نحو ثورة فى الجامعة العربية
تاريخ النشر : 2018-11-06 12:37

بالتزامن مع نشأة الأمم المتحدة، 1945، تأسست الجامعة العربية. بل جامعتنا أسبق؛ إذ تأسست فى 22 مارس 1945، بينما تأسست الأمم المتحدة فى 24 أكتوبر 1945.

وإذا كانت الأمم المتحدة قد نشأت أساساً لمنع حرب عالمية ثالثة، ودعم وتعزيز السلم والأمن والتعاون الدولى بعد الأهوال التى عانت منها البشرية جراء الحربين العالميتين الأولى والثانية، فإن الجامعة العربية تمثلت أهدافها فى التنسيق والتعاون بين الدول العربية «فى كافة المجالات» وهى التى لم تشهد حروباً فيما بينها؛ ومن ثم فإن نجاح جامعة الدول العربية فى أهدافها كان أقرب إلى المنطق وأيسر من الأمم المتحدة.

وتسألنى: وهل الأمم المتحدة منظمة ناجحة؟

أُجيبك بأنها تؤدى أدوارها على قدر ما يتيحه النظام العالمى من بيئة سياسية، مع الأخذ فى الاعتبار شدة تعقد وتشابك الملفات الدولية.

فماذا عن جامعتنا العربية؟!. ربما تكون النقاط الموجزة أقدر على بيان الصورة؛ فأقول:

■ لماذا سُميت المنظمة الأم: «الأمم» المتحدة، وسُميت منظمتنا العربية: جامعة «الدول» العربية؟ رغم أن المنظمتين حكوميتان، أى أن العضوية فيهما للحكومات. وتعبير «الأمم» أوثق صلة بالشعوب أكثر منه بالحكومات الرسمية. أما تعبير «الدول» فهو أكثر ارتباطاً بالنظم الحاكمة وما تتمتع به من سلطة. وعليه أطرح تساؤلاً: هل الأمر على هذا النحو يعبر عن رغبة «الأمم المتحدة» فى استهداف رفاهية الشعوب وتنميتها؟ ومن هنا كان تشعب أذرعها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، إلى جانب السياسية بالطبع.

وهل من هذه الزاوية يمكن اعتبار «جامعة الدول العربية» معنية بالأساس بالمحافظة على الأنظمة الحاكمة، خاصة أن المجتمعات العربية عانت طويلاً فى سبيل نيل استقلالها؟

لاحظ أن ميثاق جامعة الدول العربية ينص على أن لكل دولة عضو صوتًا واحدًا فى مجلس الجامعة، ولكن القرارات تُلزم الدول التى صوتت لهذه القرارات فقط!. ومن هنا يتم تفريغ أى قرار من مضمونه لو صدر فى مواجهة دولة عربية أخرى لم تصوت لصالحه، أى أننا نبحث عن حالة «الإجماع»، وهى أمر لا يتفق وطبيعة العملية الديمقراطية، ويجعل الجامعة عاجزة عن الوقوف بصرامة فى وجه أى نظام عربى. راجع أزمة قطر مع بقية دول مجلس التعاون العربى ومصر. هل تجد للجامعة العربية أثراً!

■ أقول هذا، رغم أن من بين أهداف جامعة الدول العربية: «التوسط فى حل النزاعات التى تنشأ بين دولها، أو النزاعات بين دولها وأطراف ثالثة». فهل رأيت أو سمعت عن أى دور لجامعة الدول العربية يطبق هذا الهدف السامى!.

خذ عندك: النزاع الإماراتى/ الإيرانى حول استيلاء إيران على ثلاث جزر إماراتية منذ الثلاثين من نوفمبر عام 1971، وهى «طنب الكبرى» و«طنب الصغرى»، اللتان تتبعان إمارة رأس الخيمة. و«أبوموسى» التى تتبع إمارة الشارقة. ويقينى أنك لا تعرف دورًا لجامعة الدول العربية فى أزمات السودان المتلاحقة حتى الانفصال! وما بعده، ولا يد لجامعتنا العربية كذلك فى العراق، ولا فى اليمن، ولا بين المغرب والبوليساريو، ولا سوريا، ولا حتى لبنان التى مزقتها الطائفية منذ سبعينيات القرن الماضى، والحديث يطول ليمتد إلى كافة القضايا العربية، ناهيك من الصراع العربى/ الإسرائيلى الذى لا تُمثل جامعة الدول العربية فى أى فعاليات تخصه!

■ ولست أُقارن جامعتنا العربية بالاتحاد الأفريقى، ففى الأمر إهانة للتعاون العربى المنشود!. بل أُشير إلى نموذج آخر لا يمكننا التطلع إليه، فنحن أبعد ما نكون عنه. أقصد الاتحاد الأوروبى الذى تدرج من اتفاقيات تعاون محدودة، إلى أن تأسس وفق اتفاقية ماسترخت عام 1992. وبات يضم دولاً دارت بينها معارك طاحنة فى إطار الحربين العالميتين الأولى والثانية، فضلاً عن الاختلافات الشديدة بين أعضائه من حيث اللغة والعرق، ومع ذلك نجح فى لم شمل الدول الأعضاء حتى بلغوا الآن 28 دولة، تحت راية التعاون الاقتصادى والأمنى والسياسى، وقطع فى ذلك أشواطاً بعيدة وصلت إلى حد العملة الواحدة، اليورو. أقول هذا ولا أنفى عن الاتحاد الأوروبى مشكلات تهدد تماسكه، خاصة مع انسحاب بريطانيا، وكذلك لا أنفى عنه أنه يستحق بالفعل وصف «عملاق اقتصادى وقزم سياسى»!. لكنه نجح فى تقديم قصة نجاح يمكن أن يُحتذى بها لو توافرت الإرادة السياسية لدى القادة العرب.

■ بصراحة، الأمر لا يتعلق بالسيد أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية؛ فقد سبقه غيره وما كان الحال أفضل كثيراً. لكن الأمر بات لا يمكن السكوت عنه، والحاجة إلى مواجهة مع النفس باتت مُلحة، ومراجعات قاسية وصريحة لم تعد تُطيق الانتظار. الأمر رهن بالإرادة السياسية للقادة العرب. وكفانا مسميات لا طائل يُذكر من ورائها. فليست دورية انعقاد القمة العربية سنوياً بكافية، ولا القمة الاقتصادية الدورية أدت إلى الارتقاء الحقيقى بالتعاون الاقتصادى بين الدول العربية.

عالم لا يعرف الصغار نحيا فى سياقه، لم يعد يسمح لنا بالوقوف فى الصفوف الخلفية للمجتمعات الراغبة بجدية فى الأخذ بأسباب التقدم. وعليه فثورة على أوضاع جامعتنا العربية نحتاجها لا مجرد إصلاحات صغيرة وهامشية لا تنتج أثراً حقيقياً. وفى انتظار ذلك، تظل قضايانا العربية حبيسة طاولات وأدراج لا تخصنا نحن العرب..!

عن المصري اليوم