المصالحة الفلسطينية.. والعقبات الواجب تذليلها
تاريخ النشر : 2017-09-27 02:08

المصالحة الحمساوية الفتحاوية وبمباركة مصرية ، من الواضح وإن كانت تسير ببطء ، إلاّ أنها وفي شيء من التفاؤل تبدو خطواتها ليست كسابقاتها من اتفاقات المصالحة خلال عقد من الزمن . ولكن من حقنا جميعاً ومن موقع المصلحة أن نضع أيدينا على قلوبنا ، وألاّ نندفع بقوة نحو الإعلان أن المصالحة قد نجحت أطرافها في وضع أقدامها بثبات على طريق إنهاء الانقسام ، ولنا أسبابنا التي نتشاطر فيها حتى مع بعض أبناء الحركتان ولربما بعضاَ من قياداتهما ، وإليكم مبرراتنا :-

- وجود المتضررين ، وهذا نجده بالأمر الطبيعي ، في كل مكان يتواجد هؤلاء وهم لا يستهان بهم ولا بإمكانياتهم وقدراتهم على التعطيل وحتى التخريب من داخل الحركتين أو من خارجهما . وأثبتت الاتفاقات السابقة على صحة ذلك ، فما أن يتم الإعلان عن قرب التوصل أو التوصل إلى اتفاق ، نجد أن عقارب إنهاء الانقسام تعود للدوران بفعل هؤلاء المتضررين و" كأنك يا أبو زيد ما غزيت " ، ليبدأ التراشق السياسي والإعلامي والاتهامات المتبادلة من جديد . والشواهد كثيرة ، والجميع يعرفها وعايشها من هنا ومن هناك .

- سلاح المقاومة والتخلص منه ، إنما كان ولا يزال يمثل هدفاَ إستراتيجياً لدى الكثير من الأطراف بما فيها السلطة ، التي لطالما كرر الناطقون باسمها ، أن قرار الحرب والسلم يجب أن تكون حصريته بيد السلطة ورئاستها دون سواها . وعليه وإن الموضوع غير مطروح الآن ، ولكن سيبقى على طاولة وأجندة الآخرين . وقد تمثل تصريحات الدكتور موسى أبو مرزوق من موسكو لجريدة الحياة اللندنية تطمين للسلطة ورئيسها ، على أن حماس لن تتفرد بقرار الحرب ، فقال :- " أن الحركة مستعدة لتقاسم المسؤولية عن صنع قرار الحرب والسلام في شكل إيجابي مع القيادة . وأنّ قرار الحرب والسلام مسؤولية وطنية وقرار جماعي ، وحماس مستعدة لالتزام المسؤوليات الوطنية ، لكن لا بد من التوافق على كل ما هو مطروح في الساحة السياسية ، وكل ما يتعلق بمصير ومستقبل الشعب الفلسطيني " . ولكن السؤال المشروع هل هذا كافٍ لبقية الأطراف بما " إسرائيل " التي تراقب عن كثب كيفية التعاطي المصري أولاً ومن ثم السلطة مع هذا الملف الأكثر حساسية وخطورة بالنسبة لأمن الكيان ومستقبله . وهذا ما ذهب إليه " يوني بن مناحيم " ، محلل الشؤون العربية في الإذاعة العبرية العامة في مقال له بموقع " نيوز وان " الاخباري العبري " أن حركة حماس ترفض التخلي عن سلاحها ، وهو ما سيؤدي بالطبع إلى ضرورة أن تحدد تل أبيب موقفها من هذا الأمر ، إذا سارت المصالحة في طريقها بشكل جيد " . وأضاف " بن مناحيم " ، إلى أن مصر وإسرائيل لا يريدان رؤية آلاف الصواريخ في أيدي حركة حماس ، على الرغم أن مصلحة مصر تريد أن يكون لدى حماس قوة عسكرية مدربة قادرة على حفظ الحدود وتمنع تهريب الإرهابيين والسلاح إلى شمال سيناء . والمصلحة الإسرائيلية فهي الحفاظ على الهدوء في غزة ، مع ضرورة الحيلولة دون تعاظم القوة العسكرية لحركة حماس وتطوير أدوات حرب جديدة تهدد قلب إسرائيل " .

- تفاهمات حماس والنائب محمد دحلان ، ما هي مصيرها في ظل الرفض المعلن من قبل فتح رئيساً وقيادات لأية مصالحة مع دحلان وتياره ، على اعتبار أن محمد دحلان ومن معه مفصولون من حركة فتح ، ولا إمكانية لعودتهم إلى صفوف الحركة لألف سبب وسبب ، وفي مقدمتها رئيس " التيار الإصلاحي داخل فتح " ، الذي يمثل خطراً جدياً على كثير من الرموز الفتحاوية بما فيها رئيس السلطة ، على اعتبار أن العديد من الدول العربية تعمل على أن يكون دحلان بديلاً لأبو مازن في حال حصول فراغ في رئاسة السلطة لسبب أو أخر .

