"أمد" يكشف: الأجهزة الأمنية في غزة تعدم "المخدرات" أمام الإعلام فقط لتعود للسوق مرة أخرى
تاريخ النشر : 2019-02-10 01:33

أمد/ غزة - خاص: عندما يصبح رجل الأمن وتاجر الممنوعات وجهان لعملة واحدة فنحن بحاجة لوقفة جادة ، كي لا ينخر الجسد الغزي تلك الكارثة ، وتنهش في هيكله المتهالك أيادي عابثة، ليصبح "حامي الديار حراميها".
شاهدنا قبل فترة ليست ببعيدة ،أن شرطة مكافحة المخدرات فى غزة، أتلفت كمية كبيرة من المواد المخدرة التى ضبطتها خلال الشهور الماضية، وقامت شرطة المكافحة بإحراق "1126" فرش حشيش و"467343" حبة ترامال ولاريكا وسعادة، أمام وسائل الإعلام، وجاء قرار الاتلاف، بعد استكمال صدور الأحكام المتعلقة بالأشخاص الذين ضبطت بحوزتهم المخدرات.
ولكن السؤال الذي يدور ببال المواطن كيف بعد احراق تلك الكميات الكبيرة واعدامها ، وضبط معابر القطاع نجد كمية لاحصر لها من المواد المخدرة والحشيش؟!، لهذا "أمد " فتح هذا الملف ، وكان له جولات تضع مسؤوليين بالأجهزة الأمنية في غزة في طائلة السؤال.
تبديل الممنوعات
(ن.ر) صاحب استراحة للمسافرين ، في منطقة رفح المصرية الشيخ زويد كان له دور في توريد الممنوعات والمخدرات للقطاع من خلال عناصر تنتمي للأجهزة الامنية في غزة.
يقول (ن.ر) بلهجته التي تتأرجح بين البدوية والحضر: "اختلاط الأمور عندنا في مصر وخاصة سيناء سهل التهريب لغزة، فكان في أنفاق للأكل والشيبس والملابس أما تجارة الحشيش والمخدرات كان لها أنفاقها الخاصة".
ويستكمل التاجر ، لكن بعد اضطراب الأوضاع الأمنية في سيناء ورفح المصرية ، جعل الأمر بات أصعب لتجار الممنوعات الذين بدورهم أصبحوا ينبشون الأرض لاختراع طرق جديدة لإدخال ممنوعاتهم إلى غزة.
فيقول (ن.ر):" بعد إلقاء القبض على الكثير من أمناء الأنفاق من الناحية المصرية و العاملين في الأنفاق من الناحية الفلسطينية اخترعنا أساليب جديدة لإدخال ما نود إدخاله إلى غزة، فأكياس الفحم كانت غطاء بسبب اللون الأسود الذي يطمس كل ما يطاله فلم يكن من السهل كشفه، إلى جانب أنابيب الغاز يتم قسمها لنصفين النصف الأول يعبأ بالغاز والنصف الآخر نضع فيه البضاعة وتلحم من أسفل الأنبوبة "، موضحاً أنه بعد إلقاء القبض على الكثير من الموردين تم كشف هذه الطرق للجهات الأمنية المختصة.
وتابع:" أخيراً اتجه التجار والموردون للأسماك المجمدة بسبب رائحتها فتعفى من التفتيش، إلى جانب الأجهزة الكهربائية ولعب الأطفال "، وغيرها من الأساليب التي رفض الأخير الكشف عنها.
بعد فترة من تعامل (ن.ر) مع تجار السموم في غزة، توسع نطاق الزبائن حيث كانت البداية من خلال استراحته التي يستضيف فيها المسافرين ليبلغه " صبي القهوة " أن هناك أناس تسأل عنه وتريد مقابلته، وبالفعل تمت المقابلة ليقدموا أنفسهم بأسماء مستعارة " أبو اليزن وأبو رياض "وبأنهم من غزة وبحاجة لكمية من البضائع الممنوعة وستكون له عمولة " محترمة"- على حد أقواله.
تابع (ن.ر) انه اعتقد في باذئ الأمر ان هذا كمين لتسليمه للحكومة، ولكن فاجئه تقديم من تم ذكرهم سابقاً أنهم من عناصر الأجهزة الأمنية بغزة وأن من دلهم عليه تاجر مخدرات من قلب القطاع، موضحين أن المطلوب ليس للاستخدام الشخصي بل هو لاستبداله بما يتم تحريزه من قبل المكافحة في غزة.
