ما دور اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير؟
تاريخ النشر : 2018-02-12 20:27

يوما بعد يوم يؤكد السلوك السلطوي غير المؤسس على أسس ومبادىء ثابتة وراسخة، عبثيته وبعده عن التعقل، حين ينحاز لما يراه هو أقرب إلى مصالحه وطموحاته الفردية/النرجسية، في ابتعادها عن ما يربط بينها وبين المصالح والقضية أو القضايا العامة، لكن أبرز حالات الفصام التي نشهدها اليوم، هي حالة سلطة استعجلت وتستعجل بناء ديكوراتها السلطوية، ولو على حساب واقع كونها سلطة غير مكتملة ولا بأي معنى من المعاني، إلا كونها تستمد من هيمنتها على المال العام وصرفه وفق أهوائها وأمزجة زعاماتها ما يجعلها قوة متنفذة، لا تريد لأحد أن يحاسبها أو يراقبها، ليوقفها عند حدها جراء ممارسات لا تتوافق والمصالح العليا الوطنية والشعبية أو الأهلية.

 وفي الحديث عن المؤسسات وماهيتها ودورها وأهميتها ومهمتها، هناك تجاهل تام لجوهر ومضمون تلك المؤسسات، فلا يكفي أن نطلق على إطار ما اسم مؤسسة، وهي في الواقع ليست كذلك، وإن كانت مجرد شكل لا يحمل أي مضمون مما تعارف الناس عليه من كونه المحتوى الفعلي لذاك المضمون؛ ولهذا ما عاد الحزب حزبا يمتلك مقومات المؤسسة، ولا الدولة كذلك ما عادت مؤسسة تعاقدية، حين يختصر الزعيم بشخصه "المؤسسة" التي يمثلها أو التي يقوم بتمثيلها في الداخل أو في الخارج، وطالما أن الديمقراطية في بلادنا اسما على غير مسمى، والمؤسسات كذلك؛ فلا أصح من كون الزعامات ليست كذلك أيضا، بل هي نتاج مصانع ومعامل ثقافة الاستبداد وإرثها الذي جرى توارثه عبر الأجيال.

 الفصام الأكثر اكتمالا وبروزا، هو ما كانه وضع السلطة الفلسطينية جراء اتفاق أوسلو، الذي نقلها من طبيعة كونها حركة تحرر وطني، إلى زيف كونها سلطة امتلكت كل مقوماتها الأمنية والقمعية، في معاندة واضحة لكل مقوم سياسي أو اقتصادي لها، جرى تغييبه بالتركيز على دور لها، استبقته هي كما أرادت استباقه كل القوى المعادية لكفاح الشعب الفلسطيني. من دون أي تحفظ من جانب السلطة التي صادقت على كونها سلطة، وأصبحت تتصرف من يومها على هذا الأساس، الأمر الذي غيّر معادلات كثيرة وحرف الكفاح الوطني عن مساره الطبيعي، وأضفى على طبيعة السلطة ماهيات ليست من طبيعتها؛ وأبرز مثال على هذا حين تحولت السلطة إلى صاحبة الولاية على المنظمة (م.ت.ف.) والفصائل وكامل الوضع الوطني في الداخل وفي الشتات، وهذا انقلاب يعادل زلزالا مدمرا، أحدث أضرارا كبرى في مسيرة الكفاح الوطني، بلغت خسائره مستويات عليا، لا سيما في "خسارة القدس" بعد القرار الترامبي الأخير المشهود له بوقاحة الانحياز الكامل للصهيونية، ولأهدافها التهويدية، ولمشروعها "القومي" المزعوم على أرض فلسطين، كل هذا بعد أن جرى التخلي عن معظم أرض فلسطين التاريخية، ليجري التمسك بأقل القليل من الأرض في بعض الضفة الغربية التي اخترقها الاستيطان وحولها إلى قطع متفاصلة، لا يربطها إلا روابط واهية بلدية أو قروية.

