5 خيارات أمام لبنان... أحلاها مُرّ!
تاريخ النشر : 2017-11-08 11:07

شيئًا فشيئًا بدأت معالم صُورة الواقع السياسي الذي إستجدّ بفعل إستقالة رئيس الحُكومة سعد الحريري تتضح، بحيث لم يعد ينفع أيّ تهكّم بالشكل الذي رافق هذه الخطوة، ولا أي تسخيف لمضمونها. فالصراع الإيراني-السعودي المُتواصل منذ عُقود في العديد من ميادين الشرق الأوسط والمنطقة العربيّة، والذي بلغ مرحلة مُتقدّمة جدًا في السنوات القليلة الماضية، بدأ يطرق باب لبنان بنقرات أشدّ إيلامًا من أيّ وقت مضى. وفي إنتظار أن تُقرّ مُختلف القوى السياسيّة بهذا التحوّل المهمّ والخطير، ما هي خيارات السُلطة في لبنان للتعامل مع الأزمة الناشئة، وما هي أبرز التوقّعات؟.
بعيدًا عَمّن يرى أنّ الإستقالة لا تُعتبر قائمة إذا ما تمّت بالإكراه، ومن يعتبرها نافذة لأنّ الدُستور لا يتحدّث إطلاقًا عن ضرورة تقديم الإستقالة بنصّ مكتوب أو من داخل لبنان، وبعيدًا أيضًا عَمّن يؤكّد أنّ التسوية السياسيّة الداخليّة سقطت ومن يجزم باستمرار مفاعيلها، وبعيدًا كذلك الأمر عَمّن يتحدّث عن عودة الإنقسام الداخلي وعن إعادة إحياء "متاريس" كل من "8 و14 آذار" ومن يستهزئ بهذا "السيناريو"، الأكيد أنّ لبنان وصل إلى مُنعطف جديد، ليس بفعل إرادة قيادييّه، بل نتيجة الصراع الإقليمي الحاد وإمتداداته المُتشعّبة في لبنان والمنطقة. واستقالة رئيس الحُكومة تدخل تمامًا في هذا السياق، حيث أنّ السعودية بما لها من نُفوذ في لبنان، قرّرت الإنتقال من الوضعيّة الدفاعيّة التراجعيّة إلى الوضعيّة الهُجوميّة في مُقاربتها أكثر من ملفّ شائك يطال أمنها ومصالحها في المملكة وعلى مُستوى الشرق الأوسط ككل. وقرار مُواجهة إيران، وأذرعها في المنطقة وفي طليعتها "حزب الله"، والذي يحظى بدعم أغلبيّة دول الخليج وبغطاء الولايات المتحدة الأميركيّة أيضًا، سيشمل ساحات عدّة، من بينها لبنان. وبناء على ما سبق، فإنّ مسألة الإستقالة لن تُحلّ بتعديل وزاري محدود، أو بجملة مُستحدثة في بيان وزاري، أو حتى في لقاء لبناني جامع لتوقيع "ورقة تفاهم" أو لإبتداع صيغة مُلتبسة لإعلان جديد! والخيارات الفعليّة المُتوفّرة تقتصر على خمسة:
أوّلاً: الإقرار بإستقالة الحُكومة وتركها بوضعيّة تصريف الأعمال لفترة زمنيّة طويلة، في إنتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة، وفي إنتظار التوصّل إلى تسوية إقليميّة مُحدّدة، علمًا أنّ هذا الخيار مرفوض تمامًا من جانب رئيس الجُمهوريّة العماد ميشال عون الذي ينوي منح فرصة زمنيّة للتوافق من جديد، قبل اللجوء إلى إجراءات دُستوريّة حاسمة تهدف إلى إعادة تسيير عجلة الدولة، حتى لوّ من دون وُجود أيّ ضمانات تضمن نجاح هذا الأمر.