وأضاف:" اشترطوا عليَّ أن تكون البضائع " مضروبة " وليست أصلية بمعنى آخر من شغل الجبل، وتعاملنا على هذا الأساس حيث كان فرش الحشيش بما يقارب 400 _600 جنيه وعلبة "البرشام" 100جنيه" ، منوهاً إلى أنهم لاحقاً اتجهوا لتاجر آخر بضاعته أقل سعراً ومناسبة لهم.
إعدام وهمي
من جهته (م.ح) أحد عناصر جهاز المكافحة في غزة سابقاً، أكدفي مقابلة مع" أمد للأعلام" أن هناك العديد من التجاوزات التي تُمارس داخل أروقة جهاز المكافحة، فالعديد من المحرزات فقدت بعد ضبطها وممنوعات أعدمت زوراً أمام كاميرات الإعلام وأمام كبار المسئولين ليتم الكشف لاحقاً أنه إعدام وهمي لإسكات الشارع لا أكثر.
فيقول: "في إحدى الكمائن التي نصبتها المكافحة لتاجر من منطقة النصيرات وسط قطاع غزة ، تم تحريز كميات كبيرة من الممنوعات كالحشيش وحبوب السعادة وروتانا وصليب وكميات كبيرة من البانجو" .
وتابع:" عند إقرار إعدام المحرزات قام بعض الزملاء بإخراج الممنوعات بالسيارات التابعة للمكافحة وعندما وصلنا لفرن إعدام المحرزات، وجدنا اختلف شكلها المحرزات والكميات التي قمنا بضبطها "، موضحاً أنه اكتشف لاحقاً أن الترمادول تم استبداله بدواء "انبريل" لعلاج ضغط الدم الذي يتم صرفه من عيادات وكالة الغوث للاجئين، واستبدال فروش الحشيش بحناء مضاف إليها نباتات عطرية.
اكتشف (م.ح) أن المحرزات تم نقلها لجهات تتبع لضباط ذو رتب رفيعة من جهاز المكافحة ليتم التصرف فيها حسب رغبتهم، منوهاً أن ما نسبته 70% من المحرزات تعود مرة أخرى للسوق السوداء ومروجي المخدرات على امتداد قطاع غزة.
وأضاف:" بعد السؤال في الخفاء أين تذهب هذه الكميات من المحرزات ومن المستفيد الأول ،وجدت إجابات باهتة وردود ضعيفة بأن أموالها تعود لخزينة الحكومة لدعم الأجهزة الأمنية وتقديم المساعدات للجمعيات وغيرها من الردود التي لا تسمن ولا تغني، في المقابل تجد أن جيب سين أو صاد من ذوي الشأن قد امتلأ دون أن يُسأل من أين لك هذا ".
من الجدير بالذكر أنه منذ ما يقارب خمسة أشهر اعتقلت الأجهزة الأمنية بغزة سبعة من منتسبيها ، بعد تورطهم في عملية هجوم على مقر القضاء العسكري غرب مدينة غزة، للاستحواذ على كمية مخدرات مضبوطة من قبل الجهاز تبلغ قيمتها 4 مليون دولار.
حيث أعقب عملية الهجوم واعتقال المهاجمين تصريح على استحياء للحكومة أن قوة الحراسة في مبنى هيئة القضاء العسكري غرب مدينة غزة، لاحظت حركة غير طبيعية لأشخاص مجهولين في محيط المقر، وقد تعاملت القوة معهم وأطلقت النار للسيطرة عليهم، حيث تم ضبطهم، وتشير التحقيقات الأولية مع الموقوفين أن خلفية الحادث جنائية.

"مخبر"
انتشار المخدرات بين الشباب لم يعد الضرر الوحيد الذي يهددهم، فعندما يصبح للفاسد مطلق الحرية في ممارسة فساده مقابل أن يقدم معلومات لمن يوفر له الغطاء ،ويحول بينه وبين قضبان السجن فيتحول الولاء لمن يحميه وليس لمجتمع يعيش بين ناسه.
فبين المساومة والقضبان كان الخيار أمام من يتم ضبطهم في حالات تعاطي واتجار الممنوعات، فمن خاف السجن وعقاب خطأه اختار أن يعمل "مخبراً أو مندوب" لدى أجهزة المكافحة يسلم من يتعامل معهم، مقابل حريته من السجن.
"أمد للأعلام " التقت (م.ب) في منتصف العشرينات، والذي يسمى نفسه " متعاون" مع الأجهزة الأمنية، حيث تم إلقاء القبض عليه منذ ما يقارب 9 شهور على أحد الحواجز " الطيارة " التي تنصبها المكافحة على طريق صلاح الدين وسط القطاع.
