حين يخطئ الشعب فى اختيار الرئيس
تاريخ النشر : 2017-08-10 11:33

(1)

بعد أقل من ثلاثة أشهر على توليه الرئاسة الفرنسية، تراجعت شعبية إيمانويل ماكرون، الرئيس الشاب الذى فاجأ الجميع بوصوله إلى الرئاسة بفوز ساحق فى مايو الماضى. انخفاضٌ كبيرٌ أظهرته استطلاعات الرأى، ووفقاً لهذه الاستطلاعات يحظى ماكرون فقط بتأييد 36 فى المائة من الفرنسيين، وبلغت نسبة من لهم رأى سلبى تجاهه 49%.

(2)

أظهر استطلاع جديد للرأى أجرته «جامعة كوينيبياك» أن شعبية الرئيس الأمريكى ترامب لا تتخطى 33 % بعد شهورمن توليه منصبه، وهو مستوى مماثل لشعبية ريتشارد نيكسون عقب تفجُّر فضيحة ووترجيت وشعبية جورج بوش خلال حرب العراق. هذا التراجع نتيجة التحقيق المتشعب فى قضية التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب، الذى يلقى بظلال شكٍّ على شرعية انتخاب ترامب، وقد يؤدى إلى عزله أو حثه على تقديم استقالته.

(3)

رغم التباين الواضح بين شخصية ترامب وماكرون، وطريقة استقبال العالم نبأ فوز كل منهما، حيث كان الحذر والقلق من نصيب الأول والارتياح والطمأنينة من نصيب الثانى، فإنهما يشتركان فى قلة خبرتهما السياسية، وهوما جعل من قراراتهما فى الفترة الأولى من حكمهما تُقابَل بمعارضة واستعداء لبعض مؤسسات الدولة فى كلا البلدين...كما أن كلاً منهما يحاول أن يدفع بأفراد من أسرته إلى دوائر الحكم، وقوبل ذلك بتوجُّس وعدم ترحيب.

(4)

استطلاعات الرأى فى الدول الديمقراطية ليست دائماً دقيقة وصادقة؛ فقد يشوبها الانحياز والمبالغة، لكن رغم ذلك تبقى مهمة؛ فهى تنبِّه الرئيس والمواطن إلى مستوى العلاقة بينهما، هل ثقة المواطن برئيسه قوية أم أن هناك خللاً قد حدث؟، الناخب يعطى صوته للمرشح الذى يستشعر الثقة فى قدرته على تحقيق وعوده الانتخابية، هنا يدرس الرئيس ومعاونوه أسباب هذا الانخفاض ومَواطن الخطأ، فيقوم بمحاولة تفاديها وتعديل المسار وإيجاد بدائل كما هو الحال مع ماكرون، أو يلتمس تأييد أنصاره الأكثر ولاءً ليعاونوه فى الحشد والخروج من هذا المأزق كما يفعل ترامب.

(5)

فى فرنسا وأمريكا، المواطن له قيمة وصوته الانتخابى يُحْدِث فرقاً؛ فالنتائج عادة ما تكون متقاربة بين المرشحين المتنافسين على مقعد الرئاسة، وهناك دائماً أحزاب معارضة قوية تتلقف أخطاء الرئيس وزلَّاته للاستفادة منها للطعن فى صلاحيته للحكم، وتُمهِّد بذلك الطريق للفوز فى أول انتخابات رئاسية قادمة، وطوال فترة حكم الرئيس لا تتوقف المعارضة (هدفها الوصول للحكم) عن نقد أداء الرئيس وحكومته، وتجد لها منابر للتعبير عن ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة والمؤتمرات الحزبية، أما المواطن العادى فيبتلع على مضض خيبة أمله فى الرئيس المنتخب متمنياً أن يُغيِّر مساره أو يصبر حتى تنتهى فترته الرئاسية ليغيره بمن يراه أفضل. هكذا تصلح الديمقراطية أخطاءها؛ فليس هناك حاكم دائم، الحكم الدائم للشعب، الذى يتحمل نتيجه اختياراته ويكون لديه دائماً فرصة ثانية متجددة ومتأنية.

(6)

مصر لم تَعْتَد على استطلاعات الرأى فيما يخصُّ شعبية الرئيس، وإن حدث فغالباً ستكون محل شك، فمازلنا نتذكَّر استطلاع مركز بصيرة قبل شهور من ثورة يناير، الذى أظهر أن أكثر من 80% من الشعب راضون عن أداء أحمد نظيف ووزارته، كانت النتيجة مصدراً لتندُّر وسخرية المصريين وبعض وسائل الإعلام المستقلة. فى مصر مؤسسات رسمية مهمتها إجراء مثل هذه الاستطلاعات وكتابة تقرير عنها ورفعها إلى رئيس الجمهورية وكبار المسؤولين فى الدولة، ولقد أشار إليها السيسى حين قال إنهم حذَّروه من أن بعض قراراته، مثل رفع الدعم وتحرير سعر صرف الجنيه، ستؤثر على شعبيته ولكنه لم يأبه لهذا التحذير لأن القرارات ضرورية وصائبة.

المهم ليس استطلاعات الرأى، ولكن الأهم ما يعقبها من حوار مجتمعى وتحليل لمشاكل البلد، ومناقشة إدارة الرئيس للبلاد ومتى أخطأ وأين أصاب، ووجود معارضة «تفرمل» أخطاء الرئيس وحكومته، هنا يشعر الشعب بأن انتخابه لرئيس ليس خطيئة عليه أن يُكفِّر عنها العمر كله، ولكن مجرد خطأ فى الحساب له عمر حدَّده الدستور بسنوات الفترة الرئاسية، بعدها يصبح حراً فى اختيار رئيس جديد يفتح أمامه أفق التغيير. السؤال: هل الشعوب العربية لديها فرصة ثانية لتصحيح أخطائها لو انتخبت رئيساً لم يَفِ بما وعد به شعبه، أم أن التداول السلمى للسلطة اختراع لم نستورده بعد؟.

عن المصري اليوم