جبر شعث.. [السكر الذي قدمته، يكفي مدينة مالحة]
تاريخ النشر : 2017-01-07 23:47

أمد/ غزة – هاني السالمي :  جبر جميل شعث من مواليد 1966 في خان يونس، حيث يقيم حاليا.

أصدر مع الشاعر الجزائري أحمد شنة ومثقفين جزائريين مجلة أدبية نقدية بعنوان "محراب" من سنة (1988-1990).. نشر كثيراً من قصائده ودراساته اللغوية والنقدية في الملاحق الثقافية للصحف الفلسطينية والجزائرية والسورية واليمنية، وفي المجلات الأدبية المتخصصة. وفي المواقع الالكترونية.. يمارس النقد من - باب التذوق - للشعر وللقصة القصيرة. أصدر حتى الآن ثلاثة دواوين: "أ ب" سنة 2003، "آثام بيضاء" سنة 2008 "كأني أنا" سنة 2010. ولديه مخطوطان الأول مجموعة شعرية بعنوان "سيرة ضالة"، والثاني بعنوان "خلوة خامسة"

بالحديث عن جبر لا يمكن تجاوز ما قاله عن تجربته في الكتابة....من الرصيف كانت رحلتي السيزيفية. لم أكن أحمل فوق ظهري صخرة كصخرته العقوبة، بل حملت كومة من الأحلام والأمنيات والهواجس وما كنت أحتملها فسرعان ما كنت أتدحرج بها من فرط رومنسيتها وطوباويتها. ذلك الرصيف الذي كان يقف عليه رجل نصف مجنون يبيع كتباً مهربة من الداخل الفلسطيني كانت في معظمها صادرة عن دار الأسوار بعكا لغسان كنفاني وإميل حبيبي وجبرا وعلي محمود طه وسالم جبران وعلي الخليلي وسميح القاسم ودرويش وغيرهم. وكتباً أخرى مجتلبة من مصر ليوسف ادريس ونجيب محفوظ وصلاح عبد الصبور واحمد عبد المعطي حجازي وأمل دنقل والبياتي والسياب والجواهري وبلند الحيدري وغيرهم . كنت أشتري هذه الكتب واحدا واحدا وأقرأ الكتاب الواحد أكثر من مرة .أسرني في تلك الفترة كنفاني والسياب وجبرا وإدريس وأمل دنقل. وفي ذات الفترة تعرفت على مجلة الفجر الأدبي التي كان يصدرها الشاعر الراحل علي الخليلي وكانت تهتم بالشأن الأدبي الفلسطيني شعراً وقصة ومسرحا ومقاربات نقدية ودراسات فلسطينية. أما الانقلاب الأول الذي جعلني أجتاز مرحلة الحلم والخربشة إلى مرحلة الفعل الإبداعي والرؤيا الشعرية فقد كان بعد قراءاتي العميقة المتأنية المتكررة لأبي العلاء والمتنبي و نيتشة في هكذا تكلم زرادشت ... صرت بعد هؤلاء واثقا راسخا متجرئا على النشر في الصحف الفلسطينية كالشعب والميثاق والفجر وفي مجلة الهلال المصرية. بعد خروجي من غزة للالتحاق بإحدى الجامعات الجزائرية حدث الانقلاب الثاني في توجهي ورؤياي الشعرية وكان المنفذون هذه المرة أشد سطوة وقسوة: ديكارت، شوبنهور، هيجل، ماركس، هيدجر، كامو، سارتر، كافكا إميل سيوران، تولستوي، تشيخوف،غرامشي، باشلار، بورخيس، كفافيس، ريتسوس رامبو بودلير، نتاج الصوفيين العرب سوريالية اندريه بريتون وأراغون الماغوط أدونيس سعدي يوسف سليم بركات سركون بولس مالك حداد كاتب ياسين وغيرهم .وغني عن الإشارة الى القراءات التأسيسية؛ الشعر والنثر العربي في جميع عصورهما الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، القرآن الكريم، غلغامش، الف ليلة وليلة مغامرات سندباد، المسرح اليوناني بمآسيه وملاهيه... التهمت وهضمت كل أولئك وغيرهم وأعلنت عن نفسي بكل ثقة ورسوخ: الشاعر والناقد المتذوق جبر شعث. لا أعرف ان كانت هذه المقدمة الذاتية ضرورية في هذه الشهادة الشعرية ولكني أثبتها بناءً على رغبة من طلبها مني. قال عني أحد الشعراء الفلسطينيين في تقديمه لمجموعتي الأولى ألف باء؛ بأنني مموسق الروح، وقال شاعر ومترجم آخر حين أهديته المجموعة ؛ غنائية مفرطة واكتفى ، وثالث قال؛ كتابة في العمق وتأمل وتقص وفلسفة مقطرة . صدق الأول والأخير وسقط الثاني في حكمه الارتجالي المبني على تصور مسبق، حين اعتبر الغنائية سبة ونقيصة وتتأتى فقط من الموسيقى بشكليها الداخلي والخارجي. فكون النص موزوناً لا يعني بالضرورة غنائيته ، وكم من نصوص تنتمي إلى قصيدة النثر تميزت بغنائيتها الهادئة ( سر من رآك لأمجد ناصر، والرسولة بشعرها الطويل لأنسي الحاج ).

