حروف التصعلك تُجَمِل واقع غزة المُميت
تاريخ النشر : 2018-02-12 22:44

جلست مرغمة على كتابة صباح جميل , وأتغزل بشعاع الشمس الوحيد الذي انعكس على وجهي , في الفضاء الافتراضي, مع انه اصبح يمثل واقع مدينة غزة , منفصلة كلياً عن أي جزء اخر, من خارطة فلسطين.

ففلسطين تضم مدن الضفة أيضاً, وكل سكانها يتوسمون برمزها, مثلنا في غزة, لكن وللأسف لا احد يشعر بنا , أصبحنا نسمى بالجيران.

العقوبات تشهدها غزة وحدها, دون ذنب يقترفه سكانها الذين انضموا جميعاً لزمرة المساكين.

نعم مساكين.

منهم مسكين لا يجد لقمة العيش, واخر لا يجد العلاج, واخرين يستصرخون في الاعتصامات" احنا خريجين بدنا نتوظف" !.

قيدت يداي صورته المنشرة عبر الفيس بوك , يلوح بجواز سفره, حيث كان من المفترض أن يذهب إلى خارج نطاق مرضه , المحصور في جسده, الذي تحكم غزة اغلاقها عليه.

ملامحه في اخر الستين من العمر, وأوجاعه اجتازت المئة والعشرين عاماً.

كم تبقى من عمره هذا المتقدم في سنه , لينتظر فرصة اخرى لتلقي علاجه, وينتظر فتح معبر رفح مرة أخرى؟

تجره أقدام اليأس , إلى منزله تعِباَ , وصوته بُح من الصراخ ,أريد السفر للعلاج.

لن بتناول دوائه ,ليس اضرابا , ولكن لأن حلمه كان اجتياز عتبة المعبر ويتخلص منه , فور البدء في العلاج.

سيرقد في سريره, ويصرخ بلا دموع,رغم حاجته لها, فهي الوحيدة التي ستخفف عنه ألمه.

يُخبئ وجهه خلف كفيه ,من سؤال زوجته لماذا عدت ؟

لن تتعالج؟ لا تقول نعم؟

للأسف أعادوني واليوم أغلقوا المعبر.

ماذا نفعل وإلى من نتوجه؟

انطوت صفحته في لحاف مرضه , وسينتظر إما أن تصير معجزة, ويسافر , ويتعالج, أو سينقله باص سفريات الاخرة كما نقل غيره وسبقوه ,للأسف..

تاه صوتها وسط جموع المحتشدين, المطالبين بحقوقهم في وظيفة, تتوافق مع شهادات الامتياز التي حصلوا عليها, وفرحوا بها ساعات , وأُدرِجت في أدراج مكاتبهم.

أستاذة أفنان ناهض يونس خريجة ماجستير اللغة العربية وآدابها بتقدير امتياز, من سمع صوتها وهي تردد قبل أيام في اعتصام الخريجين :" انظروا لنا يا أصحاب المناصب ,ستحاسبون ولن نغفر".

هي الاخرى صوتها بُح من ترديد عباراتها في حقها بالتوظيف.

هل كان اعتصاماً لحظياً وانتهى؟ هل شاهده ريس سفينتنا؟ هل سمع به مسؤول التوظيف ؟

هل سيجيئ دور افنان في التوظيف , ولا تبقى في سجلات الانتظار تنتظر انتهاء شاغر وظيفي لأحدهم , من الذين يمتلكون الواسطة والمحسوبية التي تقيده كل عام في سجلات التوظيف؟

ما ذنبها وغيرها , تمضي أعمارهم ولا يجدون الوظيفة؟

أفنان أيضا تريد فرصة حتى تُكمل رسالتها التعليمية وتنال الدكتوراه, لكن حتى هذه الفرصة لا تجدها!!

لم تجد متنفساً لها غير الفيس بوك , تبث فيه حروفها عن غيرها من الذين يرتصون على أرصفة الانتظار في فرصة لتحقيق طموحهم.

أصبحت حروف التصعلك منها, تُجمِل أزقة المخيمات في قطاع غزة بأكمله.

فرغم ان قطاع غزة يجيد احكام خناقه على رقبتها, لكنها تعكس أن غزة جميلة وتقنع عقلها الباطني بذلك.

فهل ستحظى بفرصة ذهبية وتجد الوظيفة ,او فرصة لتكملة رسالتها؟

ماذا يا ريس سفينتنا مرة أخرى؟ هل ترتدي طاقية الاخفاء ولا تراها, أؤمر الملتفين حولك بالنزول إلى مستوى الشعب, ويشاهدوا المنتظرين المقيدين في سجلات الأحياء وهم اموات.

وتدوينة سراج المضحكة والذي يعمل في التمريض, وقال فيها: تخرجت وأقضي سنوات في التطوع ,مرة اَخذ المقابل وسنوات لا , وكل ما حققته في حياتي, هذا , مشيراً إلى خاتم الخطوبة, الشر الذي لا بد منه كما كتب.

نعم أصبح خاتم الخطوبة شر للذي لا يملك الراتب؟ للغير مستقر, ولا يزال والده ينفق عليه .

شبابنا يضيع .

الطرق مسدودة , والاَفاق مرتدية ثوب المستحيل, والمقابل ضرائب وغلاءأسعار , والبيوت لا يوجد فيها إلا زاد يكفي وجبة واحدة.

لا نضخم الوضع أيضاً , فرغم ذلك نتغزل بشمس الصباح التي نتصنع الأجواء الملوكية برفقتها هي وفنجان القهوة , وهذا دليل صدق على اننا نتقن فن الصبر.

لكن إلى متى , أصبح للصبر أنياب تُدمينا.

تطلعوا إلى غزة ,الكارثة تعمها , والفقر يخنقها, واليأس يكللها.

غزة تحتاج فسحة من الحياة تليق بسكانها المكلومين يا ريس .

ارفع العقوبات عنها , أو الأصح على ماذا تعاقبها؟

نداء بهت لونه من تكراره , سيندثر في هذا الفضاء ويبدو أنه لن يتحقق إلا بمغادرتنا الحياة فعلياً.

غزة في بحبوحة من الموت !