الأُّم جّنةُ الله في الأرض
تاريخ النشر : 2017-03-20 21:55

جاء في الأثر إن ماتت الأمُ ينادي منادي من السماء: "يا ابن أدم ماتت التي كُنا نُكرمُك من أجلها، فأعمل شيئاً نُكرمُك من أجلهِ"، والنبي صل الله عليه وسلم يقول: أُمك "الزم رجلها فثم الجنة"، حيث يوافق غداً يوافق  21 مارس ما يسمي بعيد الأم؛ وفي هذا اليوم يحتفل العالم الغربي والشرقي بما يمسي: "عيد الأم" كما يصادف في نفس اليوم ذكري معركة الكرامة المجيدة التي خاضتها الثورة الفلسطينية بقيادة حركة فتح تحت راية م- ت- ف، ضد العدو الصهيوني؛ مع فرقة من الجيش الأردني، وهزمت الجيش الذي كان يسمي نفسه الجيش الذي لا يقهر وانتصر الفدائيون الفلسطينيون في مثل هذا اليوم؛؛ وعودةً لما يسمي بعيد الأم فهل يعقل أن نجعل للأم يومًا واحداً هو عيدٌ لها فقط؟ والله إنها كارثة الكوارث ومهزلة المهازل أن نكون كالغرب يأتون يومًا واحدًا في السنة فقط يزورون أُمهاتهم وكأنهن غريبات، وطيلة العام لا يعرفون أمهاتهم ولا يسألون عنها ولا يبرونها ولا يصلونها، فهل يعقل أن نحتفل مثلهم ونبر أمهاتنا في يومٍ واحدٍ في العام؟ ونحن العرب والمسلمين ليس لنا إلا عيدان، عيد الأضحى وعيد الفطر؛ وكل ما دون ذلك فهو مخالف لهدي النبي صل الله عليه وسلم؛  والإسلام كرم الأم أعظم تكريم،، وإن أردت أن تعرف كيف كرم الإسلام الأُم فتعال معنا لنقرأ ونفهم ما يقوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية السلمي: "ألك أمك قال نعم: قال النبي: " ألزم رجلها فثم الجنة "، وقال لرجل آخر مثله : " فالزمها فإن الجنة تحت رجليها "، وفي وضعٍ أخر: فعن أبي بردة قال: شهدت ابن عمر  رضي الله عنهما - ورجل يماني يطوف بالبيت قد حمل أمه وراء ظهره، يقول: إني لها بعيرها المذلل ... إن أذعرت ركابها، لم أذعر ثم قال: يا ابن عمر , أتراني جزيتها؟ , قال: لا، ولا بزفرة واحدة أي ولا بطلقة من طلقات ألم مخاض الولادة؛ وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يجزي  ولد والده إلا أن يجده مملوكا, فيشتريه فيعتقه"؛ وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله) (أي الأعمال أحب إلى الله؟ , قال: " الصلاة على وقتها, قلت: ثم أي؟ قال: " ثم بر الوالدين " , قلت: ثم أي؟ , قال: " الجهاد في سبيل الله ") وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (قال رجل: يا رسول الله، إن لي أما وأبا , وأخا وأختا , وعما وعمة , وخالا وخالة، فأيهم أولى إلي بصلتي؟) (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يد المعطي العليا , وابدأ بمن تعول , أمك وأباك , وأختك وأخاك , ثم أدناك أدناك ") وعن معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - قال: (قلت: يا رسول الله) (من أحق الناس بحسن) (الصحبة؟) (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أمك "، قلت: ثم من؟، قال: " أمك " قلت: ثم من؟، قال: " أمك "، قلت: ثم من؟)  (قال: " ثم أبوك) وعن المقدام بن معدي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله يوصيكم بأمهاتكم , إن الله يوصيكم بأمهاتكم , إن الله يوصيكم بأمهاتكم , إن الله يوصيكم بآبائكم , إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب، وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " رضى الرب , في رضى الوالد , وسخط الرب, في سخط الوالد " سواء أب أو أم؛ وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: (جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -)  (فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد) (أبتغي وجه الله والدار الآخرة) (فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " هل من والديك أحد حي؟ " , قال: نعم , بل كلاهما) (ولقد تركتهما يبكيان) (قال: " فتبتغي الأجر من الله؟ " , قال: نعم , قال: " فارجع إلى والديك) (ففيهما فجاهد (أحسن صحبتهما) (وأضحكهما كما أبكيتهما) (وأبى أن يبايعه؛ وعن معاوية قال: جاء جهامة - رضي الله عنه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله , أردت أن أغزو , وجئتك أستشيرك , فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " هل لك من أم؟ " , قال: نعم) (قال: " فارجع إليها فبرها) (فإن الجنة تحت رجليها  وفي رواية: " الزم رجلها , فثم الجنة؛ وبر الوالدين والأم خصوصًا سبب دخول الجنة فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " نمت , فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ, فقلت: من هذا؟ , قالوا: هذا حارثة بن النعمان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كذلك البر، كذلك البر, قالت: وكان أبر الناس بأمه؛ وعن عطاء بن يسار قال: أتى رجل لابن عباس - رضي الله عنهما - فقال: إني خطبت امرأة، فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري، فأحبت أن تنكحه، فغرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟ , قال: أمك حية؟ , قال: لا، قال: تب إلى الله - عز وجل - وتقرب إليه ما استطعت , قال عطاء: فذهبت فسألت ابن عباس: لم سألته عن حياة أمه؟ , فقال: إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله - عز وجل - من بر الوالدة. وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: (" صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر) (فلما رقي الدرجة الأولى قال: آمين، ثم رقي الثانية , فقال: آمين، ثم رقي الثالثة فقال: آمين "، فقالوا: يا رسول الله، سمعناك تقول: آمين , ثلاث مرات؟ , قال: " لما رقيت الدرجة الأولى) (أتاني جبريل - عليه السلام - فقال: يا محمد) (من أدرك شهر رمضان) (فانسلخ منه ولم يغفر له) (فدخل النار , فأبعده الله , قل: آمين , فقلت: آمين) (قال: ومن أدرك والديه , أو أحدهما) (فلم يدخلاه الجنة (فدخل النار , فأبعده الله , قل: آمين , فقلت: آمين) (قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك , فمات فدخل النار , فأبعده الله , قل: آمين , فقلت: آمين ") وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (" رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان , ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك والديه عند الكبر , أحدهما أو كليهما , ثم لم يدخل الجنة ")،عن مالك بن الحارث - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من أدرك والديه أو أحدهما , ثم لم يبرهما , فدخل النار , فأبعده الله " فإن الله عز وجل  أكرم الأم والمرأة بشكل عام واشتق لها اسمًا من اسمه الرحمن عز وجل فسماها (الرحم) وتعهد سبحانه وتعالي في الحديث القدسي بأن يصل من وصلها وأن يقطع من قطعها؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ ، فَقَالَ : مَهْ ، فَقَالَتْ : هَذَا مَكَانُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ : بَلَى ، قَالَ : فَذَاكَ لَكِ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ { 22 } أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ { 23 } أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا { 24 } سورة محمد آية 22-24 " ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ ، عَنْ حَاتِمٍ . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ قُتَيْبَةَ ، قَوْلُهُ : فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ مَعْنَاهُ : اسْتَجَارَتْ بِاللَّهِ ، وَاعْتَصَمَتْ بِهِ ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ : تَعَلَّقْتُ بِظِلِّ جَنَاحِهِ ، أَيِ اعْتَصَمْتُ بِهِ ، وَقِيلَ : الْحِقْوُ : لِلإِزَارِ ، وَإِزَارُ اللَّهِ عَزَّ جَلَّ عِزُّهُ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالْعِزِّ ، فَاسْتَعَاذَتِ الرَّحِمُ بِعِزِّ اللَّهِ مِنَ الْقَطِيعَةِ ، وَلاذَتْ بِهِ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ الْعَرْشُ ، فَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ قَالَ : الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ . وقال عنهن النبي: (هُن المؤنسات الغاليات)؛ وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قُدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ ، وَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ يَتَحَلَّبُ ثَدْيَاهَا , كُلَّمَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذْتُهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ " قَالُوا : لا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لا تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ : " وَاللَّهِ ، لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِوَلَدِهَا " ..       . والأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراقِ، والأم  أعظم كلمة عرفها التاريخ, صغيرة وقليلة بالحروف ولكنها كبيرة المعنى, كلمة "أمي" أجمل وانعم كلمة ولفظ يخرج من شفتاي، فهي من سهرت الليالي جانبي وحملتني في بطنها تسعة اشهر ثقلاً, وهنًا على وهن؛؛؛ إن ما يسمي بعيد الأم وكل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدعٍ حادثة لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضاً، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام، وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع "يوم الجمعة" وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعيادٍ أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة الله سبحانه وتعالى، وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى عيد الأم، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد؛ كإظهار الفرح والسرور، وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به وأن يقتصر على ما حدَّه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده فلا يزيد فيه ولا ينقص منه، والأم أحق من أن يحتفي بها يوماً واحداً في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها، وأن يعتنوا بها، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله عز وجل في كل زمان ومكان، فعندما نتحدث عن الحنان والحب والإخلاص والتفاني والوفاء والعطاء نعني بذلك الأم فيجب أن يكون كل يوم إكرام واحتفاء وبر بالأم، فالم هي جنتُك ونارك، ببرها تدخل الجنة وبعقوقها تدخل النار، ومهما فعل الإنسان فلن يفي أمُه حقها فكل التحية والاجلال والتقدير والاحترام لكل الأمهات الماجدات في العالم.

  بقلم الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل

 الكاتب الصحفي والمحلل السياسي والمفكر الإسلامي