"حركة الجعجعة الوطنية الفلسطينية"!
تاريخ النشر : 2019-02-19 10:37

كتب حسن عصفور/ تصيب الفلسطيني، أي كان وأينما كان، حالة من الدهشة العجيبة مع سماعه اليومي "حركة التهديد الثوري" لتدفيع دولة الكيان "ثمنا غير مسبوق"، وأنها ستعلم يقينا ان جرائمها لن تمر دون عقاب، وأن أي مساس بمقدس ديني أو سياسي ستفتح عليها أبواب جهنم.

وللتأكيد، فـ "حركة التهديد الثوري" لا ترتبط بفصيل كبر حجمه أم صغر، يسراوي أو يميني، علماني أو إسلاموي، فكلها دون استثناء باتت ذات القياس، وعل الظاهرة "الوحدوية الوحيدة" القائمة في المشهد الانقسامي تلك الظاهرة الصوتية العجيبة، التي أصبحت مسيطرة على الحالة السياسية العامة.

كما ان دولا وكيانات غير فلسطينية اخذت تعيش في حالة "التهديد الثوري جدا"، بل فاقت بعضا مما هو فلسطيني، حيث أعلنت أنها ستمحو "الكيان" من الخارطة الجغرافية لو قام باي عمل ضدها.

وكي لا نرهق الذات كثيرا في البحث والتحليل عن حقيقة نشوء "حركة التهديد الثوري" وسعة انتشارها، فالأقدمون قالوها بحكمة لن تزول، "اللي بيكبر حجره ما بيضرب ابدا"، قول لم يأت من فراغ بل نتاج تراكم تاريخي لتلك المظاهر من الصوت العالي والدعاء بما ليس به أو له.

منذ سنوات طويلة والوضع الفلسطيني ينحدر الى أسفل طرديا مع نمو حركة الجريمة السياسية للكيان الإسرائيلي، وأن دولة الاحتلال تعيش "زمنا خاصا" من قهر المشروع الوطني الفلسطيني، لترسم ملامح مشروعها "التهويدي" في فلسطين التاريخية، وبدأت تبرز عمليا الى الخريطة الجغرافية "الفكرة الصهيونية" لبناء ما اسموه دوما بـ دولة يهودية" فوق أرض فلسطين، في ترسيخ للمشروع التوراتي، الذي لم يعد فكرة وقولا ومشروعا بل أخذ بالحضور داخل الضفة الغربية، قبل إسرائيل، ولذا جاء إقرار ما عرف بـ "قانون القومية" نتاج عملي لتطور إقامة "كيان توراتي ما" فوق أراضي الضفة والقدس.

وبعيدا عن سرد ملامح "المنجزات التاريخية" للحركة الصهيونية وأداتها الكيان الإسرائيلي، فما كان في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ صعود ترامب الى سدة الحكم، نجد قفزات قاتلة اصابت القضية الفلسطينية خاصة في ملفات القدس واللاجئين وأرض الدولة الفلسطينية المقترحة، الى جانب جرائم حرب لم تعد مقتصرة على الانسان بل طالت كل مظاهر الحياة الإنسانية والسياسية – الاقتصادية، جرائم بلا توقف في الضفة والقطاع والقدس.

ولكن لم تدفع دولة الكيان، أي ثمن حقيقي يمكن أن يجبرها لتطبيق الشعار الذي أطلقته يوما "الدعاية الصهيونية" نحو العرب "قف وفكر"، ولعل المرة التي وقفت عندها وفكرت جاء نتاج الانتفاضة الوطنية الكبرى من أواخر 87 الى 93 عندما وقعت اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير، لكن وقفتها لم تطل كثيرا، حيث انتفضت "الحركة اليمينية والصهيونية في إسرائيل والعالم بما فيها الأمريكية للخلاص من تلك "الخطيئة التاريخية"، التي أقدم عليها اسحق رابين، فقرروا انهاء "الانحناءة الفكرية السياسية" والخلاص منه الى الأبد، والعودة لجوهر الفكرة التوراتية.

وبعد أطول مواجهة عسكرية وشعبية مع إسرائيل بقيادة الخالد الشهيد المؤسس ياسر عرفات من 2000 الى 2004 حتى اغتياله، بدلا من تحقيق مكاسب تاريخية تليق بحجم المعركة وأثرها واستشهاد زعيمها، حدث عكسه تماما، فبدا الانهيار التاريخي للحركة الوطنية والقضية الفلسطينية، فخلال 15 عاما حققت الحركة الصهيونية ما كان "حلما" ليصبح واقعا قائما أوشك على الإعلان الرسمي.

يوم 18 فبراير أقدمت حكومة نتنياهو على منع تحويل 138 مليون دولار من أموال فلسطينية هي حق وليس منحة او هبة، وكان المتوقع أن تنتفض قيادة سلطة رام الله وفقا لما أعلنته قبل القيام بالخطوة، وخرج البعض يعلن ان "كل الخيارات مفتوحة" مع إسرائيل ومنها تطبيق قرارات المجالس الرسمية المعتقلة في سجن عباس الخاص.

ولأن إسرائيل أكثر علما بحقيقة هذا المكون المسمى "سلطة عباس"، فهي لم تعلق بكلمة واحدة على شكل "التهديد الثوري الجديد"، وكأنه صدى لصوت من ماض كانت تحسب له حسابا وقفت وفكرت عند كل صرخة منه.

من المفارقات التي تثير السخرية السياسية ان تجتمع مركزية فتح "م7"، لتحدد ردها على الاهانات المتلاحقة بأن وضعت كل المسالة ردا وفعلا وحركة كـ "وديعة" في بنك عباس السياسي، الذي قرر مسبقا وبساعات أنه لن يذهب الى "أي مواجهة" مع إسرائيل كان ما كان، فيما خرجت "فصائل قطاع غزة" لتكتب من الأوصاف التي تنتظر حكومة نتنياهو كما لم يكتب من قبل.

"حركة الجعجعة الوطنية الفلسطينية" تتسع في كل الاتجاهات، دون أن تترك أثرا في دولة الكيان، لكنها تصيب الفلسطيني بحالة قرف غير مسبوق، الى متى يستمر ذلك، تلك هي المسالة التي تستحق التفكير!

ملاحظة: منذ أيام فتح الباب لأشكال شتم ولطم للمطبعين، كان الشتم حقا وطنيا ام مأجورا بمال قطري، وفجأة تعلن قناة "الجزيرة"، التي تعتبرها حماس ومن لف لفها بأنها "قناة مقاومة"، لتمنح إسرائيل "حق الرد" لوصف كيف تقتل الفلسطيني...بالكوا حماس ممكن تعزل!

تنويه خاص: أخف دم قرار ان تعلن فتح "تيار عباس" مقاطعتها لأي لقاء لا يعترف بمنظمة التحرير...طيب يا عباقرة آخر زمن هل عباس يعترف بها أصلا...ما تتعبوا بحثا عن جواب: لا وكبيرة جدا كمان!