25 عاما على اتفاق أوسلو..حدث لم يقدر له التطور الطبيعي
تاريخ النشر : 2018-09-14 02:04

كم بدا لي باهتا ذلك اليوم ، الاثنين ، الثالث عشر من سبتمبر عام 1993، حيث تم التوقيع من قبل منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل على وثيقة مبادئ ، عرفت باتفاق أوسلو، في ساحة البيت الأبيض ، وفي مشهد يوحي كل ما فيه ، إلى المجهول .

ولعل ما عزز شعوري بذلك ، إنني لم أتمكن من تحديد ملامح صوره عامه عن الموضوع مبكرا، عندما شرعت وسائل الاعلام بتقاذف الحديث عنه ، قبل عدة ايام من الموعد المحدد للتوقيع عليه ، فقد كنت منشغلا في مناسبة عزاء، ولم استمع الا لما يتناقله الآخرون بين الحين والاخر بصورة بدت غير مترابطة .

فقط ، وقبل ثلاثة ايام من موعد التوقيع ، وفي يوم الجمعة العاشر من سبتمبر ، استمعت لما عكفت عليه وسائل الإعلام من بث تحليلات وتسريبات عن الاتفاق المزمع ، حينها ربطت بين ذلك وبين ما كنت سمعته من مسؤول اعلامي فلسطيني في القاهره ، في حديث عام معه ، قبل عدة أسابيع من ذلك، عندما قل لي متسائلا : "مش عاجبكوا حكم ذاتي ؟ " . هنا بدت لي الصورة اكثر وضوحا .

عندئذ ، قفز الى ذهني تساؤل كبير : كيف لمنظمة التحرير الفلسطينية ، بكل ما تمثله من امال وطموحات ، وبما حققته من انجازات ، وبما قدمته من تضحيات ، وبكل ما بنته من مؤسسات، وبكل ما تملكه من قوة ناعمه ، كيف لها ان ترهن نفسها باتفاق مباديء ، وجها لوجه مع عدوها الوجودي ، بدون ضمانات دوليه وإقليميه ،قد يتحقق او لا يتحقق، قد يتطور في حال المضي قدما في تنفيده ، الى تحقيق بعضا من الأهداف ، مع ترك الباب مفتوحا للأجيال القادمة ، وقد لا يتعدى قدوم او عودة المنظمة وقيادتها الى ارض الوطن ، في وضع هو اقرب الى احتوائها السياسي ؟ !

لا أنكر آنذاك ، انني فضلت عدم الاستمرار في التفكير في هذا الخصوص ، وخالدتني رغبه جارفه في الهروب الى النوم ، انتظارا لقادم الايام ، حتى تكتمل الصورة عند رؤية مشهد التوقيع ، الذى كان يحمل العديد من المعاني ، والذي يسيطر على معظمها عدم الوضوح ، والتحليق في فضاء المجهول .

ولعل الشيء الذي أصبح واقعا بعد ذلك ، ان اتفاق أوسلو ، وكأي حدث تاريخي ، أصبح بعد التوقيع عليه ملكا للتاريخ ، الامر الذي يترك تحديد كل من وجهته ومستقبله ومضمونه ، للأطراف ذات العلاقه المباشرة به : منظمة التحرير وإسرائيل .

ورغم ظهور عراقيل منذ البداية ، الا انه لم يمض عام ، حتى أنشأت منظمة التحرير الفلسطينية ، اول سلطه وطنيه على ارض فلسطينيه ، ابتداء بغزه - اريحا اولا ، لفتره انتقاليه مدتها خمس سنوات يتم الاتفاق خلالها على القضايا الحياتية واليومية المشتركة ، وبعدها تبدأ المفاوضات للاتفاق على قضايا الحل النهائي الشائكة ( القدس – اللاجئين – المستوطنات – الحدود. غير انه لصعوبة تنفيذ الاتفاق ، بدأت مرحلة التفاوض على قضايا الحل النهائي ، قبل الانتهاء من حسم قصابا المرحلة الانتقالية .

وفي هذا السياق ، ذكر الكثير عن نوايا كل من الرئيس عرفات ، ورئيس الوزراء رابين ، الجاده في التوصل الى اتفاق حقيقي للسلام بين الطرفين الفسطيني والاسرائيلي على اساس اتفاق المباديء( اتفاق اوسلو ) ، الا ان عوامل ثلاث على الاقل ، حالت كما بدا دون ذلك :

1- فمن جانب ، بدا الطرف الفلسطيني في معظمه ، غير مؤمن بالاتفاق ، وبدا الذين جاء بهم الاتفاق على رأس السلطة ( الوزراء وأعضاء التشريعي ) ، ليس فقط ، غير قادرين على الدفاع عنه امام معارضيه ، بل وأيضا ، من ابرز منتقديه ، علنا على الاقل .

2- ومن ناحية اخرى ، فأن حماس التي رفضت المشاركة السياسية من حيث المبدأ ، في السلطة التي أقيمت على أساس الاتفاق ، وقفت من الاتفاق ليس فقط موقف المعارض ، بل وايضا المعرقل لاي امكانيه للتقدم على طريق تنفيذه ، حيث نشطت وبرعت في تنفيذ عمليات التفجير والتفخيخ، في العمق الإسرائيلي ، كلما بدت بارقة امل على طريق تنفيذ الاتفاق .

3- ومن جانب ثالث ، ظهر اليمين الاسرائيلي المتشدد ، كأكبر معرقل لتنفيذ الاتفاق ، حيث عمل منذ البدايه على تعطيله،وتمادى في ذلك الى الحد الذي دفع فيه الى اغتيال رابين .

بعد اغتيال رابين تضائلت الاحتمالات بحدوث أي اختراق ، تجاه الاتفاق على أي شييء من بنود الاتفاق ، وبدا ان الاتفاق وصل الى نهايته ، بإقامة السلطه الوطنيه الفلسطينية ، تحت القيود الاسرائيليه ، ولم يبق الامر عند هذا الحد ، بل ان تفاعلات الصراع وبناء السلطه ، بدا انها اثرث على الطرف الفلسطيني ، فكان الانقسام السياسي الذي تماهى مع الحدود الجغرافية لكل من قطاع غزه والضفه الغربيه .

وهكذا ، لم يقدر لاتفاق اوسلو ان يحقق أي نتيجة تجاه تحديد واقع ومستقبل الصراع على الأرض الفلسطينية يمكن البناء عليه ، سوى أقامة السلطة الوطنية الفلسطينية ، تحت القيود الاسرائيليه ، كاحد نماذج الحكم الذاتي ، والتي لم تبق حتى سلطه واحد