القانون فوق السياسة دائما
تاريخ النشر : 2018-12-23 13:37

خلال ثلاثة عقود مضت، ازداد التوظيف السياسي للقانون. وظهرت أجيال من السياسيين لدينا أبدعوا في وضع القانون على الرف تحت ذرائع وحجج تتلخص في رؤيتهم للصالح العام، وفي سياق من خطاب الولاءات والانشاء السياسي الذي لم يخدم الأردن وقيادته وشعبه تم لي عنق القانون مرات ومرات. لدى الكثيرين منا أمثلة عديدة، وثمة ملفات كثيرة تقول إنه لو كانت مسطرة القانون تعمل لما وصلنا إلى هذا وذاك.
هناك جردة حساب طويلة تثبت حجم الخسائر التي لحقت بالصالح العام نتيجة سلوك السلطات في الاسترضاء وشراء الولاءات السياسية على حساب القانون وحقوق المجتمع.
هناك ارادة سياسية عكستها الاوراق النقاشية الملكية خلال السنوات الماضية تعكس ادراكا ملكيا متقدما لمكانة القانون في الدولة الأردنية المعاصرة وتوجت هذه الإرادة في الإشارات الواردة في كتاب تكليف الحكومة الحالية الذي جعل دولة القانون أساس بناء النهضة ما يكلف الحكومة مسؤولية ترسيخ نهج جديد في علاقة السياسيين بالقانون وضرورة إرساء تقاليد جديدة توضح العلاقة بين الطبقة السياسية والإدارة التنفيذية للدولة .
إن إصلاح العلاقة بين السياسة والقانون في بلادنا لا يمكن أن تستقيم إلا بإصلاح فهمنا لثلاثة مفاهيم مركزية، هي: الانتماء، والصالح العام، والولاء؛ كيف يمكن أن نخلق فهما وطنيا يثبت بالغرس الثقافي، بأن الانتماء محصلة لكل عوامل الثقافة والتاريخ والأرض والإنجاز والمصالح، وهو قيمة لا تقبل المساومة ولا التغيير ولا المناورة، وأن يتم الفصل بين فهمنا للولاء السياسي والانتماء الوطني، في حين أن القانون هو أكبر ضمانة للصالح العام بل أن أبسط فهم للصالح العام يتمثل في نفاذ القانون على جميع وعمل القانون لصالح الجميع .
فما دام كل من القوى السياسية والاجتماعية والأحزاب ومؤسسات المجتمع ترى الصالح العام بطريقتها، أو ترى الوصول إليه بشكل أو بآخر، فإن على الجميع أن يجعلوا من حضور القانون وإنفاذه هو الأساس المتين لتعريف الصالح العام والعمل من أجله.
من أبسط مفاهيم الكرامة توفير ظروف عيش ملائمة للبشر ما يجعل الظروف التي تلجأ فيها الدولة إلى إحداث تغيير في معادلات العيش السائدة سواء في رفع الأسعار أو الضرائب أو عجز النظام الاقتصادي عن توفير العمل الكريم ظروف تمس في المعادلة التقليدية للكرامة؛ الأمر الذي يفترض أن تطور النخب الرسمية والمؤسسات مجسات ونظاما عصبيا يجنبها كل اشكال الاستفزاز لا أن تذهب اليها .
في مجتمعنا يمكن أن يتحمل الناس ضنك العيش وأن تولد المجتمعات المحلية آليات خاصة في التكيف الايجابي اذ ما شعرت هذه المجتمعات بأن المسطرة تمشي على الجميع أي أن القانون ينال الجميع وينصف الجميع ؛ وحينما يخرج الناس إلى الشارع عليناأن نستدرك أن تلك المسطرة لا تعمل جيدا.
التدخل السياسي، عبر آليات متعددة، في إعادة تكييف القانون، أضعف مكانة القانون في المجتمع، وأضعف ثقة الناس بفكرة دولة القانون والمؤسسات. وبالتالي، أضعف هذا التراكم أداء مؤسسات تطبيق القانون ومرفق القضاء. إذ هناك ثلاثة معايير دولية معروفة لكفاءة هذا المرفق، جميعها -للأسف- سجلنا تراجعا كبيرا فيها: الأول، عدد القضايا في المحاكم مقابل عدد السكان. والثاني، سرعة أو تباطؤ التقاضي؛ أي المعدل العام للوقت الذي تبقى فيه القضية منظورة أمام القضاء. والثالث: قدرة الدولة على إنفاذ الأحكام. ومن المعروف أنه حينما يرهق هذا المرفق، يلجأ الأفراد والجماعات إلى أدواتهم الأولية لتحقيق مصالحهم، ومن بينها العنف وكسر تفرد الدولة باحتكار القوة وإنتاج الولاءات الفرعية. وعلينا تعلم الدرس الكبير بأن الأخلاق هي نتاج القانون. فالجبر القانوني أكبر قوة تعمل على تعديل السلوك الذي يتحول إلى تقاليد وأخلاق حينما ينسى الناس القانون.
أكثر ما نحتاجه اليوم هو تخليص القانون من سطوة السياسة وهيمنة السياسيين، وقلب المعادلة السائدة بأن تكون السياسة تتبع القانون، وليس العكس؛ أي إعادة توقيف الدولة على رجليها، كي تقوى أن تمشي بثقة وبخطى ثابتة .

عن الغد الأردنية