في "المسألة الغزية" وخيارات ملتبسة!
تاريخ النشر : 2019-02-04 10:36

كتب حسن عصفور/ لم يعد بالإمكان استمرار النقاش الوطني كما كان يوما، بعد ان أكد رئيس حركة فتح (م7) ورئيس سلطة الحكم الذاتي المحدود جدا في بعض مناطق الضفة المحتلة، ان لا دولة فلسطينية خلال الـ 15 عاما القادمة، وإصراره على المضي قدما باتخاذ "خطوات انفصالية" سياسيا وجغرافيا، والعمل على كسر روح "الجماعة الفلسطينية" مشروعا وإطارا وقضية، والابتعاد كثيرا عن أي ارتباط مع قطاع غزة، سواء عبر قرات حصار أسماها بصوته في أبريل 2018 بالعاصمة البحرانية المنامة، بأنها قرارات "غير مسبوقة".

 الى جانب رفضه المطلق تنفيذ أي من قرارات المجالس الوطنية والمركزية ولجنته التنفيذية، فيما يتعلق بإعلان دولة فلسطين كتتويج سياسي لانتهاء المرحلة الانتقالية، وفك الارتباط السياسي – الاقتصادي مع دولة الكيان، بالتوازي مع وقف التنسيق الأمني، وسحب الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير وإسرائيل الى حين اعترافها بدولة فلسطين.

خطوات ومواقف، تفتح الباب واسعا لبحث سياسي مختلف جذريا فيما يتعلق بما يمكن وصفه من الآن ولاحقا، بـ "المسألة الغزية"، التي تعيش حالة شاذة بكل ما لها من مدلول شمولي، إنساني – سياسي، اقتصادي - اجتماعي، مشهد يبدو وكأنه "واقع انعزالي" في ظل حصار لم تعرفه رقعة جغرافية، بات الموت الذاتي خيارا من خيارات مواجهة ذلك، سواء عبر الهروب غرقا والموت مسيرة أو انتظارا لمصير مجهول غير واضح المعالم.

الحالة الانتظارية ليس سوى مساهمة عملية في تعزيز مأساة مركبة، والاعتقاد ان فترة محمود عباس يمكنها ان تفتح آفاق "حل ممكن" للكارثة السياسية – الاجتماعية والاقتصادية، ليس سوى وهم يطيل أمد الأزمة غير المسبوقة، ولذا أصبح من المفروض فتح نقاش وطني عام، دون محاذير لما يمكن تسميته بـ "المسالة الغزية" ضمن المشروع العام، وفي سياق خصوصية الواقع القائم.

منذ يونيو 2007، وحماس تتحكم منفردة بمصير قطاع غزة، بعيدا عن أوصاف يمكن أن تطلقها على تحكمها، ولم يكن هناك أي حضور موضوعي لسلطة فلسطينية رغم كل الاتفاقات الموقعة، وتشكيل "حكومات توافقية" بين فصيلي النكبة الثالثة، فتح وحماس، فالسيطرة الأمنية المطلقة لأجهزة أمن حماس هي الناظم الفعلي لمسار الحكم، الى جانب استمرارها في إبقاء مفاصل الحياة العامة بيديها، وفرضت "منهجا ثقافيا – اجتماعيا" ليس من الثقافة الوطنية، واستبدلت المدني بالديني كسلاح من أسلحة الهيمنة، ولم تتمكن لا فتح ولا القوى الأخرى مجتمعة من تغيير نمط مسلكي مما فرضته حماس.

