معادلة برازيلية... "السفارة مقابل اللحم الحلال"!
تاريخ النشر : 2019-01-30 10:36

كتب حسن عصفور/ كشف قرار تراجع البرازيل عن نقل سفارتها الى القدس، القدرة الهائلة التي تمتلكها الدول العربية والإسلامية، لو اريد لها ان تكون سلاحا حقيقيا في معركة المواجهة.

يوم 29 يناير 2019 أعلن الرئيس البرازيلي بالوكالة هاميلون موراو، أن الحكومة لا تعتزم "في الوقت الراهن" نقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، مضيفا "الرد الذي أدليت به أمامهم هو باسم الدولة. في الوقت الراهن، لا تفكر الدولة البرازيلية في أي نقل للسفارة".

قرار التراجع عن "وعد بولسونارو"، والذي أعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، بعد انتخابه، أنه يعتزم نقل السفارة البرازيلية إلى القدس، لم يأت من باب "الوعي" بالحقيقية السياسية بأن ذلك خطأ بحق قضية الشعب الفلسطيني، بل جاء تحت ضغط اقتصادي كبير، وضع البرازيل تحت خيار إما السفارة وإما اللحوم الحلال.

وبالأرقام، وفقا لما أعلنته وزيرة الزراعة، أن سوق التبادل التجاري مع الدول العربية والإسلامية يبلغ 5 مليار دولار، سوق واسعة متطورة، بدأت بعض الدول ومنها العربية السعودية الإشارة الى ان نقل السفارة الى القدس يعني مباشرة إغلاق الأسواق أمام المنتجات البرازيلية، مأ شكل "لوبي اللحم الحلال"، للضغط على القرار السياسي.

ليست المرة الأولى الني يتم استخدام الاقتصاد سلاحا في المواجهة السياسية في المنطقة العربية، ربما كانت تجربة حرب أكتوبر عام 1973 والتهديد بسلاح النفط العربي، درسا لا يجب ان يغيب عن الذهن السياسي الحاضر.

الدول العربية، وحدها تستطيع ان تعيد رسم جدول أعمال السياسيات الدولي وليس الإقليمي، لو كانت لديها رغبة حقيقية في ان تكون عاملا مؤثرا ولاعبا اساسيا في الصراع الدائر، ليس من أجل قضية فلسطين والقدس فقط، بل لمصلحتها ذاتها، ولها في التجربتين التركية والإيرانية مثالا، تتفق أم تختلف معهما، لكنهما حددتا واقعا مختلفا في التعامل، رغم ان القدرات الاقتصادية العربية تفوق بكثير قدرة كل منهما.

 ولا يجب أن تغيب أبدا من الذاكرة التجربة الماليزية في منتصف تسعينات القرن الماضي، عندما حاولت الحركة الصهيونية وبدعم أمريكي بالتآمر على العملة المحلية وضربتها في مقتل، فكان القرار الوطني من رئيس الوزراء في حينه مهاتير محمد بسلسلة خطوات، حاصر أولا آثار المؤامرة، ثم التغلب عليها، تجربة اعادته ثانية الى منصب رئيس الوزراء انتخابا وهو في عمر 94 عاما.

السلاح الاقتصادي ليس بدعة، وأصبح أكثر أهمية من ذي قبل خاصة مع انكسار الهيمنة الأمريكية، وبروز اقطاب جديدة خاصة الصين وعودة روسيا، وبحث الاتحاد الأوروبي عن مكانة متميزة عن السياسة الأمريكية، ما ظهر واضحا في معركة "النووي الإيراني".

لو أن أمريكا، وأي دولة غيرها تعلم يقنيا، ان سلاح الاقتصاد أصبح ممكن الاستخدام بشكل فاعل من الدول العربية، في ظل "المشهد العالمي الجديد" سيكون هناك تغيير جوهري في آلية التعامل، وبدلا من التهديدات المتلاحقة من البعض الأمريكي ضد الدول العربية يصبح اللهاث الأمريكي نحو السوق العربي هو القائم.

ليس مطلوبا حربا شاملة، ولكن دفاعا منظما ومعقولا، من أجل حماية كرامة سياسية لدول وأنظمة تساهم في تغذية الاقتصاد العالمي بأضعاف مضاعفة من دولة الكيان الإسرائيلي، التي يمكنها ان تحدد مسار الكثير من السياسات، مقابل غياب أي إأثر للدول العربية.

بعيدا عن نغمة المكانة الجغرافية المميزة للمنطقة العربية، وأهميتها الاستراتيجية عسكريا، فالاقتصاد وحده قادر أن يفرض القيمة العملية بحيث تصبح فاعلا سياسيا وليس مفعولا به.

درس "اللحم البرازيلي الحلال" درس لتنشيط الذاكرة المصابة بتكلس، ان بالإمكان أحسن كثيرا وبما لا يقاس مما كان وما سيكون.

ملاحظة: وأخيرا أصبح رامي الحمد الله الوزير الأول المستقيل، ولكن هل يعني ذلك انه فعلا سيغادر المشهد السياسي، ام أن هناك "خفي" يعمل لإعادة انتاجه ضمن مصالح متبادلة لتكريس معادلة "مؤتمر مدريد" بشكل مستحدث!

تنويه خاص: مفارقة غريبة تثير الانتباه، ان إعلام محمود عباس لم يعد ينشر أي خبر او تصريح او نشاط لممثلهم في قطاع غزة أحمد حلس، كأن "الفصل التنظيمي" بات واقعا دون قرار معلن... فتش عن السبب!