عقبات وتحديات فى طريق القمة العربية
تاريخ النشر : 2018-03-13 19:06

كان من المفترض أن تستضيف الإمارات أعمال الدورة 29 للقمة العربية، لكنها اعتذرت وتقدمت السعودية لتستضيف القمة بدلا منها، وكان من المقرر أن تعقد القمة خلال شهر مارس الحالى كالمعتاد، لكن بسبب انتخابات الرئاسة فى مصر ــ حسب التصريحات المعلنة لمسئول سعودى ــ تم تأجيل الموعد إلى شهر أبريل المقبل.

والحقيقة أن القمة العربية المرتقبة تواجه عقبات وتحديات عديدة أدت إلى انتشار شائعات كثيرة عن إمكانية تأجيلها، أو اعتذار السعودية ـ بعد الإمارات ـ عن عدم استضافتها. وتكتسب هذه القمة أهمية كبيرة حيث تأتى فى وقت يواجه فيه الأمن القومى العربي تحديات خطيرة تتهدده بشكل غير مسبوق، وتدخلات خارجية كبيرة، ومحاولات لهدم الدولة الوطنية، مع غياب مشروع عربى متفق عليه لمواجهة هذه التحديات.

ويأتي الخلاف العربى ـ القطرى فى مقدمة العقبات التى تواجه القمة العربية، فهذا الخلاف الذى يجعل قطaر فى مواجهة مصر والسعودية والإمارات والبحرين أدى إلى غياب القادة عن القمة الخليجية التى عقدت فى الكويت مؤخرا، وعكست إصرار الدول العربية الكبرى على عدم السماح لقطر بالاستمرار فى تهديد الأمن القومى العربى لطموحات شخصية. والتمسك بالمطالب التى سبق أن قدمتها، وتشمل إعلان قطر خفض التمثيل الدبلوماسى مع إيران وإغلاق ملحقياتها ومغادرة العناصر التابعة والمرتبطة بالحرس الثورى الإيرانى الأراضى القطرية .

وكذلك قيام قطر بالإغلاق الفورى للقاعدة العسكرية التركية لديها، ووقف أى تعاون عسكرى مع تركيا داخل الأراضى القطرية، وقطع علاقاتها مع جميع التنظيمات الإرهابية والطائفية والإيديولوجية ، ووقف التدخل في شئون الدول الداخلية ومصالحها الخارجية.

وتفتح هذه المطالب ملف المشروع الإيرانى للهيمنة علي المنطقة العربية، والذى يمثل الآن تهديدا فعليا للأمن القومى العربى، فقد استغلت إيران الأوضاع التى مرت بها الدول العربية وحالة عدم الاستقرار خلال السنوات الأخيرة، ونجحت فى تحقيق وجود قوي علي عدة مستويات وصل إلى حد التحكم فى صناعة القرار السياسى فى عدة عواصم عربية منها لبنان وسوريا والعراق وإشعال الحرب فى اليمن ومحاولة زعزعة استقرار البحرين، علاوة على الاستمرار فى احتلال جزر الإمارات الثلاث.

ويعمل المشروع الإيرانى من خلال استغلال الوجود الشيعى فى بعض الدول العربية كرأس حربة له.

ويتقاطع معه أيضا المشروع التركى للتدخل فى المنطقة العربية، فمع اندلاع ثورات الربيع العربى حاولت تركيا استغلالها فى توسيع نفوذها السياسى والاقتصادى داخل الدول العربية عبر تقديم الدعم الكامل لجماعات الإسلام السياسى وعلى رأسها الإخوان لمساعدتها على الوصول للحكم، لتكون أذرع لتركيا.

وعندما سقطت جماعة الإخوان الإرهابية على يد ثورة 30 يونيو فى مصر، انحسر نفوذ جماعات الإسلام السياسى فى المنطقة كلها، وانهارت أحلام تركيا التوسعية، ولجأت انقرة إلى احتضان فلول الإخوان وتقديم الدعم المادى والسياسى والإعلامى لهم وإفساح المجال لاستمرارهم فى ارتكاب جرائمهم الإرهابية، إلى جانب التدخل التركى العسكرى المباشر فى سوريا، والتحالف مع قطر لتهديد الأمن القومى العربى.

وكل تلك التحديات مجتمعة تسهم وتدعم أخطر تحد للأمن القومي العربى وهو محاولة هدم الدولة الوطنية مع انتشار الإرهاب، وهو ما تحدث عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى صراحة فى كلمته أمام القمة العربية الماضية فى الأردن، عندما أوضح أنه على مدى السنوات الماضية، تركزت التحديات الجديدة التى عصفت بوطننا العربى فى انتشار الإرهاب وتزايد خطورته، وفى إضعاف كيان الدولة الوطنية، بل فى تحدى فكرتها الأساسية كوطن جامع لأبنائه، وبوتقة تصهر الثقافات والطوائف والمذاهب المتعددة فى ولاء واحد لوطن واحد، فرأينا ضياع الاستقرار عندما ضعفت المؤسسات الوطنية.

وقد أدي ذلك إلى تأرجح الاهتمام بالقضية الفلسطينية بين العرب، فقد ظلت هذه القضية على مدى عقود طويلة هى قضية العرب المركزية، لكن مع التدخلات الخارجية فى الشئون العربية وخروج قطر عن الإجماع العربى، سعت تركيا وقطر للتدخل بشكل فج فى الشأن الفلسطينى وتحريض أطراف فلسطينية ضد أخرى، ونشر الانقسام فى البيت الفلسطينى الداخلى ومحاولة عرقلة جهود المصالحة ولم الشمل الفلسطينى التى تقوم بها مصر، مما شجع أطرافا دولية على القيام بخطوات تصعيدية لصالح اسرائيل لم تكن تستطيع القيام بها من قبل، مثل قرار الرئيس الأمريكي ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الامريكية إليها.

ولم تعد تلوح فى الأفق أي بادرة للتوصل لتسوية سياسية عادلة للقضية الفلسطينية الآن رغم تعدد المبادرات العربية والفرنسية وغيرها، فقد غرق العرب فى هموم أخرى كثيرة شغلتهم عن القضية الفلسطينية.

ويظل انتشار المجموعات الإرهابية هو الخطر الداهم الذى يحتاج من القمة العربية إلى موقف جماعى حاسم، واستراتيجية عربية لمكافحة التطرف والإرهاب، مع محاسبة عسيرة لأى دولة عربية تقدم الدعم المادى أو السياسى أو العسكرى أو الإعلامى أو تحتضن بأى شكل من الأشكال المجموعات الإرهابية عناصر وقيادة.

لكن يبقى السؤال الأساسى .. هل النظام العربى قادر بوضعه الحالى على مواجهة كل تلك التحديات؟!

< كلمات:

ليحب أحدكما الآَخر، ولكن لا تجعلا من الحب قيداً، بل اجعلاه بحراً متدفقاً بين شواطئ أرواحكما. 

جبران خليل جبران