"بلفور" أو الحرب التى لا يكفيها قرن
تاريخ النشر : 2017-11-07 07:59

يوم الخميس ٢ نوفمبر ٢٠١٧، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو لنظيرته البريطانية تيريزا ماى: «قبل 100 عام ساهم إعلان بلفور فى تمهيد الطريق نحو إعادة إقامة دولة مستقلة خاصة بالشعب اليهودى على أرض أجداده».

نتنياهو يتحدث كذبا، ونظيرته البريطانية تسمع كذبا، والاثنان التقيا أخيرا فى لندن احتفالا بما حاكته عواصم الاحتيال والكذب فى واشنطن ولندن وتل أبيب. ولن أقص عليك وقائع بلغت من العمر يوم الخميس الماضى مائة سنة بالتمام والكمال. إنما لو أمسكت فى سلسال نتنياهو نفسه وصولا إلى أرض أجداده، لوجدت أصوله من ناحية الأب بولندية، أما أمه فوُلدت بالولايات المتحدة الأمريكية.

و«الشعب اليهودى» عبارة صاغها لويس ديمبتس برندايس، كبير قضاة محكمة العدل الأمريكية (١٩١٦- ١٩٣٦)، الذى راجع صيغة وعد بلفور قبل صدورها وعدّل وبدّل، حسبما اقتضت مصالح أمريكا قبل ديانته اليهودية، وقد غيّر لفظة «العرق اليهودى the Jewish race»، التى كتبها رجل الخارجية البريطانية آرثر بلفور إلى «الشعب اليهودى the Jewish people».

القارئ لتاريخ منطقتنا المعقد مع الغرب يعرف جيدا أن إسرائيل ليست مجرد استجابة لمطامح صهيونية بالأساس بقدر ما هى أكبر كابح غربى حديث لمنطقة سبق لها أن ذاقت فى الزمانات طعم غزو أوروبا والسيطرة عليها، كما أذاقتها أوروبا قديما وتذيقها قوى الغرب بزعامة أمريكا حاليا أصنافا وأشكالا وألوانا من الغزو والسيطرة.

منذ القرن التاسع عشر ومشروع الدولة الكابحة أو المانعة أو المعيقة لمنطقتنا يسيطر على التفكير الاستراتيجى الأوروبى والغربى عامة. من أجله صدرت وعود فرنسا نابليون وقياصرة ألمانيا وروسيا لكنها لم تنجح. ما نجح فقط هو الوعد الأمريكى، الذى واكب بداية تصدر أمريكا لزعامة الغرب، وصدر بوجه بريطانى عام ١٩١٧، فيما صار معروفا باسم وعد بلفور.

لم يؤسس وعد بلفور فقط لقيام دولة إسرائيل رسميا عام ١٩٤٨، إنما أسس أيضا لدورة من النزاعات والصراعات المتعددة داخل منطقتنا وبين المنطقة والعالم، بالأخص قوى ودول الغرب. طوال مائة عام متصلة حتى الآن لم تعرف منطقتنا سلاما بالمعنى، لا على مستوى ذاتها وداخلها، أو على مستوى علاقاتها الإقليمية والدولية.

تعددت ومازالت الحروب والنزاعات الداخلية بين البلد والبلد، والقطر والقطر، وداخل البلد أو القطر الواحد، وبين الجماعة والدولة داخل الطائفة الواحدة، وبين الطائفة والأخرى، وبين العرق والعرق، والمذهب والمذهب، وبين مجمل المنطقة وقوى الغرب وإسرائيل، ومع دول الجوار وغير دول الجوار، بدرجة طغت فيها على مصائر المنطقة أفكار الظلم والظلام والجور والطغيان والاستبداد والغُلو والتطرف والتوحش، بينما فشل حتى الآن مجمل أفكار الإنسانية والتقدم والتطور فى علاجه، أو التسلل إليها، وكيف يمكنها وأنت لا تفهم أن بلفور لم يكن مجرد إعلان صدر عام ١٩١٧، وأنه ليس سوى حرب عمرها حتى الآن مائة عام وتدخل قرنا جديدا فلا يكفيها أو يطفئ جذوتها قرن.

عن المصري اليوم