استغماية المال القطري...إهانة سياسية صريحة!
تاريخ النشر : 2019-01-23 10:38

كتب حسن عصفور/ لا جدال في أن صياغة معادلة "التهدئة مقابل المال" كانت خطأ سياسيا فادحا، لم يتم حساب أبعادها وكيفية استغلالها من قبل "العدو القومي" دولة الكيان، والتي عملت منذ لحظة إعلانها، على التعامل معها وكأنها "أم المعارك".

من حيث المبدأ، لا يمكن لوطني فلسطيني، ان يرفض دخول مال من الخارج الى قطاع غزة، في ظل أحد أوسع عمليات الحصار المركب ضد أهله، فذلك خارج سياق النقاش، وما الأصوات التي تطالب بمنعها او تدجينها أو وضعها ضمن "خزينتها"، تهدف فقط لفرض مزيد من خلق وسائل للتحكم أكثر بحياة القطاع، وتعزيز الحصار خدمة لأهداف دنيئة.

ولكن، منذ ان بدأت رحلة المعادلة الجديدة، سياسيا ووطنيا، تعاملت معها حكومة تل أبيب بشكل يفرض بضرورة البحث عن صياغة جديدة للمعادلة "المسيئة" للحالة الكفاحية في قطاع غزة، خاصة مسيرات كسر الحصار، التي قدمت ثمنا يفوق بما لا يقاس ما حققته تلك المعادلة.

ولعل الإشارة التي كانت تستوجب التفكير في جوهر المعادلة، تلك "الهمهمة الصوتية" التي قالها مندوب قطر محمد العمادي للقيادي في حركة حماس خليل الحية، "نبيي هدوء"، همهمة تحولت الى أحد أبرز أشكال السخرية من المقولة والقائل وصدمة المتلقي.

ربما تعامل البعض مع الجانب الساخر في تلك "الهمهمة"، لكن جوهرها كشف الشرطية المطلقة المفروضة على إدخال المال القطري، ليس عبر تنسيق خاص مع إسرائيل، بشكل خارج المألوف، وكأنها تقوم بعملية "تهريب" وليس إيصال جزء من "حق سياسي".

ولذا ليس غريبا أن تستغل حكومة نتنياهو قاعدة "التوافق القطري – الإسرائيلي" لتعيد صياغة المعادلة، التي صاغتها حركة حماس من "التهدئة مقابل المال، الى "المال مقابل التهدئة"، وبتدقيق بسيطة سنجد ان الأصل في التوافق بين الدوحة وتل أبيب، التهدئة أولا وشرطا للمال، وليس عكسا لما توقعت بعض أطراف قطاع غزة.

وقد فضحت عملية الاستخدام الإسرائيلي لما يسمى "المال القطري"، أن جوهرها تحول من بعض "حق" الى شكل من اشكال الإهانة السياسية أولا، والتلاعب بالحالة النفسية لسكان القطاع ثانيا، ولا يحتاج الأمر كثيرا لمعرفة رد فعل المواطن الغزي، من خلال متابعة ما يقال ويكتب مع كل قرار إسرائيلي سواء بالسماح لـ "المنحة القطرية" الدخول الى غزة، او منعها.

بالتأكيد، الحالة الإنسانية بكل جوانبها في قطاع غزة، وصلت الى واقع يفوق الحديث اللغوي عنها، وأن الغالبية المطلقة من سكانه خارج ما يعرف بمستوى الحياة الطبيعية، وأن "أقلية جدا" من تستطيع أن تكون قريبة من المستوى الإنساني، حتى أثرى اثرياء القطاع، من "قادة" سياسيين أو رجال أعمال، لا يملكون ترف الحياة المعلوم.
دون الوقوف أمام الكارثة الصحية نتيجة فقدان الخدمات الأساسية.

الانقسام سبب رئيسي نعم، وحماس قبل فتح تتحمل مسؤولية نعم، كونها لم تحسن "إدارة ملف الحصار"، واصرت على "سلوكها الاستعلائي"، وأن دولة الاحتلال تختبئ كثيرا خلف ذلك، خاصة منذ "إعلان المنامة" الذي قرر فيه محمود عباس بفرض حصار غير مسبوق على قطاع غزة، لكن الأصل كان وسيبقى دولة الكيان، وهي من يجب أن تصبح الهدف المباشر، دون تجاهل الأدوات المساعدة لجريمتها الكبرى.

بات مطلوبا، وسريعا، ان تعيد "قوى المشاركة الكفاحية" في مسيرات كسر الحصار، النظر في المعادلة التي سادت، والبحث في وسائل جديدة ومختلفة، ليس بالتهديد المجاني، او بالتصعيد العسكري والقصف الصاروخي، فتلك هي أكثر الأشكال مساسا بالمطالب الانسانية "المشروعة".

التفكير الجمعي هو السبيل الأصوب لتحديد سبل المواجهة، وصياغة آلية الرد على حصار لم يكسر منه سوى بعضا من مال لم يقدم تغييرا جوهريا في الحياة الإنسانية لأهل القطاع، دون أن نتجاهل أنه يساهم موضوعيا في خسائر سياسية بلا حدود.

المراجعة الشاملة لكل ما سبق، أصبح فرضا سياسيا، وليس نقيصة ابدا الاعتراف بالخطأ او الخطايا لتصويبها، وعدم الإصرار على نظرية "كنا على صواب وسنواصل"...فالصواب أن الخطأ بل الخطيئة لم تغب أبدا عن المسار.

احتراما لروح الفلسطيني الكفاحية فكروا ثانية فيما هو "خير للفلسطيني الغزي"!

ملاحظة: ذكرى رحيل شاعر الغضب الثوري معين بسيسو تتزامن مع فقدان شاعرا صارخا مناضلا مثيلا يخرج "شاهرا صوته" ردا على حالة الانكسار الوطني العام، " وارعدْ بصوتك يا عبيـدَ الأرض هـبّوا للنضـالْ"!

تنويه خاص: ليش بعض الأصوات أو الفصائل تصر على التهديد برد يصيب إسرائيل بهلع ووجع "غير مسبوق"...يا تردوا فعلا يا تخرسوا فعلا وجدا!