ومع تطور المشهد في القطاع، وخاصة منذ 30 مارس (يوم الأرض) 2018، بانطلاق مسيرات كسر الحصار، بات هناك عامل جديد في المعادلة السياسية، له مكاسب بأن روح الكفاح الفلسطيني تختزن كثيرا، وأن محاولة التيار العباسي بمصادرة الفعل الشعبي المقاوم ليس سوى "سراب سياسي"، مسيرات منحت القضية الفلسطينية بعدا هاما، لكن ثمنها فاق كثيرا كل تقديرات ممكنة، ليس فقط عدد من سقط قتيلا (شهيدا) ولا بمن أصيب جرحا جسديا او نفسيا، فتلك ضريبة لم تتوقف يوما منذ أن كان الصراع مع عدو قومي مستعمر أو غازي.

لكن ما لم يكن ضمن حسابات سياسية، حالة العجز العام عن تلبية أي حاجة إنسانية لما هو ثمن للفعل الكفاحي، والعجر أصبح وكأنه الحل الممكن، لم يعد ينفع معه شكوى أو تذمر، في ظل غياب رؤية أو تصور او مشروع بمصداقية، بعيدا عن "شعارات اللغو والتهديد الفارغ"، التي تعلو أكثر مع كل عجز أكبر.

خيارات المسألة الغزية، إما أن تبقى تنتظر عودة "غودو" الذي فقد ساقية ورمحه، وبالتالي تتعمق أزمتها بكل أبعادها، او تبدأ في التفكير في سياق دون ارتعاش سياسي، وأيضا دون خروج عن النص الوطني العام، مستفيدة مما أنتجته مسيرات كسر الحصار وأثرها السياسي على الطرف الإسرائيلي.

الانتظارية ليست حلا، والانفصالية حلا غير وطنيا، ولكن بينهما يجب الذهاب لبحث ما يمنح القطاع حقا وطنيا وإنسانيا في آن، تبدأ بالعمل على مراجعة جذرية لمسيرات كسر الحصار في سياق "حل متفق عليه" بين أطراف المسيرات والشقيقة الكبرى مصر، بما يتجاوز الحول الجزئية السابقة، أي بعيدا عن تهدئة ملتبسة، مراجعة واتفاق لكسر الحصار فعلا، ويفتح آفاق العبور العام الى القطاع.

مراجعة تنتج آلية عمل في مسار الإدارة داخل قطاع غزة، وبحث سبل منع السيطرة الحمساوية المطلقة، سياسيا، امنيا واقتصاديا، والعمل على إيجاد آليات تعيد الاعتبار للحالة الوطنية العامة، وتضع حدا لحالة الاختطاف التي دامت 12 عاما، حل يقطع الطريق على تكريس فصل سياسي بعد الفصل الجغرافي، تشارك به كل القوى الوطنية، بما فيها حركتي فتح وحماس، ومن لا يرغب يضع نفسه خارج التوافق الآني، مع وضع ضوابط أنها آلية عمل الى حين أنهاء "العقد السياسية الكبرى من طرق المصالحة الأشمل".

ويمكن التعامل مع الحالة الخاصة، كجزء من الإطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتوافق مع مصر على سبل العمل المشترك دون المساس بالتمثيل الموحد.

"المسألة الغزية" قائمة، ما يفرض بحثا خاصا الى حين الحل العام، تلك هي القضية التي تستوجب الدراسة بعيدا عن الابتزاز السياسي، ومن لديه حلولا أكثر شمولية ليبدأ بحثها، دون تركها لمجهول وانتظار "المن والسلوى" في ليل مظلم.

ملاحظة: أي سلفادور هذه التي يصبح رئيسها شاب فلسطيني منتم للتيار اليميني، بينما كان أحد أبرز قادتها يوما زعيم الحزب الشيوعي شفيق حنظل الفلسطيني أيضا...كم هي فلسطين حاضرة وأن تلون الهوى!

تنويه خاص: في دولة الكيان يحاول بيبي المرتعش تحت ضغط فضائح الفساد أن يعيد للأذهان الحملة المكارثية، أصبح شعاره الاتهامي لخصومه بأنهم "يسار"، سقوط فكري جديد لحزب يسيطر على الحياة السياسية في الكيان، هل نستفيد منه أم "ما لناش خص".