المهدى المنتظر
تاريخ النشر : 2019-02-03 12:52

هناك مجموعة من الأوهام التى تشغل حيزاً لا بأس به من خريطة العقل المسلم، تستوجب التوقف أمامها وتأملها نظراً لتأثيرها الخطير على ماضى المسلمين، وتفاعلات حاضرهم. أول هذه الأوهام: «وهم مجدد القرن». هناك حديث عن النبى، صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يصلح لهذه الأمة أمر دينها»، ولا يختلف هذا الحديث فى مضمونه عن أحاديث «المهدى المنتظر» الذى يذهب المحدثون إلى أنه سيخرج فى آخر الزمان. عدد من المتخصصين يجمعون على صحة الأحاديث التى سيقت فى هذا المقام، رغم أنك لو تأملتها بقليل من العمق فستجد أنها تتناقض مع العديد من الآيات القرآنية التى تنص على اكتمال الدين قبل وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم، مثل الآية التى تقول: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً». والآية الكريمة: «مَّا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَابِ مِن شَىْءٍ». ماذا يمكن أن يضيف هذا المجدد إلى أمر الدين؟، وماذا يمكن أن يفعله مع الأمة إذا فسدت وبين يديها كتاب الله؟. لقد ظل النبى، صلى الله عليه وسلم، يحارب الأفكار التى شاعت فى المجتمع العربى قبل البعثة، مثل «العصبية القبلية» و«العنصرية»، ورغم ذلك ظلت تمارس عملها والنبى بين أظهر المسلمين، وتفاقم تأثيرها بصورة أشد بعد وفاته.

وهم «مجدد القرن»، والحلم العجيب بظهور «المهدى المنتظر» تسببا فى ظهور العديد من الشخصيات التى أمرضت المجتمع المسلم، وعمّقت من مشكلاته، وجعلت من العنف، وليس الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، سبيلاً للتغيير، فجرّت على المسلمين الكثير من الويلات. ومؤكد أن الدعوة والإصلاح مسئولية كل مسلم، وليست مجرد هَمّ يجب أن يحمله المجدد الذى يظهر على رأس كل 100 عام. وهناك حديث آخر يقول فيه النبى، صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرنى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، ودلالة هذا الحديث النبوى الشريف واضحة على أن منحنى التاريخ الإسلامى يسير إلى أسفل باستمرار.

فى السبعينات من القرن الماضى ظهرت شخصيتان مثيرتان، زعم كل منهما أنه «المهدى المنتظر» و«مجدد دين الأمة»؛ أولهما شكرى مصطفى، وثانيهما جهيمان العتيبى، شكرى مصطفى أسس جماعة أطلق عليها «جماعة المسلمين» واشتهرت بين الناس باسم «التكفير والهجرة»، وقام عام 1977 باختطاف الشيخ محمد حسين الذهبى، وزير الأوقاف الأسبق، وقتله، وتم القبض على القاتل ونفذ فيه حكم الإعدام. كان «شكرى» يعتبر نفسه مسئولاً عن إصلاح حال الأمة التى فسدت، فساهم بفكره الفاسد فى تعميق مشكلاتها. أما جهيمان العتيبى فقد احتل الحرم المكى عام 1979 (1399هـ) وأعلن نفسه مهدياً منتظراً، وأنه «مجدد القرن الهجرى الجديد» (القرن الخامس عشر الهجرى)، وظل الحرم تحت قبضته هو ومن تبعه لبضعة أيام حتى تم تحريره، بعد سقوط العديد من القتلى والجرحى. كثيرون -مثل شكرى وجهيمان- يخرجون إلى الناس فى صور مختلفة رافعين شعارات الإصلاح والهداية، ويشهد أداؤهم على أنهم ليسوا على شىء، بل وليسوا أكثر من مخربين.

عن الوطن المصرية