الانقسام وموظفي السلطة
تاريخ النشر : 2017-08-12 13:53

ما ان تم الاعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في العشرين من يناير عام 2006 ، والتي اظهرت فوز حركة حماس بأغلبية المجلس التشريعي حتى تحولت الخلافات السياسية والفكرية بين حركتي فتح وحماس ، الى خلافات مسلحة دموية كانت تتصاعد حتى لحظة الانقلاب الذي اعلنت عنها حركة حماس فعلياً في الثالث عشر من حزيران – يونيو 2007 ، والذي اسمته بالحسم العسكري للخلافات التي كانت سائدة ، وهكذا تم الانقسام بين شقي السلطة الوطنية قطاع غزة والضفة الغربية، وكان من اهم نتائجه على ارض الواقع هو تسلم حركة حماس مقاليد السلطة الامنية فعلياً في قطاع غزة ، اما بخصوص السلطة المدنية وخدماتها فقد الزم موظفو السلطة على البقاء في منازلهم بأوامر من قيادة السلطة الوطنية في رام الله أو من خلال نقابة موظفي السلطة والتي كان يترأسها السيد بسام زكارنة.

نعم ان الاوامر بالبقاء في المنزل كانت شفيهة ومن كان يخالف هذه الاوامر قطعت رواتبهم ، ولكن ماذا فعلت حركة حماس لاستمرار الخدمات الرئيسة في قطاع غزة كالصحة والتعليم وبعض الامور المدنية ، لقد اجبرت حماس هؤلاء الموظفين الاستمرار في العمل تحت تهديد القوة الامنية ، ومن رفض تلك الاوامر الامنية عوقب عقاباً شديداً وخاصة في قطاع الصحة، وخلال الحرب الاولى على قطاع غزة 2008- 2009 ، وجه الرئيس محمود عباس نداءً للعاملين في الصحة وفي القطاعات المدنية المختلفة والتي كان الشعب في حاجة ماسة اليها خلال الحرب بالعودة للعمل ، لكن رد فعل حماس كان بالاعم ، حيث وافقت على عودة الكثيرين ورفضت عودة كل من يحمل منصب مدير او شبه مسئول للعمل او حتى من كان منهم فتحاوياً بشكل علني وظاهر.

نعم هذه هي الصورة العامة للانقسام ولكن من الذي دفع فاتورة هذه الانقسام ؟؟ لا شك ان القضية الفلسطينية تراجع الاهتمام بها في كل المحافل الاقليمية والدولية ، والحديث هنا لا يتعلق بهذا التراجع ولكن الحديث يتعلق بقضية موظفي السلطة ، فقد دفعوا فاتورة باهظة التكاليف ، ان التزام الموظفين بشرعية قيادة السلطة حملهم عبئاً ثقيلاً في قطاع غزة فقد طعنوا بوطنيتهم واتهموا بالخيانة من قبل حركة حماس بداً من عناصرهم في الشارع وانتهاءً بقيادتهم السياسية العليا مرورا بمنابر المساجد، فقد اتهموا الموظفين بانهم يجمعون المعلومات عن المقاومة وارسالها الى رام الله وبدورها رام الله ترسل هذه المعلومات الى اسرائيل من خلال التنسيق الامني ، حيث حٌكم بعض الموظفين بتهمة التخابر مع رام الله ، كما طعن موظفو السلطة بشرعية اموالهم ( رواتبهم ) بانها اموال حرام ، كما ان حركة حماس مارست على الموظفين ممارسات جائرة منعتهم من ممارسة أي عمل والاهم من هذا كله انها نعتتهم بالمستنكفين ، وهذه الكلمة كما جاءت في القرآن الكريم هي صفة للذين يرفضون تنفيذ اوامر ولي الامر ورفض العمل استكباراً وتعالياً واحتقاراً ، وما جزاء هؤلاء الا العذاب الشديد من الله سبحانه وتعالى- أي ببساطة ان الموظفين اتهموا بالكفر!! (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173) النساء) ،والطامة الكبرى في هذا المجال ان هناك قيادات فلسطينية في رام الله تطلق هذه الصفة على موظفي السلطة في قطاع غزة الآن ،لم تنتهي معاناة موظفي السلطة في غزة عند هذا الحد فقد حُرموا من قبل السلطة الوطنية من كل اشكال الترقيات بحجة الانقسام كما حُرموا من العلاوات الإشرافية مما اضعف تلك الرواتب امام تصاعد الاسعار وغلاء المعيشة.

واليوم وبعد عشر سنوات من انقلاب حماس والانقسام بين غزة والضفة وللأسف الشديد تريد قيادة الشعب الفلسطيني في رام الله معاقبة حماس للعودة عن انقلابها من خلال معاقبة موظفي السلطة اعتقادا منها انها ستجبر حركة حماس على التراجع، ان الاجراءات التي اتخذتها قيادة السلطة في رام الله بحق الموظفين هي بمثابة تضخيم معاناة الموظفين ودفعهم لسلوك ما لا يحمد عقباه فإن رواتبهم ليست ملكاً لهم بل هي قوت اطفالهم ورسوم جامعات ابناءهم، وقروض مستحقة للبنوك وغيرها.

ان اسباب الانقسام الحقيقية ونتائجها السياسية أو كيف يمكن العودة عن هذا الانقسام واتمام المصالحة ليس هو الحديث من خلال هذه السطور ولكن على قيادة السلطة الوطنية وقيادة حركة حماس ان يدركوا ان الموظفين والشعب برمته ليسوا بالحلقة الضعيفة بل هم الحلقة الاقوى والتي ستنهار امامها قيادة السلطة وقيادة حماس اذا ما تحرك الشعب واجبرهم على التراجع والتنازل، ولهم في تشاوشيسكو في رومانيا ونواز شريف في الباكستان وما يمارس اليوم بحق رئيس وزراء العدو نتانياهو عبرة ليعتبروا... ليس هذا تهديداً بل حديث من القلب لقيادة السلطة تحديداً وعلى رأسها الأخ الرئيس محمود عباس ،ولن تخونه حنكته السياسية من ايجاد الطرق المختلفة لجعل حماس تتراجع واتمام المصالحة الوطنية كما يرغب الكل الفلسطيني.