جبر شعث يتعمد غيابه، ويراقب الوسط الأدبي، وذلك لأن الوسط حالة من التّيه العام، وفقدان الوجهة، يركن جبر شعث إلى عزلته الفردية الاختيارية، كوعي تام بحال العزلة السائدة لدى جيل يفقد كل يوم عضواً آخر من جسد هويته وأحلامه...غير أن جبر يختار أن تكون عزلته مغايرة، تلك العزلة التأملية الشفيفة، فينتزع ذاته من المجموع ليتجه إلى فرده، يضع نفسه في مواجهة مع النفس ويبدأ في إعادة قراءة العالم من خلال كشفه لتعرجات الذات.

هو لا يكتب الشعر لكنه يمتلك خفة الشاعر، ولا يصيغ الحكمة لكنه يتكئ على بصيرة التأمل الحكيم.. ورغم كل هذه العزلة والتأمل الفردي المتجنّب للمجموع، العارف بأسى الواقع الجديد، غير أن نصوصه لا تتورط في تلك البكائيات المطوّلة ولا عرائض التشكي الممرض، إنه يصيغ كل أتعابنا بشجنٍ طفيف

جبر شعث يمزج النقد الخاص في ذاته الشاعرية، كلماته وجمله في متن الشعر كإطار عام ومتكأ، ويتعامل مع القصيدة في نسق المعطيات الجاهزة للشعر والنقد معا؛ فالنظرة النقدية عند الكاتب هنا تتجه نحو ما ينتجه الشاعر من قصائد تبدو فيها نزعة الحلم المختلط بالإرادة التي تحفل بها العديد من القصائد والمقاطع الشعرية بداخل تلك المتون، جبر شعث اتكاءً على أزمة الإنسان المعاصر من شغف، وحب، ومقامة وتأمل، وكناقد يعتبر ما قدمه جمرات متوهجة في المشهد، شارك المشهد وكان شاهدا على الكثير من ولادة شعراء وكتاب في المشهد الفلسطيني وخاصة غزة، حيث كان ناصحا للمشد الشباب حين الكتابة حيث يقدم لهم عتبات النص بكتابة الذات وحب الـتأمل والتفكير وتقديم الجديد....  حبر شعث حين يكتب يعمل على إقامة اتزان ما بين واقع الإنسان وما ينبغي أن يتحقق له وفق ظرفه الإنساني العام بعيدا عن التأثيرات الجيوسياسية؟" وذلك من خلال اتكائه على الإبداع ما فيه من تأرجح بين الإمكان والاستحالة، فتلك هي المعادلة التي يلعب عليها بالقصائد كما يلعب عليها وعيه...