المكتبة الوطنية ما بين الاستهداف وخطوات صراع البقاء شَاهِدٌ وشهيد
تاريخ النشر : 2017-09-13 14:30

كان طِفْلٌ لأبيه الكهل ُ، كان خير شَاهِد على المجزرة التي ارتكبت في بلدته المدمرة ،فقد أبيه وأمه وأخيه ، وبعد سنوات صار يروى حكاية وطن مدمر وشعب مهجر ، رواية ً عنوانها "هو شَاهِدٌ وأباه شهيداً "، في ذات ليلة حدثت المجزرة وسقط الشهداء ، في حين حدثت مجزرة أخرى من نوع أخر مجزرة ثقافية ، حيث تمت سرقة البيوت وما في داخلها من كتب، ونهبت المكتبات العامة وسجلات المعاهد والمدارس والمستشفيات والمصارف ، شاهدنا يروى حكاية تدمير الإرث الثقافي الفلسطيني وتهجير طبقة الانتلجنسيا الفلسطينية وتشتيتها ، كما أنه يخبرنا بأن الصهاينة قاموا بالعديد من محاولات طمس الهوية الفلسطينية من خلال تحويل بيوت الفلسطينيين إلى بيوت للمستوطنين اليهود،وإحلال تسميات جديدة للشوارع والقرى الفلسطينية ، شاهدنا يروى ويردد دائماً "إذا سرقت الأرض فلابد للأرض أن تتحرر يوما ً ولكن عندما يسرق التاريخ فكيف للفلسطيني أن يعيد مجد دهرا ً"،ويخبرنا بأنه تم تدمير أكثر من 27 ألف كتاب بحجة أنها عديمة الفائدة وأنها تمثل خطراً على الكيان ، وذكر شاهدنا أسماء المكتبات التي تمت سرقتها في عام 1948 على ايدى قوات الاحتلال ،ومنها المكتبة الخالدية ومكتبة درويش وعجاج نويهض وخليل السكاكينى التى نقلت كاملة إلى مكتبة الجامعة العبرية وغيرها ، ففي عدوان48 كان المواطن الفلسطيني إما شهيدا ً أو جريحا ً أو طريدا ً، أما الكِتَابُ أصبح أسيراً حتى يومنا هذا تحت مسمى ممتلكات مهجورة داخل المكتبة الوطنية الإسرائيلية ، فرحم الله شهدائنا وأعاد لنا مكتباتنا وتراثنا .

المكتبة الوطنية ما بين الاستهداف وخطوات صراع البقاء

يروى أن نواة المكتبة الوطنية الإسرائيلية تأسست فى عام 1892 وكان اسمها بيت الكتب في القدس وتأسست على ايدى منظمة بنى بريت وهى مؤسسة صهيونية قديمة كانت مهمتها تأسيس المكتبات لتعميق القراءة عند اليهود ، وفي عام 1925 أصبحت المكتبة جزءا أساسيا من مكتبة الجامعة العبرية ، استنتج من ذلك أ ن الصهاينة يجيدون فن التخطيط الاستيراتيجى ، فقبل إرسال مستوطنيهم أرسلوا كتبهم باللغة العبرية إلى الوطن المستهدف لإقامة دولتهم المزعومة عليه ،فقد اعتمدوا اسلوب أن أردت أن تنجح أرسل كتابا قبل أن ترسل جنديا ً،فالصراع مع الصهاينة له عدة أوجه ،فهو صراع تاريخى وحضارى ووجودي لا حدودي بل انه يأخد منحى أخر وهوصراع ثقافي حيث أن الصراع الثقافي كان سباقاً على غيرة من أوجه الصراع الأخرى. ورغماً عن سلبيات تأثيرها وفي ظل هذه الظروف فقد استطاع ياسر عرفات أن يبرم اتفاقية اوسلوا فى التسعينات وتم تأسيس اللبنة الأولى للسلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة والضفة ،وجاء على سلم أولوياتها تأسيس مكتبة وطنية شاملة وشرعت في بناء مقرات لها إلا أن الظروف السياسية والأمنية وما تلاها من انقسام أعاقت تنفيذ المخططات الموضوعة في حينه .

خطوة استيراتيجية

اصدر مرسوم رئاسي رقم 14 لسنة 2017 بتحويل قصر الضيافة إلى مكتبة وطنية ، وقد جاء هذا القرار لتجسيم سياسات وزير الثقافة إيهاب بسيسو ، ويعتبر هذا القرار قرارا ً استراتيجياً يخدم الأجيال الصاعدة مستقبلا ً ،وبداية مرحلة جديدة من الصراع الثقافي والحضاري ، ولن أخفى عليكم أن معركة الوعي والعقل من أشرس المعارك، فهى المعركة التى نتائجها تحافظ على الهوية والوجود على المدى البعيد وللمكتبة الوطنية فوائدجمة منها :ـ

1ـ ربط المواطن الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها بمرجع ثقافي وطني ثابت يمكن الرجوع اليه والاستفادة منه في اى وقت .

