"ليان ناصر" التي قتلت مرتين!!
تاريخ النشر : 2017-01-07 06:53

ليان ناصر إحدى ضحايا تفجير الملهى الليلى في إسطنبول عشية الاحتفالات برأس السنة، فتاة شابة يافعة ذات 19 ربيعا مفعمة بالحيوية والنشاط كانت تحلم بغد أفضل، وكلها أمل ورجاء وتفاؤل أن تكمل مسيرتها التعليمية، فقد أنهت للتو الثانوية العامة وكانت في طريقها إلى الجامعة، سافرت مع صديقاتها إلى تركيا لقضاء إجازة رأس السنة، لأول مرة تسافر من بلدتها الطيرة في الداخل الفلسطينى (مناطق 48) تسبقها خطواتها اللاهثة لاستكشاف عالم المجهول، تحركها روح المغامرة وطاقة الشباب، ولكن؟! لم يمهلها القدر كى تعود إلى أهلها تحكى لهم مغامرة سفرها مع صديقاتها وهى تملأ الدنيا صخبا، فقد غافلتها يد الغدر والإرهاب في لحظة جنونية وأجهزت على حلمها، هكذا ببساطة أنهت حياتها إلى الأبد. خرجت ليان من مدينتها وبريق الأمل يتراقص في عينيها ويداعب أحلامها، لكنها عادت في تابوت مقبض يتدلى منه عناقيد الغضب والحزن والألم، عجل طائر الموت الإرهابى بخطفها وحلق بعيدا.

قد تبدو قصة عادية تداولها الإعلام بحكم العادة في ظل الظروف المضطربة التي تعيشها المنطقة بعد أن طالت يد الإرهاب كل مكان، فلم يعد هناك شيء آمن والخطر يتهدد حياتنا أينما كنا، الجريمة التي نفذتها يد من أيدى تنظيم داعش الإرهابى بدم بارد وأعصاب فولاذية وعقل غائب محملا باعتقاد لا يقبل الشك بأن هذا هو الانتصار لدين الإسلام والانتقام للمسيئين له، هو الكارثة الحقيقية التي مازلنا لا نستطيع مواجهتها رغم الجهود المبذولة لتغير تلك الصورة الذهنية عن حقيقة الإسلام ومعاناته ممن يعتنقون الفكر التكفيرى المتشدد الذي أطاح بكل قيمه ومنابع التسامح فيه وسبل التعايش مع الآخر، مازلنا رهائن لمفاجآت معتنقى الأفكار المتشددة والعمائم التي تبخ سمومها من أعلى منابر التنوير، فحولوها إلى معاقل مفخخة بأفكار انتحارية في انتظار التفجير بأجساد الأبرياء، ليس مهما من هم ولا أين؟ المهم وقوع أكبر عدد من الضحايا والرقص على دمائهم احتفالا بالنصر العظيم الذي يحصدوه كلما تناثرت أشلاء الضحايا وتعالات صرخات المذعورين والثكالى، سادية يتقنها الذين غسلت عقولهم واستبدلت أرواحهم بأرواح شريرة تدور في فلك الضلال والتيه باسم نصرة دين الإسلام.

