سر الترحيب بـ«مأساة سوريا»!
تاريخ النشر : 2018-04-15 14:15

الكل يريد لمأساة سوريا أن تستمر، يستوى فى ذلك الأطراف المنخرطة فى الصراع مع الأطراف المتفرجة عليه. الكل يريد تعميق الأزمة بهدف واحد، أن تستمر المأساة لأطول فترة ممكنة. الولايات المتحدة الأمريكية والغرب يرغبان فى استمرار الأزمة، ويجتهدان فى ذلك بدعوى حماية الشعب السورى من «كيماوى بشار»، فى حين أنها صمتت بالأمس وهى تشاهده يقصف شعبه بالبراميل المتفجرة، وكأن هناك فارقاً بين الموت حرقاً والموت خنقاً. روسيا تحاول احتواء التهديدات الغربية بهجوم متوقع على سوريا، رغبة منها فى الاحتفاظ بما بنته من قواعد وما حققته من وجود عسكرى محسوس على الأراضى السورية، وهى تزعم أن وجودها فى هذا القطر يرتبط بالحرب على الإرهاب، وأنها تريد محاصرة «داعش» و«جيش الإسلام» وغيرهما من التنظيمات التى تعمل فى سوريا. الغرب يريد للأزمة أن تستمر فى سياق ملاعبته لروسيا، وروسيا تريد أن تظل الأزمة قائمة حتى تحقق المزيد من المكاسب على الأرض، أما إسرائيل فالمشهد فى المجمل يعجبها لأنه يضمن لها خروجاً مبيناً لسوريا من معادلة الصراع العربى - الإسرائيلى، ذلك الصراع الذى أصبح مجرد ذكرى تاريخية، بفضل مال العرب وحرص حكامهم على الاحتفاظ بكراسيهم حتى ولو كان الثمن تدمير شعب ودولة، إرضاءً للرغبات الأمريكية - الإسرائيلية.

الأطراف المتفرجة تتمنى هى الأخرى استمراراً للأزمة السورية. فما يعانيه الشعب السورى من ويلات اللجوء والتشرد فى بلاد الله، أو الموت على يد «بشار» أو الروس أو الأمريكان أو الإسرائيليين، يعد ورقة رابحة فى يد المتفرجين داخل دول الربيع العربى على وجه الخصوص. فمأساة سوريا بدأت بمظاهرات تطالب بالحرية، وتندد بتحول سوريا إلى تكية لـ«آل الأسد»، تلك المظاهرات التى قمعها «بشار» بالحديد والنار، الأمر الذى أدى بالمعارضة السورية للوقوع فى خطأ تاريخى، حين بررت لنفسها حمل السلاح فى مواجهة القمع البشارى، فكانت النتيجة أن تحولت سوريا إلى مرتع للأجانب الذين تقف أطراف منهم وراء النظام، وتقف أخرى وراء المعارضة. المتفرجون لا يفتأون عن تكرار عبارة «احمدوا ربنا ع اللى انتو فيه.. شايفين سوريا بيحصل فيها إيه؟!» عندما يجد أى جديد على ساحة الأزمة. الأصل فى المسألة هو التخويف من الثورات أو الانتفاضات التى يمكن أن تأخذ أى دولة إلى مصير مشابه. التحذير فى محله، لكن التخويف من أجل دفع الشعوب إلى تحمل الهم والغم والكرب العظيم الذى تعيش فيه أمر غير موضوعى.

حماية أى دولة من الوصول إلى «الحالة السورية» يقتضى تحذير الشعوب من الاندفاع، هذا أمر لا خلاف عليه، لكنه يقتضى من ناحية أخرى السعى إلى إصلاح أنظمة الحكم، حتى لا تصل الشعوب إلى مرحلة تجد فيها أن طول الأشياء مثل عرضها. تحذير الشعوب مطلوب وإصلاح نظم الحكم واجب. علينا ألا ننسى أن أداء نظام حكم «بشار»، القائم على الفساد والاستبداد والقمع ومصادرة الحريات، مثل المقدمة الأساسية للأزمة التى تعيشها سوريا حالياً. ليت أصحاب نظرية «النموذج السورى» يتوقفون عن أسطوانتهم المشروخة ويصرفون جهدهم إلى الإصلاح والدعوة للإصلاح، بدلاً من حالة البهجة والنشوة التى يشعرون بها كلما فاض الدم فى ذلك القطر العربى المنكوب.

عن اللوطن المصرية