ماذا تريد امريكا من منطقتنا
تاريخ النشر : 2019-01-10 21:00

صحيح ان الأزمات حادة فيما بين المؤسسات الأمريكية التنفيذية والتشريعية والاستقالات المتتالية داخل البيت الأبيض تكشف الى أي مدى يعيش النظام السياسي أزمة حقيقية تصل الى حد احتمال إعلان حالة الطوارئ من قبل الرئيس الأمريكي الذي يواجه انتقادات حادة من قبل فاعلين سياسيين رئيسيين في الولايات المتحدة.
وصحيح ان خسارات فادحة منيت بها الجيوش الأمريكية والخزانة الأمريكية جراء حروب فاشلة في أفغانستان والعراق وتدخلات في أماكن عديدة انتهت الى مزيد من الإرهاق للمجتمع الأمريكي والاقتصاد الأمريكي.
وصحيح انها تواجه أزمة حقيقية في التعامل مع الصين وروسيا في ملفات معقدة اقتصادية وأمنية تهدد النفوذ الأمريكي وتزحزحه من مواقع إستراتيجية عديدة.
لكن يبدو أنها مع كل هذه الأزمات الداخلية والخارجية لا تجد مكانا تستعرض فيها قوتها إلا منطقتنا العربية بعد أن أصبح خطابها واضحا تماما ان ثرواتنا هي ما يجب ان يعوض الخزانة الأمريكية وينقذ الاقتصاد الأمريكي.. وهذا لابد ان يدفع الى افتعال حروب بينية في المنطقة ووجدت أمريكا ضالتها في إشعال الحروب الداخلية في كل بلد وبعد ان أرهقت المنطقة واستنزفتها هاهي تريد توجيهها في حلف تحت إشراف وإدارة أمريكية وقد حددت له العدو المباشر والوحيد إنه إيران وما يتفرع عنها من تحالفات تحت عنوان محاربة الإرهاب.
وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ألقى خطابا من منصة الجامعة الأمريكية بالقاهرة متخم بالاستعلاء والأستذة والاحتقار للمنطقة كلها بعد ان راي في استقبالها لأعدائها وغاصبي حقوقها تصرفا حضاريا، ولم يقترب من قريب او بعيد من المشكلات الحقيقية التي نجمت ولازالت عن عدوان الكيان الصهيوني.
بكل فخر واعتزاز تابع فتح الدول العربية أبوابها لإسرائيل وكيف يعزف النشيد الإسرائيلي في الإمارات العربية وكيف تزور الوفود الإسرائيلية الدول العربية في حالة من تطور الية التطبيع وتسريع وتيرته..و يتكلم عن تحالفات عربية موجهة تحتاج ترتيبات ومناورات وتسليح وتدريب.. وتكلم عن قواعد عسكرية أمريكية منتشرة في الرقعة العربية والإسلامية مفتخرا بدوره التاريخي في تدمير العراق وسورية..
الملاحظ في خطاب وزير الخارجية الأمريكي المكتوب ان هناك تحشيد كبير جدا ضد إيران ويتهمها بكل الصفات البذيئة التي لا تليق في الكلام السياسي و يهاجم الحكام العرب الذين لم يعترفوا بإسرائيل ولم يقروا عدوانها.. ويعمل كل جهده على تكريس عدو اخر للمنطقة ولكنه حتى من باب رد العتب لا يتكلم شيئا عن مظلومية 14 مليون فلسطيني منذ ستين سنة مشردين ولازالوا يتعرضون لصواريخ إسرائيل وقنابلها العنقودية وفسفورها الأبيض.. لم يتكلم ولو قليلا عن مأساة 2 مليون فلسطيني بغزة او مأساة مليون ونصف المليون فلسطيني في الضفة تنتزع منهم أراضيهم وتهدم بيوتهم ولم ينتبه الى مليوني فلسطيني تحت السلطة المباشرة للكيان الصهيوني في غيتو كبير تمارس عليهم أشكال العنصرية ولم ينتبه الى سبعة ملايين فلسطيني مشتتين بلا مأوى ولا وطن في مخيمات او أسوا من المخيمات..
بعد هذا اي رسالة جاء بها الوزير الأمريكي؟
اي احترام يبقى للسياسة الأمريكية في بلداننا؟
انه يكون غبيا ويكون مشغلوه في البيت الأبيض أغبياء ان هم توقعوا ان أحدا في المنطقة يحترمهم ويصدقهم او تمر عليه أكاذيبهم.
وعلى السيد بومبيو الذي يفاخر انه رجل عسكري ان يدرك ان أولى مبادئ الإستراتيجية ان تضع خططك على أرضية صلبة من المعطيات.. ولعل اول معطيات واقعنا العربي انا نكره السياسة الأمريكية وأننا لا نثق بها و أننا ندينها ولا نريد تدخلهم في بلداننا فلقد بلغنا الرشد قبلهم بمئات السنين.
انه من العبث توقع ان يعيد الأمريكان قراءة الواقع بمعطياته الحقيقية وهم يحاولون بالقوة تغيير الوقائع لكنهم يغفلون ان هذه الأمة ليست هنودا حمر مع الاعتذار للهنود الحمر.. هذه امة عريقة له تاريخ ورسالة حضارية وهي ثقل كبير في العالم وهي تتوسط الكون من عدة اتجاهات وهي تمتلك ما يكفي تماما لنهوضها.. امة تريد فعلا علاقات طبيعية مع العالم على قدم المساواة واحترام السيادة الوطنية والقومية.. ولقد قدمت هذه الأمة ولازالت نماذجا عظيمة للتأكيد على هذه المعاني فمن ثورة الجزائر المنتصرة التي هزمت الحلف الأطلسي وطردت الاستعمار الفرنسي الى المقاومة الفلسطينية الباسلة التي ترهق الكيان الصهيوني وتهز أركانه ولا تترك له فرصة استقرار الى مقاومة الشعب العراقي العظيمة التي طردت الجيوش الأمريكية من العراق الة أفغانستان حيث واجه الأمريكان حربا جنونية..
العقل السياسي الأمريكي لا يقوم على أرضية الوعي بالوقائع والمعطيات بل على أرضية المصالح وتهيئة الظروف لتحقيقها..و هو عقل يتحرك بلا قيم أخلاقية او انسانية لذلك فهو يعتمد التلفيق والكذب والعدوان والعنف بأبشع الوسائل.. من هنا صعب ان نتوقع توقف العدوان الأمريكي على المنطقة من تلقاء نفسه..انه يواجه نزفا من معاركه ضد الأمة ويواجه ضغوطا عميقة من تركيبته الطبقية الخطيرة ومن تنامي قوى عالمية تتربص به الدوائر في روسيا والصين.. 
صحيح إنهم يتحركون بسرعة الان في منطقتنا ليقودوها الى صراع ونزف وحروب لا مصلحة لنا فيها لكنهم بالتأكيد لن يرى نتائج ذلك الا انهيارات أعمق لمشروعهم وفشل مجدد لإستراتيجيتهم فليس أمام امتنا سبيل الا التوحد والتعاون والتناصر رغم اضطراب اللحظة الراهنة.. تولانا الله برحمته