2ـ توحيد شطري الوطن المنقسمين جغرافياً وسياسيا ً الضفة وغزة من خلال المكتبة حيث يستطيع أى باحث من غزة طلب أى كتاب ويتم إرساله في ملف الكترونياً وبالتالي المكتبة تعمل على نشر ثقافة الوحدة من خلال المشاركة في البحث عن التراث وحفظه.

3ـالمكتبة تعمل على خلق جيل جديد قادر على مواجهة المشروع الثقافي الاسرائيلى.

4ـ المكتبة قادرة على زرع الثقة في النفس ونشر ثقافة الأمل نحو المستقبل من خلال المحافظة على التراث والتاريخ أى ان تأسيس المكتبة بمثابة ضربة استيراتيجية للكيان بعد ان استخدم استيراتيجية إشاعة اليأس التي تستهدف المواطن الفلسطيني وضرب وزعزعة ثقته بنفسه من خلال استمرار الاستيطان في الضفة وحصار غزة .

5ـالمكتبة هى أولى عمليات توحيد أطياف الشعب الفلسطيني في كل أنحاء المعمورة حيث أنها ستعمل على لم شمل ثقافي لللاجئين الفلسطينيين أينما وجدوا.

ونطالب سيادة الوزير إنشاء قسم في المكتبة يعنى بجمع المعلومات والوثائق الخاصة بمؤسسات السلطة الفلسطينية فى الضفة وغزة ، إضافة إلى قسم يحتوى على الخرائط والدراسات المفصلة للأحياء والمباني في القطاع والضفة وجمع المعلومات الخاصة بممتلكات المواطنين الحاضرة أو الغائبة التي استولى عليها الاحتلال وذلك بعد الانتهاء من كل عملية إحصاء وتعداد للسكان ، وأن تحتوى المكتبة على قاعة للمؤتمرات لعمل مؤتمرات دولية ووطنية للتركيز على حقوقنا وفضح سياسات الاحتلال اتجاة القدس ،بحيث يتم توثيق وحفظ ذلك داخل المكتبة ، وأن يكون هناك بند يتعلق بالمقر الحالي في رام الله بحيث يعتبر هذا مقر مؤقت إلى أن يشاء الله ويتم نقلها الى العاصمة كباقي المكتبات الوطنية في العالم ، كمايجب عمل مركز للدراسات والأبحاث الاستيراتيجية ليكون همزة وصل بين المؤرخين والباحثين من شتى أنحاء العالم من خلال التنسيق مع مراكز الأبحاث العالمية ،وان يضاهى مراكز الدراسات الإسرائيلية من حيث رسم السياسات وصنع القرارات وتقديم التقديرات الاستيراتيجية للحكومة ،ويجب أن تحتوى المكتبة على قسم خاص بمنتجات مبدعي ومثقفي قطاع غزة للتأكيد على وجودها رغم محاولات طمسها وفصلها عن باقى أجزاء الوطن ، وان يكون قسم لمنتجات الأسرى فهناك العديد منهم أصبحوا شعراء وكُتَّابوحفظ مذكراتهم لتبقى ارث تقرأه الأجيال القادمة ولا ننسى مثقفي فلسطينيو 48،ويجب ان يكون قسم لذوى الاحتياجات الخاصة ومنهم المكفوفين حيث يحبذ أن توفر المكتبة المطبوعات الورقية بطريقة برايل وتوفير الحواسيب الخاصة بهم داخل المكتبة للاستفادة من المعلومات المتوفرة عن الشعب والوطن والقضية الفلسطينية، أما قسم الصراع العربي الاسرائيلى والكتب التي تختص بالسيرة الذاتية للشخصيات التاريخية الفلسطينية كياسر عرفات ودرويش وغيرهم يحبذ أن تكون الكتب فيه مترجمة إلى عدة لغات وخاصة العبرية، والعمل على قدم وساق لاسترجاع ما نهب من مؤلفات وكتب عام 1948.

ومن خلال متابعتي للتاريخ يظهر أن أى صراع في العالم يتم حله بطريقتين إما إبادة الشعب الأصلي بالكامل ، أو انتصار حركات التحرر ودحر المحتل كما حدث فى الجزائر وغيرها ،أما فى حالة الصراع الفلسطيني الاسرائيلى فلا إسرائيل تستطيع إبادة الشعب بالكامل ولا تستطيع حركات المقاومة تحرير الأرض كاملة ،علما بأن أى تسوية أو أى حلول مرحلية لن تحل الصراع طالما استمر الاستيطان واستمر حصار غزة ،لذلك علينا العمل على حفظ ما تبقى من تاريخنا وارثنا، والعمل على إعداد الخطط الاستيراتيجية لمواجهة العدو ثقافيا ً ونشكر الوجود الغزاوي والحاضر بقوة ممثلا بالسيد وزير الثقافة ايهاب بسيسو الذى يعمل جاهدا ًمن اجل إنجاح مشروع المكتبة الوطنية الفلسطينية التي نأمل أن تتفوق على مكتبة الكونجرس في عراقتها ومجدها وعلى المكتبة البريطانية في منتجات مبدعيها ومثقفيها وارثها الوطني ودمتم ذخرا للوطن .