رسالة "حمساوية" لا تليق وطنيا!
تاريخ النشر : 2019-01-15 10:29

كتب حسن عصفور/ ليس هناك أكثر سهولة من أن تجد "عيوبا" بالجملة في مسار رئيس السلطة محمود رضا عباس، وليس هناك قيد من توجيه كل ما يمكن من سهام نقد، بما فيها سحب كل ما له من صلاحيات واعتباره غير ذي صلة بما يتعلق بالسلطة الفلسطينية، في إطار الحرب السياسية الدائرة، بين تياري النكبة الانقسامية.

وغالب ما يوجه لعباس من نقد بكل اشكاله صحيحا، وأحيانا يستحق أكثر، خاصة بعد أن فقد كل منطق سياسي – قانوني، وأخلاقي في حربه العدائية ضد قطاع غزة منذ أبريل 2017، وكذا معارضيه أينما وجودوا وطنا وشتات، بما تجاوز كل "خط أحمر وطني" في تلك الإجراءات العدائية "غير المسبوقة".

ولا يوجد ما يمنع، او يضع حجرا في فم من يصرخ ليل نهار بأن عباس لم يعد "شرعيا" في غرف وبنايات ووسائل إعلامية حمساوية أو غير حمساوية، وصلت الى حد أن يصدر عدد من نواب بانه رئيس منزوع الصلاحية، رغم انهم بلا أي صلاحية قانونية، لأنهم لم يمتلكوا حقا لنقاش قصية دستورية، غير منصوص عليها في القانون الأساسي.

ولكن، وبشكل مفاجئ، نشرت وسائل إعلام حماس رسالة قالت انها من "تجمع منظمات أهلية" (لم تذكر من هي تلك المؤسسات)، مرسلة الى مجموعة الـ 77 زائد الصين، حيث يستلم، يوم الثلاثاء 15 يناير 2019، محمود عباس رئاسة تلك المجموعة الدولية الهامة بصفته رئيسا لدولة فلسطين.

بعيدا عن الاتفاق أو اللا اتفاق مع سياسة عباس، فذلك لم يصل بعد لنزع الصلاحية عنه كرئيس لدولة فلسطين، وكل الصراع السياسي معه يتمركز في إطار السلطة ورئاستها، بحيث فقد كثيرا من مكانته الدستورية، الى جانب الشعبية، واختلافا معه حول مصادرته "الشرعية الرسمية"، خاصة بعد مجلس المقاطعة في عام 2018، وتغييبها الى أن أصبحت بلا أي حضور أو دور سياسي.

حماس، وعبر تلك المؤسسات "مجهولة النسب والهوية" وقعت في سقطة سياسية "أخلاقية كبرى" بتلك الرسالة، كونها نقلت الخلاف أو الصراع السياسي، الى مجموعة غير ذي صلة بكل ما يحدث في سياق "التناكف الوطني"، وأنها مجموعة دولية، عضوية فلسطين بها بصفتها "دولة" معترف بها بما يزيد عن عدد المعترفين بدولة الكيان الإسرائيلي، وهي أيضا عضو مراقب في الأمم المتحدة منذ عام 2012.

فلسطين الدولة، المكانة والتمثيل ليست خاضعة، ويجب ألا تكون خاضعة ابدا، لتلك التجاذبات السياسية، المشروعة وغير المشروعة، حقا أم باطلا، فهي مكسب تاريخي لا يجب المساس به أو النيل منه، وما قامت به حماس، عبر منظماتها "السرية" تلك، خروج مطلق على النص الوطني.

دولة فلسطين ورئاستها، لم تكن يوما جزءا خلافيا، بل العكس مطلوبا، أن يقوم محمود عباس بالعمل على تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012 رقم 19/ 67 الذي اعترف بفلسطين دولة في حدود أراضي 1967 وعاصمتها القدس المحتلة (الشرقية)، دون نقصان سم واحد منها.

النقيصة الأساسية في ممارسة عباس، ليس انه رئيسا لدولة فلسطين، فتلك حقيقية سياسية، أحببناه ام مقتناه، بل في أنه يرفض تنفيذ ذلك القرار الأممي التاريخي، كما اوصت الهيئات الشرعية التي يتحكم هو بقرارها، وطالبته بـ "فك الارتباط" مع الكيان الإسرائيلي وسلطاته الاحتلالية، وإنهاء المرحلة الانتقالية التي تجاوزها الزمن وكذا إسرائيل، بإعلان دولة فلسطين، واعتبار أراضيها محتلة.

كان الأولى بحماس، ان تطالب بتنفيذ قرارات المؤسسة الرسمية حول دولة فلسطين وانتهاء "زمن أوسلو السياسي"، وإعلان دولة فلسطين، في يوم استلام رئاسة مجموعة دولية هامة.

الرسالة كشفت ان عمق الخلاقات السياسية فاقت كل ما هو ممكن، وكسرت كل قواعد معلومة، وأن حماس وقعت في المحظور ما لم تسارع برفض مضمونها.

اختلفوا كما شئتم مع عباس وسلطته، لكن حذار ان تذهبوا بعيدا لتدمير كل مكتسبات ثورة وشعب، ولا ذنب أنكم لم تكونوا جزءا من تلك المنجزات.

ملاحظة: اعلام سلطة رام الله فقد كثيرا من ملامحه الوطنية، بات ملحقا بجزء من تنظيم ومؤسسة، ربما يستحق حملة شعبية تصحيحية لمسار مؤسسة لعبت دورا تاريخيا في رفع شان الثورة وكفاح الشعب...

تنويه خاص: تخيلوا أن رئيس وزراء الكيان نتنياهو تلاحقه قضايا فساد بلا عدد، مع ذلك لا زال الأول في استطلاعات الراي الإسرائيلي...مكانته تعززت لنجاحه في تعزيز المشروع التهويدي في الضفة والقدس بتواطؤ من "شريكه الأمني"!