ثانيًا: المُوافقة على الإستقالة والشروع في إجراء الإستشارات النيابيّة المُلزمة، لتكليف شخصيّة سُنّية جديدة، علمًا أنّ عددًا كبيرًا من النوّاب سيُعيد تسمية النائب سعد الحريري-أقلّه حتى هذه اللحظة، وتُوجد صُعوبة كبيرة في تأمين أغلبيّة نيابيّة لتكليف أيّ شخصيّة أخرى من خارج عباءة "تيّار المُستقبل" ومن خلفه السعوديّة، مع الإشارة إلى أنّ عدد الشخصيّات السنّية المُستعد لأن يُكلّف بتشكيل "حُكومة تحدّ" للإرادة السُعوديّة يقلّ عن أصابع اليد الواحدة. وحتى في حال النجاح في تشكيل هكذا حُكومة، فإنّها ستكون محلّ مُقاطعة نيابيّة واسعة، من جانب "تيّار المُستقبل" والكثير من حلفائه، ما سيُحوّلها إلى حكومة فاقدة للميثاقيّة تُغذّي الصراع الإقليمي بدلاً من أن تُخفّف من وقعه وإرتداداته على لبنان.
ثالثًا: تشكيل حكومة سياسيّة جديدة، برئاسة الحريري أو من يُسمّيه "تيّار المُستقبل" على أن يكون "حزب الله" خارجها، وهذا الأمر يرفضه "الحزب" بشكل كامل ويعتبره رُضوخًا للضُغوط الخارجيّة لا يُمكن القُبول به بأيّ شكل من الأشكال. وهذا يعني أنّ الخيار المذكور غير قابل للحياة من أساسه.
رابعًا: تشكيل حُكومة تكنوقراط لا تضم أيّ شخصيّة حزبيّة من أيّ طرف كان، بحيث يخرج "حزب الله" وسواه من الحُكومة، على أن تكون مُهمّتها الوحيدة تنظيم الإنتخابات النيابيّة المُقبلة في موعدها، لكنّ هذا الخيار مرفوض أيضًا من قبل "الحزب"، إضافة إلى مجموعة منوّعة من القوى السياسيّة، بحجج مُختلفة تبدأ بالتأثير على المصالح الإنتخابيّة المُباشرة للعديد من القوى والشخصيّات ولا تنتهي عند سُهولة التأثير الخارجي على هكذا نوع من الحُكومات التي تفتقر للثقل السياسي المتين.
خامسًا: الإقرار بإستقالة الحكومة، والسعي لتشكيل حكومة سياسيّة جديدة توافقيّة حتى لوّ طال الأمر لاشهر عدّة من المُفاوضات وليس لأسابيع فقط، لكنّ مخاطر هذا الأمر كثيرة وفي طليعتها دُخول البلاد في حال من الفراغ الخطير على مُستوى السُلطة التنفيذيّة، ومُواجهة وضع صعب من عمليّات "شدّ الحبال" الداخلي ومن الضُغوط الخارجيّة من كل حدب وصوب.
في الخُلاصة، إنّ الأزمة الحالية أعمق بكثير من مُجرّد قبول إستقالة الحريري أو عدم قُبولها، وهي مُرتبطة بتوازنات إقليميّة إختلت بشكل كبير لصالح إيران، الأمر الذي لم يعد بإمكان السعوديّة السُكوت عنه أو عدم السعي لمُحاولة تصحيحه. وللأسف فإنّ لبنان ينتقل تدريجًا بفعل هذا الصراع إلى "عين العاصفة" الإقليميّة، مع الإشارة إلى أنّ الإستقالة هي محطّة ثانويّة من بين مجموعة من التطوّرات الخطيرة التي ستشهدها منطقة الشرق الأوسط في المُستقبل القريب. ولبنان مُرشّح لأن يدخل في مرحلة طويلة من الشلل على مُستوى السلطة التنفيذيّة، ما لم يُبادر أكثر من طرف داخلي إلى تقديم تنازلات مُتبادلة، وإلى مُحاولة التملّص من الضُغوط ومن التموضعات الإقليميّة والدَوليّة المُتقابلة والمُختلفة.
عن النشرة اللبنانية