يقول (م.ب):" كنت أتعامل مع أحد التجار في جنوب القطاع وأوزع له كميات صغيرة مستغلاً عملي كسائق على خط صلاح الدين، ومنذ ما يقارب 9 شهور وخلال عودتي تم تفتيشي على أحد الحواجز "الطيارة" التي تقيمها المكافحة على طريق صلاح الدين ضمن حملاتها"، مشيراً أن المكافحة اكتشفت ما كان بحوزته أسفل مقعد السائق 3 علب ترمادول ونصف فرش حشيش مقطع وجاهز للتوزيع.
بقيَّ (م.ب) لمدة 3 أيام داخل السجن دون أن يُوضَحَ موقفه أمام القضاء أو القانون ليتم في اليوم الرابع التحقيق معه عن المحرزات التي كانت بحوزته أنكر في بادئ الأمر أن ما في السيارة يخصه ولكن سرعان ما أقر بأنها تخصه بعد أن أخبره المحقق أن هناك إخبارية كانت تفيد أنه يحمل في سيارته الممنوعات.
ليبدأ مسلسل التفاوض والمساومة إما التعاون معهم لتسليم المتعاملين معه والمتعاطين أو الحبس ما لا يقل عن 18 شهر، ليوافق على الفور على التعاون مع جهاز المكافحة وتسليم كل من يتعامل معه.
ويتابع:" فعلاً بدأت العمل من جديد ولكن هذه المرة بغطاء من الأمن نفسه، حيث كانوا يتابعون خطواتي والإخباريات التي أوصلها إليهم أن فلان أو علان ابتاع مني سواء أدوية مخدرة أو حشيش وما أكثرهم نظراً للبطالة والوضع النفسي السيء للشباب "، مشيراً إلى أن المكافحة أخبرته أنه بإمكانه الاحتفاظ بالعائد المالي الذي يتحصل عليه من خلال بيع الممنوعات للزبائن، فهو يرى نفسه يفيد ويستفيد مع العلم أن بعض أسعار الحبوب المخدرة تصل إلى 80 شيكل سعر الحبة الواحدة.
بين التوبة والخوف
(ع.ص) لا يختلف سيناريو انجرافه وراء تجارة الممنوعات عن غيره، حيث تم إلقاء القبض عليه بما يقارب بـ 20 فرش حشيش في خانيونس جنوب القطاع، وتمت محاكمته بالسجن 5 سنوات، ولكن كما يقال " يموت الزمار وايده بتلعب" فبعد أقل من ست شهور على إطلاق سراحه عاد مرة أخرى للاتجار بالممنوعات.
فهو يعمل صياد الأمر الذي سهل عليه جلب الممنوعات للقطاع، ليتكرر الأمر ذاته ويتم اعتقاله ولكن دون أن يكون بحوزته أي ممنوعات، وهذه المرة تمت مساومته العمل مع المكافحة مقابل حريته ولكنه رفض التعاون خوفاً على نفسه من كبار التجار فسوف يكونوا له بالمرصادحسب تعبيره، حيث هناك عدد لا بأس به من التجار ينتمون للعائلات الكبرى في غزة مما يجعلهم " مسنودين " وبدفع مبلغ يفوق أصفاره الأربع خانات من الدولارات فتعتبر المشكلة محلولة.
ومن جديد تستضيفه القضبان بعد أن وجهت له تهمة التعاون مع "داعش " _علماً بأنه لا يربطه أي صلة بداعش _ ليتم سجنه قرابة 10 أشهر ليخرج بعدها، وقد شد أذنيه توبة من أن يعود لأي طريق يجعله مرة أخرى رهن الاعتقال، فالتزم بيته وأقفل بابه على نفسه معلناً عزلته حتى إشعار آخر.
ظاهرة الاتجار بالمخدرات والممنوعات استشرت في غزة وأصبحت تمارس بـ"عين أمنية"، وعلى الرغم من التصريحات التي تطل علينا يومياً "أننا سنجعل غزة خالية من المخدرات، و نحن مع حماية الشباب من الضرر الناتج عنها " إلا أن هناك يد عابثة..
ويبقى التساؤل إلى متى ستبقى اليد العابثة من أجل مصلحتها طليقة، بينما تستغل الشعارات البراقة وعواطف المجتمع لتكسب التعاطف، بينما المجتمع تتهالك أساسته وجذوره بسموم وحصار وعقاب جماعي واحتلال وغيرها من نوائب الدهر التي أنهكت غزة، وهل سيبقى الحل أن يترك كل ما يضيق خناقه البلد أم سنجد من يتجرأ ليقلب الطاولة على الأيدي التي تلعب تحتها .