هذه التفاهمات يهم حركة فتح والسلطة على حد سواء أن يتيقنوا عن مصير تلك التفاهمات وإلى أين ستنتهي بالسلب أو الإيجاب . ولعلّ ما صرح به إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أمام الاجتماع الذي دعت إليه قادة الفصائل الفلسطينية ، ونواب المجلس التشريعي ، وشخصيات العمل الوطني ، في فندق الكومودور في قطاع غزة ، من تأكيده على حرص حركته الإلتزام بالتفاهمات التي أبرمتها مع " تيار الإصلاح في فتح " ، الذي يقوده النائب محمد دحلان ، وهي ملتزمة بها . وإن كان هنية قد أعرب عن أمله أن تتم المصالحة الداخلية في حركة فتح ، لأن حركة حماس معنية بفتح قوية ومتماسكة وموحدة . وأضاف هنية قائلاً :- " التقينا مؤخرًا مع عدد من قيادات " التيار الإصلاحي " في القاهرة ، في مقدمتهم ، سمير المشهراوي ، وقد أبدوا دعمهم للمصالحة الوطنية الشاملة ، وأكدوا لنا أنهم لن يكونوا سبباً في إفشال هذه المصالحة ، بل سيكونوا داعمين لها " . وبدوره وفي اللقاء ذاته كرر يحيى السنوار ، رئيس المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة ، تأكيدات هنية حول التزام حماس بالتفاهمات مع دحلان ، مشدداً على أن التفاهمات مع " تيار الإصلاح " قائمة وستستمر ، ولن تجعلها موضوع تفاوض مع أحد .

- ملف الموظفين ، الذي مثلّ خلال كل الحوارات السابقة العقبة التي لا يمكن تجاوزها بسهولة لسببين ، الأول أنهم جميعاً من حركة حماس وتم توظيفهم خلال فترة سيطرة حماس على قطاع غزة ، مما يشكل تغييراً في البنية الحكومية في القطاع لصالح حماس ، لأن منهم مدراء الوظائف الأولى ، ووكلاء الوزارة ... الخ ، والثاني أن عددهم الذي يتجاوز أل 42 ألف موظف ، ليست هناك إمكانية إلى توفير التغطية المالية لهم . وهذا ما أكده وزير مالية السلطة شكري بشارة حين قال :- " إن موازنة السلطة تعاني من عجز كبير ، كما أن السلطة تعاني من تضخم وظيفي ، ولا يمكن استيعات 40 ألف أو 50 ألف موظف جديد من الذين وظفتهم حركة حماس في قطاع غزة " . وبالتالي لطالما وضعت حماس هذا الملف في سلم أولوياتها ، بل شرطاً لا تنازل عنه ، ودونه لا مصالحة ولا إنهاء للانقسام .

- الأجهزة الأمنية ، وهي إشكالية حقيقية أيضاً في طريق المصالحة ، على اعتبار أن الأجهزة الأمنية برؤيتها ووظيفتها قد صاغتها حركة حماس ، وبالتالي مطالبة الحركة بضرورة دمج هذه الأجهزة في أية أجهزة ستعمل حكومة الوفاق أو التوافق الوطني على إعادة هيكليتها أو صياغتها ، من شأنه ان يشكل على الدوام بالنسبة للسلطة وحزبها حركة فتح مخاوف وهواجس جدية في إحكام السيطرة على تلك الأجهزة أو تقديم الولاء المطلق للسلطة وحكومتها .

- ملف أراضي وقف السلطة ، وكيفية إعادة الأراضي التي تم وضع اليد عليها من حماس ، واتهامها أن قد قامت بتوزيعها على عناصرها من منتسبين وكادرات وقيادات ، وهي ليست بالمساحات القليلة . والسلطة وحكومتها اعتبرتها خلال المرحلة الماضية أن وضع حماس يدها عليها جاء بحكم الأمر الواقع ، ولا قانونية لتلك الإجراءات .

- معبر رفح ، وكيفية إدارته ، ومن المسؤول عنه ، هل هي السلطة التي تعلن أحقيتها من خلفية أنها الشرعية ؟ ، أم تيار النائب محمد دحلان ؟ ، وهو الذي كان قد رصد 5 ملايين دولار من أجل إعادة تأهيله وصيانته ، بعد التفاهمات بينه وبين حركة حماس .

ما سلف ذكره حقيقة يجعلنا على الدوام متوجسين من سقوط الفرصة الأخيرة لتلك المصالحة . وعليه من سيُدور الزوايا للآخر ، حماس أم فتح ، أو كلاهما بفعل العصا السحرية المصرية ، التي قد تتحول إلى عصا في مواجهة المُعطل لتلك المصالحة . خصوصاً أن هناك من يسابق الزمن على المسرح الدولي والإقليمي وأولهما " إسرائيل " لكي تفرض رؤية حل على السلطة ، قبل أن تتمكن قوى المقاومة التي تحقق نحاجات متسارعة ، من قلب الطاولة بوجه من صاغ ورعى وسوق لما يسمى ب" صفقة القرن " بهدف تصفية القضية الفلسطينية .