مطلوب مشروع إنقاذ فلسطيني عاجل
تاريخ النشر : 2018-03-13 18:40

يحتاج الفلسطينيون إلى مشروع إنقاذ وطني شامل يتجاوز المؤسسات والمجالس القائمة حالياً بكل ما فيها من خلافات وتناقضات، لأن التهديد الذي يواجهه الفلسطينيون أكبر بكثير من الخلافات الفسيفسائية التي ينشغل بها البعض، ولذلك فإن اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني المقرر نهاية شهر أبريل لا يمكن أن يكون كافياً أمام حجم التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية اليوم.
في صيف عام ألفين واجه الفلسطينيون الخطر الذي كان محيطاً بمدينة القدس وقضية اللاجئين، بحالة وحدة وطنية والتفاف جماهيري غير مسبوق، شكلت سنداً قوياً للشهيد الراحل ياسر عرفات، الذي رفض الاستجابة لضغوط الـ14 يوماً في «كامب ديفيد»، عندما أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها إيهود باراك والرئيس الأمريكي بيل كلينتون أن يجبراه على القبول ببلدة أبو ديس بدل القدس، والقبول بعودة 10 آلاف لاجئ فلسطيني من أصل ستة ملايين.. يومها قاوم عرفات الضغوط وفضل الموت شهيداً على العيش رئيساً.
الفلسطينيون اليوم بحاجة لوقفة مشابهة أو أكثر صلابة، من أجل تكريس الرفض الفلسطيني لمشروع التصفية الأمريكي، وهو المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي يحظى بدعم القوى الصهيونية العربية، التي كانت غائبة عام 2000، أو أنها كانت تلتزم الحياد في ذلك الحين، وهو ما يعني أن الفلسطينيين يعيشون الآن لحظة حرجة وأكثر حساسية من تلك التي عاشوها خلال «كامب ديفيد» عام ألفين.
تبعاً لذلك فلن يكون كافياً أن ينعقد المجلس الوطني الفلسطيني، أو تنعقد الهيئات التابعة لمنظمة التحرير، أو تلك التابعة للسلطة الفلسطينية؛ وانما يحتاجُ الشعب الفلسطيني إلى مشروع إنقاذ وطني شامل يعيد له الاعتبار، ويؤكد أن أي اجراءات أحادية الجانب، من أجل فرض الحل أو الوصاية لا يمكن أن تنجح، وأن أي حل سياسي بدون القدس لا يمكن أن يُكتب له النجاح لا بالتفاوض ولا بالقوة ولا بسياسة الأمر الواقع.
أما مشروع الإنقاذ الوطني الشامل فيتوجب أن يقوم على الأسس التالية:
أولاً: عقد مؤتمر وطني عام يضم كافة الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، إلى جانب حركة فتح، على أن يرأسه محمود عباس بصفته قائداً لمنظمة التحرير، وينعقد خارج الأراضي الفلسطينية، بما يُتيح الابتعاد عن تأثير الاحتلال بكل تفاصيله من تصاريح دخول ومرور وبطاقات «في آي بي» وغير ذلك.
ثانياً: على السلطة الفلسطينية أن تستجيب فوراً لقرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير، الصادر في شهر يناير الماضي، بسحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، حتى لو اضطرت أجهزة السلطة إلى تعطيل أعمالها تنفيذاً لهذا القرار.
ثالثاً: الاتفاق على موقف فلسطيني موحد بخصوص قضية القدس واللاجئين، ومفاوضات الحل النهائي وصفقة القرن، وإعلان الموقف الموحد على الملأ لتخفيف الضغوط العربية عن الرئيس محمود عباس، ودعم الموقف الرافض لتغيير الوضع القانوني للقدس، والتأكيد على أن عباس – حتى لو خضع للضغوط التي تُمارس عليه- فإنه لا يملك أصلاً التصرف بالحقوق التاريخية الثابتة للشعب الفلسطيني.
رابعاً: يتوجب على دوائر منظمة التحرير وحركة فتح، أن تضع معايير وأسسا واضحة لخلافة الرئيس عباس عند غيابه، لتجنب «العبث العربي» في المشهد الفلسطيني، إذ ثمة قوى إقليمية وعربية باتت اليوم أقرب لإسرائيل والصهاينة من نتنياهو ذاته، وهذه يمكن أن تعبث في المؤسسات الفلسطينية ودوائرها، في حالة حدوث أي فراغ.. وبصورة أكثر وضوحاً فإن بعض الدول العربية تريد لعملائها أن يصلوا إلى دوائر صنع القرار الفلسطيني حتى تتمكن من تمرير ما تريد وتمارس ما ترغب من عبث لا يخدم سوى المصالح الإسرائيلية.
خامساً: لا يمكن لأي مشروع إنقاذ وطني فلسطيني أن ينجح بدون إتمام المصالحة، وهذه المصالحة يجب أن يتم إنجازها بأي ثمن وبأي شكل، حيث أن أي خسارة لأي فصيل أو حركة سياسية سوف لن تساوي شيئاً أمام خسارة الفلسطينيين لمدينة القدس؛ وعليه فلتخسر حركة حماس كل مكاسبها في غزة، ولتخسر حركة فتح كل مكاسبها في الضفة، ما دام ثمن ذلك هو الحفاظ على مدينة القدس والتمسك بالثوابت العليا للشعب الفلسطيني.
خلاصة القول، إن على الفلسطينيين البدء فوراً بمشروع إنقاذ وطني شامل، يبدأ بعقد مؤتمر عام ينتهي بالمصالحة وإعلان الموقف الموحد من القضايا التي تواجه التهديد، كما أنه ينعقد بحضور كافة الفصائل والشخصيات المستقلة ذات الاعتبار في الداخل والخارج، بما يشكل حماية للرئيس وللمنظمة ويشكل في الوقت ذاته حاجزاً للصد أمام أي احتمال للتنازل أو الموافقة على مشاريع التصفية.. وإذا لم يستجب الفلسطينيون فهم في مهب الريح ورهنٌ لأيام سوداء مقبلة.

عن القدس العربي