لعنة السياسة تلاحق الرياضة
تاريخ النشر : 2019-02-03 12:55

حتى في الرياضة يسقط الإعلام في شرك السياسة. فوز قطر ببطولة كأس آسيا لكرة القدم أول من أمس، كان مثالا حيا ومفجعا على المستوى الذي بلغه الاستقطاب والتحيز في وسائل الإعلام على حساب أبسط القواعد المهنية.
صحف وقنوات تلفزيونية عريقة تجاهلت على نحو مقصود ومتعمد فوز المنتخب القطري بالبطولة، لا لأن حدثا كبيرا هز أركان العالم وطغى على نتيجة مباراة رياضية، بل لأن الدولة الفائزة بالكأس منبوذة من طرف مالكي تلك الوسائل.
يبدو أن النهاية التي آلت إليها تصفيات البطولة لم تكن في حسبان بعض الدول المشاركة، وتفاجأت بصعود المنتخب القطري للدور النهائي، ومن ثم الفوز على منتخب اليابان القوي والعنيد والذي سبق له الفوز بالبطولة عدة مرات.
لم يعرف إعلام تلك الدول كيف يتصرف مع هذا الوضع، خاصة وأن المنتخب القطري هزم منتخبات عربية كانت مرشحة للمنافسة على النهائي.
لأول مرة تكون خسارة فريق المباراة النهائية وليس فوز فريق عربي بالبطولة هي المانشيت العريض للصحف ونشرات الأخبار. لم يسبق أن تعلمنا في الصحافة هذا الدرس القيم بقواعد كتابة العناوين وانتاج الأخبار. هذا علم جديد علينا حقا!
كان الأمل بالرياضة وروحها الإنسانية أن تساهم في كسر جليد السياسة وخلافاتها بين الدول الشقيقة، خاصة وأن البطولة تقام على أرض دولة خليجية وعربية شقيقة، عرفت دوما بدورها الريادي في جمع الكلمة ولم شمل العرب.
لكن الأمل تبدد في هذه البطولة، ووجدت الرياضة نفسها ضحية للسياسة. والمؤسف هنا أن وسائل الإعلام التي يفترض أنها تتمتع ولو بهامش بسيط من الحرية، كانت رأس الحربة في التحريض والتجاهل، وقادت بنفسها حملة تعبئة جماهيرية ضد منتخب شقيق، وشحنت الجماهير ليبدو الخلاف بين الحكومات وكأنه حرب بين الشعوب يترجم نفسه في ميادين الإعلام والرياضة.
لا ننكر طغيان السياسة أحيانا على الأحداث الرياضية، ونلحظ ذلك في سلوك المشجعين على المدرجات وعلاقة الفريقين على أرضية الملعب، سواء كان ذلك بين الدول التي يجمعها تاريخ من الخلافات السياسية أو الفرق المتشاحنة في الدوريات الكبرى كفريقي برشلونة وريال مدريد. لكن الإعلام يحاول قدر المستطاع أن ينأى بنفسه عن الخلافات، أقله بما يتعلق بالحقائق الأساسية، فلا ينكر فوز منتخب أو يتعمد تجاهل وجوده في البطولة، ولايحرض المشجعين للوقوف في صف فريق أجنبي ضد فريق عربي.
الإعلام العربي في لحظتنا الراهنة، يلعب دورا سلبيا في تأجيج الخلافات بين الدول ويكرسها صراعا بين الشعوب، ويضرب بعرض الحائط القواعد الأساسية للعمل الصحفي، ويغامر بمصداقيته ومهنيته وأخلاقياته لحساب أزمات عابرة، قد تنجلي بعد حين، لكن أثرها السلبي على مكانة الإعلام والإعلاميين تدوم إلى الأبد.
الإعلام الأردني على هذا الصعيد تحديدا يستحق الإشادة، لأنه اختار الوقوف في المكان الصحيح، ولم ينحز لطرف ضد الأخر، وتمسك بالقواعد المهنية التي تحكم عمل وسائل الإعلام، فشهدنا تغطية متوازنة لمجريات البطولة حتى بعد الخروج المؤسف لمنتخب “النشامى”.

عن الغد الأردنية