في مواجهة قرار ترامب حول القدس والمفاوضات ووجوب التنازلات، لم تجد اجتماعات المنظمة (اللجنة التنفيذية) أو بالأصح من تبقى من أعضائها، سوى التأتأة وإحالة صلاحياتها التنفيذية إلى مؤسسات أخرى، والمماطلة والتسويف إزاء قرار واضح كان قد اتخذه المجلس المركزي يتعلق بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، ورغم ذلك تناور السلطة وتداور من غير أن تجرؤ على تنفيذ مثل هذا القرار الذي أقرته مؤسسة تعتبر هي صاحبة الولاية على السلطة وليس العكس، وذلك حين طلبت التنفيذية في بيان صدر عقب اجتماعها، من الحكومة، البدء فورا بإعداد الخطط والمشاريع لخطوات فك ارتباط مع سلطات الاحتلال الاسرائيلي على المستويات السياسية والادارية والاقتصادية والامنية، وعرضها على اللجنة التنفيذية للمصادقة عليها، بدءاً من تحديد العلاقات الأمنية مع الجانب الإسرائيلي، والتحرر من قيود اتفاق باريس الاقتصادي بما يلبي متطلبات النهوض بالاقتصاد الوطني.

 مثل هذا الانحياز للدور السلطوي، الذي باتت تلعبه السلطة وحكومتها، ينفي عمليا أي دور تحرري أو مستقل لمؤسسات المنظمة التي يتم اللجوء إليها وقت الحاجة، من دون أن تكون قراراتها ملزمة، وهذا في حد ذاته انعكاس لطبيعة السلطة في بلادنا، ولأدوار المؤسسات وإشكاليات تمثيلها وعدم قدرتها على ممارسة ما يناط بها، من مسؤوليات ومهمات؛ إلا بشكل أوامري يصدره مركز استبدادي عبر شخص أو أشخاص يحسبون "سلطة عميقة" تلتف حول سلطة الفرد.

واذا ما استمر هذا واقع حالنا، فليس على القدس السلام، بل على فلسطين كلها الحرب والاستيطان، والمزيد من اقتلاع الفلسطينيين من وطنهم التاريخي. وصولا إلى الاستيلاء على ثروات النفط والغاز في المياه الاقليمية الفلسطينية، كما ومنازعة كيان الاحتلال والعدوان للبنان على ثروته في مياهه الاقليمية في البلوك رقم 9، وهنا يحق لنا السؤال: أين القيادة الفلسطينية المعنية بالحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والراهنة، وما يستجد له من حقوق (كالنفط والغاز مؤخرا)؟ أم أن حدود مسؤولياتها تقف عند المفاوضات والتنازلات والتسويات غير المتكافئة؟.

إن فهمنا للمشروع الوطني الفلسطيني لا يقف عند اللحاق أو الالتحاق بالمشاريع السلطوية أو الزبائنية، أو إقامة شراكات أو وكالات مع من يفترض إنهم أعداء الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية، حيث إن كل ما تحقق على الأرض الفلسطينية منذ العام 1948 ليس سوى باطل الأباطيل، ولا يقره أي شرع أو قانون، ومهمة قوى المشروع الوطني لا ينبغي أن "تتسامح" مع الاحتلال، أو تساوم على معظم أرض فلسطين، لتقبل بأقل القليل من الأرض منزوعة السيادة في إطار "لاحل" هو الأقرب إلى صياغة مستجدة من تشكيلات "روابط القرى" أو صيغة حكم ذاتي محدود الصلاحيات، كما هو حال السلطة اليوم، في حدود أوسلو التي ضاقت، حتى لم يبق منها سوى ما يخدم الاحتلال، وأهدافه شبه النهائية في فكفكة تماسك ووحدة الوضع الوطني الفلسطيني، واستمرار الانقسام وفرض عقوبات على غزة، وكأنها باتت "دولة مؤقتة" خارجة على القانون، ولهذا يتوجب عقابها حتى إخضاعها.

هذا في حين إن بعضنا للأسف، بات يقر بكون كيان الاحتلال الاستيطاني الاستعماري "وجد ليبقى"، فيما بعض آخر يصر على التطبيع مع ذاك الكيان المعادي، بكل المقاييس والنسب لطموحات شعب فلسطين في العودة إلى دياره، وبناء دولته الوطنية المستقلة على أنقاض كيان العدو العدواني، الذي لم يكن ولن يكون سوى النقيض المطلق والنفي المطلق لحق الفلسطينيين في أرض وطنهم التاريخي، على أمل استعادته نفيا مطلقا لحق يهودي مزعوم في فلسطين، جاءها يهود من كل حدب وصوب، جاءوا من بلدانهم الأصلية وبإمكانهم العودة إليها، إذا ما أرادوا العيش في سلام واطمئنان، أما أن يبقوا في بلاد ليست لهم، فهذا ما يتناقض تناقضا مطلقا مع حق شعب الوطن الفلسطيني في العيش على أرض آبائه وأجداده