية لحماية "القرار الوطني المستقل" لاستكمال مسيرة الثورة الفلسطينية نحو الحرية والاستقلال الوطني، خاصة وأن المحيط العربي الذي حاول قطف "ثمار العدوان - الغزو الاسرائيلي على لبنان" وخروج قوات الثورة والقيادة الفلسطينية وزعيمها الخالد أبو عمار من بيروت لحصار "الممثل الشرعي الوحيد" بفعل ومشاريع، تنتقص من وحدانية التمثيل، لحسابات غير فلسطينية..

ومع اعتقاد ذلك التحالف أن اللحظة التاريخية باتت قريبة لتحقيق المراد السياسي، انفجرت الانطلاقة الثورية الثانية  لتعيد الاعتبار لفلسطين قضية وممثلا وهوية، وقبلها طاقة كفاحية كابرز حدث ثوري في التاريخ المعاصر..

ولأن "معركة القرار الوطني المستقل" ليس "لغوا كلاميا" ارتبطت بالمواجهة مع العدو الحقيقي للقرار المستقل والقضية الوطنية، فعلا كفاحيا ثوريا أعاد رسم الخريطة السياسية محليا وإقليميا ودوليا، للممثل الشرعي الوحيد، كان يراد "تكسير عظام السياسي الفلسطيني" فاحالها الى مواجهة لـ"تكسير الأنف الاحتلالي وتحالفه"..ما أجبر صاحب مقولة "تكسير العظام" الى أن يأت راكعا لقيادة الشعب الفلسطيني باحثا عن "حل سياسي ممكن"..

الانتفاضة الوطنية الكبرى، الانطلاقة الثورية الثانية، هي وليس غيرها من أجبر قادة دولة الكيان على الرضوخ للحقيقة السياسية المطلقة، ان لا ممثل غير الممثل الحق لشعب فلسطين، وأن كل "البدائل والخيارات" لن تكون سوى "هوامش فعل" لا مستقبل لها..

فكان خيار رابين اللاحق هو كسر "الثوابت الصهيونية" في الاعتراف بالشعب الفلسطيني وممثله وبعضا من أرضه، من خلال مفاوضات أوسلو عام 1993 التي أنتجت اتفاقا انهى مقولة "يهودا والسامرا"، وأن هناك "بديل ممكن لمنظمة التحرير"، وفتح الباب لترسيخ فلسطين كيانيا جغرافيا بعد ان كان حاضرا سياسيا.. ولتنهي "مؤامرة مؤتمر مدريد" السياسية لخطف "الممثل والهوية"..

"العبور التاريخي" من حركة الثورة الى حركة ترسيخ الكيانية كان عمادها الانطلاقة الثورية المعاصرة الثانية، وكما فعلت الانطلاقة الإولى في اعادة الاعتبار للقضية والهوية، أكملت الثانية فعل الضرورة السياسية لتجسيد الهدف الوطني عبر مشروع كياني وطني..

وهو ما أدركه برؤية عبقرية مؤسس الكيانية الوطنية وقائد الثورة ياسر عرفات، عندما تعامل مع الحصار السياسي الطويل بمرونة سياسية وصلت الى حد "الاستسلام" وبصلابة سياسية قادت الى ثورة جديدة، مكنته أن يقيم أول سلطة كيانية فلسطينية فوق أرض فلسطين في التاريخ عام 1994، على طريق إكمال مسارها نحو تكريس اعلان الاستقلال لدولة فلسطين..

ولأن المؤامرة لم تتوقف، وأطرافها أدركوا قيمة "التغيير التاريخي" لما حدث وأثره على الخريطة المستقبلية، تسارعت حركة فعل التآمر، بدأت في استخدام حركة حماس التي جاءت كرد فعل إخواني بعد 22 عما على انطلاقة الثورة و20 عاما على الاحتلال، ضمن حسابات سياسية خاصة، لتمثل رأس حربة إضعاف الانطلاقة الكيانية الوطنية، بأشكال متباينة..

ولم تكتف أطراف "المؤامرة" من الاستخدام الحمساوي لضعف تأثيره ، فكان القرار الأهم باغتيال اسحق رابين ولاحقا اغتيال الخالد ياسر عرفات، كمقدمة لحصار "المنتصر السياسي" على التآمر السياسي"، فأدخلت القضية الوطنية في مسار جديد عبر رئيس جديد أدت سياسته الى انتاج الانقسام الوطني فكان بوابة "حصار الكيانية الوطنية" كمقدمة لتغيير مسارها..

وكي لا يبقى الدرس درسا من التاريخ، بات واجبا فتح الباب لما يمكن تسميته بـ"الإنطلاقة الثورية المعاصرة الثالثة"، من خلال مراجعات وطنية حقيقية تبدأ بـ:

 *أولا من حركة حماس لتحديد هويتها السياسية هل هي جزء من "الوطنية الفلسطينية" ام إمتداد لتنظيم عالمي داخل الحركة الوطنية..

*ومنها تكون بوابة العبور نحو إعادة تصويب حركة التمثيل الوطني عبر الشرعية الرسمية لضم حماس "الجديدة" والجهاد الاسلامي وكل منتج وطني حقيقي..

*اعادة التصويب التمثيلي بما يستلزمه بالضرورة اعادة التصويب السياسي، بالعمل على وقف العمل باتفاقات أوسلو كونها أصبحت غير ذي صلة بالواقع السياسي..

*وكي لا يقال ان وقف العمل بالاتفاقات تلك، وتحاول الفرقة المرتعشة وطنيا ( تعبير سياسي مهذب رغم انها أكثر من مرتعشة)، يكون البديل الوطني العمل على تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 2012 رقم 19/ 67 كخيار إستراتيجي لمواجهة المشروعين التهويدي والانفصالي..

*ضرورة البحث عبر "التفكير الجمعي الوطني" لإعادة الاعتبار لحركة الانطلاقة الثورية بكل اشكالها الممكنة..دون نقاش بتفاصيلها هنا، ودونها يصبح كل كلام  معلق في فراغ اللافعل..

هل هناك مكان لهذا ..نعم وجدا، بل أن الظرف العام وطنيا يستدعي روح الانتفاضة الكبرى بما يفوق ما كان عام 1987..معادلة الفعل ، انطلاقة ثالثة نحو استكمال مسار الانطلاقيت الأولى والثانية!

دروس التاريخ هامة للذكرى والتذكر، لكنها أكثر أهمية في أن تصبح فعلا مستحدثا لإستكمال ما لم يستكمل..المشهد الوطني ينادي حركة الفعل بعيدا عن "الإستنساخ" الكلامي!

ملاحظة: نصيحة الى القيادة الحسماوية أن لاتصاب بغرور نتيجة وهن الحركة الوطنية، وتعتقد ان فرصتها دنت لخطف التمثيل..قطاع غزة مهما كبر ليس سوى "قطاع من حركة التاريخ والجغرافيا" دون نسيان قيمته الثورية في مسار الثورة والكفاح والتضحية..

تنويه خاص: صرخة الجبهة الشعبية أنها لن تسمح بعقد مجلس وطني في رام الله، يجب أن تتحول لحركة فعل أوسع..المسألة ليست مكانا بقدر ما يحيط به من اثر تدميري على "القرار الوطني المستقل"..غزة تنتظر!