ليان فراشة من فلسطين ابنة مدينة الطيرة في مناطق عرب 48، لم يمهلها أعداء الحياة أن تتزين بثوب العام الجديد وتنطلق بأحلامها الصغيرة لتخلع عن جسدها فكر الحرمليك، فلا تزال بقايا الطفولة عالقة والبراءة تسكن ملامح وجهها حتى وأدها فكر الإرهاب الداعشى القادم من ركام قريش وكهوف طالبان ونعيق غربان التطرف والتشدد الأعمى والمجتمع الذكورى، قتلت ليان مرتين، مرة برصاص الإرهاب الخسيس ومرة برصاص الفكر الداعشى الذي بدأ يغزو المجتمع الفلسطينى وهو دخيل عليه وغريب عن روح وثقافة المجتمع الفلسطينى، غربان داعش بدأت تتسرب كالسرطان إلى نسيج المجتمع الفلسطينى الذي لم يعرف في تاريخه مثل هذا التخلف ويلبس ثوب القداسة لدى البعض وله رايات وأحزاب وجماعات ومريدين. كان ملفتا استفزاز بعض التعليقات على الحادث البشع بعد أن انتشرت صور ليان الشابة الجميلة البريئة على مواقع السوشيال ميديا محفوفة بكلمات التعزية وأهازيج الحزن والرثاء، فبعد أن خفتْ لهيب الألم والحزن على الفتاة انطلقت سهام التطرف المسمومة لتنعتها بصفات الكفر والفجور والتساؤل حول ديانة ليان هل هي مسلمة أم مسيحية؟! وماذا تفعل شابة صغيرة في ملهى ليلى؟! (تستحق أكثر من ذلك.. نساء مسلمات يحتفلن في ملهى ليلى بالسلفيستر وهو عيد مسيحى، ليس من عاداتنا ولا ثقافتنا) ملاحظات تنهش بلحم الحى والميت ولايزال ألم أسرة الضحية طازجا يانعا في قلوبهم لم تجف دموعهم على لوعة فراق فقيدتهم، في الوقت الذي يبكى فيه والد ليان على شاشات التليفزيون على خلفية الصراخ المؤلم لنساء العائلة وحديثه عن الصور التي أرسلتها ابنته من إسطنبول للعائلة، وكم كانت لطيفة وفرحة متأثرة برحلتها الأولى خارج البلاد، مثلها مثل أي إنسان لا يوجد أي غرابة في تصرفها ولا مروق في سلوكها!! والحقيقة أن هذا سلوك وفكر جديد على ثقافة الفلسطينيين وطبيعتهم، أن ينبذوا الضحية ويتغافلوا عن مأساة ذويها ويمسكوا بتلابيب ظاهر الحادث المفجع بالتنظير والدروشة والادعاء بتدين زائف وإعادة صياغة عبارات الإرهابيين المتطرفين وترديدها! رغم أن الحركة الإسلامية في مناطق 48 حسمت الجدل وأصدرت بيانا يدين حادث التفجير ويعزى عائلة الضحية في مصابها الجلل، وينبذ فيه العنف ويجرم الفكر التكفيرى وإرهابه العبثى الذي لا يسعى لرد العدوان ولا إلى بناء الإنسان والعمران والقيام بين الناس بالعدل والقسط، إنما هو تفريغ لشحنات الكراهية والحقد والتكفير والتخوين، جهلا بالدين وعدوانا على الناس.

حينما تغتال تعليقات بعض الجهلاء مغسولى الأدمغة فاقدى الإحساس مفهوم الحياة والإنسانية وتخرج الأفكار الذكورية من قمقمها لتشكك في فتاة ذهبت في منتصف الليل إلى ملهى للاحتفال مع أن المطعم راق وشهير وليس ناديا مخلا ولا مشبوه، فقد ذبحت ليان مرتين بلا رحمة باسم دين الرحمة والتسامح والموعظة الحسنة، علينا أن نعترف بأن الإرهاب ليس في الفكر المتطرف فقط وإنما في ثقافة المجتمع الذكورى الذي يبيح كل شي للرجل ويجعل من المرأة جارية في حرملك حياته واستعباده، يحق له ما لا يحق لها، فلو كان الضحية شابا هل ستنهال التعليقات بهذا الشكل الشائن وتعلق له المشانق؟! هل ستنطلق سهام التشكيك والتلميح القذر لاحتفاله في وقت متأخر من الليل بعيد لا يمت للإسلام بصلة؟! أم أنه سيغض النظر عن التفاصيل ويفترش مرضى النفوس مساحات واسعة من صفحات السوشيال ميديا للتغنى بمناقب الضحية بغض النظر عن الأسباب، إن وحشية حادث التفجير مع سقوط ليان الجميلة صاحبة الوجه الطفولى البريء، أيقظت داخلنا هواجس الخوف من إلباس الباطل ثوب الحق وانتهاك حقوق الإنسان لمجرد أنه أنثى فلا حق ولا مستحق يمكن البحث عنه طالما الضحية امرأة! كفانا تميزا وانتهاكا وتدميرا لقيمة ومعنى الحياة بالإرهاب الفكرى والإرهاب الذكورى والتقاليد التي جعلت من ضعيفى النفوس أداة طيعة للقتل والتكفير والتدمير.

عن المصري اليوم