الشبل الفلسطيني الذي أصبح ماردًا
تاريخ النشر : 2019-02-19 17:35

تهدف هذه المقالة لتسليط الضوء على قائد فلسطيني وقف بوجه إدارات السجون الإسرائيلية، الأسير نضال دغلس الذي اعتقل وهو في ريعان شبابه وكان من أهم الأسرى صغيري السن ولكن كبيري المواقف، ومن ثم أصبح من كبار المسؤولين في قيادة السجون. ولد دغلس في قرية برقة قضاء نابلس في 22آب/أغسطس1980، ودرس المراحل الإبتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس القرية، ومنذ صغره وهو نشيط ويشارك في الأعمال الوطنية والتطوعية في قريته فهو من الأشبال الذي يسري حب الوطن في دمائهم، فلم يبخل يومًا في تقديم كل ما يملك من طاقة وتضحية من أجل الوطن.
وبعدما أنهى دغلس دراسته الثانوية التحق بجامعة القدس المفتوحة ودرس إدارة أعمال، إلا أنه لم يكمل مسيرته التعليمية بسبب الاعتقال، وكان قد التحق بجهاز الشرطة الخاصة الفلسطينية وكان مميزًا ومحبوبًا من قبل قادته وزملائه في الجهاز. ومع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، التحق مباشرة في المجموعات المسلحة للجبهة الشعبية التي قاومت الاحتلال بكل قوة، مما أدى لاعتقاله في 2كانون أول/ديسمبر 2001، وحكم عليه الاحتلال في 28حزيران/يونيو2003 بتسع عشر سنة وقد أمضى منها مايقارب ثمانية عشر سنة، وهو مازال شامخًا وصامدًا بوجه السجان. لقد شكل دغلس داخل السجون نموذجًا يحتذى به، فعلى الرغم من صغر سنه إلا أنه كان ومازال من قادة السجون وأحد أعضاء قيادة فرع الجبهة في السجون، فهذا الشبل المثقف وصاحب الخلق الرفيع والحس الأمني القوي الذي أرهب السجان وأجهزته وعملائه في السجون، فأصبح السجان يستهدفه بكل الوسائل ليثنيه عن مواصلة طريقه وكسر إرادته الفولاذية، إلا أنه عجزعن النيل منه ومن معنوياته وكل ذلك عائد لقوته وقناعته ومحبة رفاقه.
فدغلس لم يمنعه السجن والسجان من مزاولة دوره الريادي في الدفاع عن مطالب الأسرى وقضيتهم وحقوقهم وحماية أمنهم من أي عابث ومفسد، وشكل نموذجًا في الوحدة الوطنية الحقيقية في السجون فدوره لم ينقطع في تقريب وجهات النظر وحل كل الخلافات تحت راية الحركة الأسيرة توحدنا والوطن أسمى من كل الخلافات.
إن الكتابة عن هذا الشبل الذي أصبح اليوم شابًا كبيرًا وماردًا لايمكن أن تنصفه، فمهما كتبنا من كلمات وسطور لايمكن أن نعطيه حقه.واليوم يتبقى لدغلس سنة ونصف قادمة جديدة من محكوكيته ليحصل على حريته، وخلال هذه السنوات العجاف توفيت والدته في الأول من نيسان/ أبريل2003، التي كانت تنتظر أن تحضنه ولكن القدر كان أقوى من أمنياتها. وتوفي والده "أبو نضال" في 3أيار/مايو 2015، ومازال نضال واقفًا شامخًا في السجون.
حقيقة ليست بها أي مجافاة أن هذا الشبل هو نموذج وطني رصين، وهو شاب دمث الأخلاق وصاحب رؤية ثاقبة، صلب وعنيد، وأنا أذكره في قريتي وهو من خيرة الأشبال ففي عام 2000 حمل السلاح في وجه الاحتلال ومستوطنيه وكان من أوائل أفراد الأجهزة الأمنية الذين جسدوا عقيدة حماية الوطن والدفاع عن المواطن وجسدوا نظرية السلاح من أجل دحر الاحتلال. فعلى هذا الأساس رفع السلاح في وجه الاحتلال وهو اليوم يكمل مشواره الطويل ويقف بكل قوة في وجه السجان وأجهزة الاحتلال وكل أعوانه في السجون ماردًا مدافعًا عن الأسرى.
لقد عمل دغلس في السجون على تطوير نفسه ورفاقه من نواح متعددة ثقافية وأمنية وأكاديمية، حتى أصبح ممثلًا للأسرى وعضو القيادة المركزية للحركة الأسيرة. ولم يتوان عن دفع فاتورة المسؤولية والإنتماء والقيادة، فكانت إدارة مصلحة السجون وأجهزتها الأمنية دومًا تضعه في مقدمة الأسرى المعاقبين والمستهدفين فتم عزله في الزنازين الانفرادية عدة مرات، رغم ذلك كان دائما يخرج منتصرا على السجان ويجدد قيادته الحكيمة للحركة الأسيرة. ولم يتوان عن الوقوف مع زملائه الأسرى بكل الوسائل والسبل فشارك دغلس بكل الاضرابات عن الطعام التي حصلت في السجون على مدار سنوات اعتقاله، وشكل نموذجًا في الاضرابات بصبره وقدرته على التحمل، فدغلس بعد سبعة عشر سنة من الاعتقال التقى باخيه الصغير أمير في سجن مجدو وكان اللقاء الأول بعد هذا الزمن، وبعدها حكم على أخيه أمير بسنة ونصف وأفرج عنه في شباط/نوفمبر 2019 من سجن ريمون، تاركًا نضال يواجه السجان.
فدغلس يعد نموجًا من عشرات النماذج في السجون الإسرائيلية الذين رغم القهر والظلم والزنزانة حصلوا على أعلى المراتب الثقافية والشهادات الجامعية فقد أنهى درجة البكالوريوس تخصص إدارة أعمال من جامعة القدس المفتوحة وهو في السجن واليوم يشارف على إنهاء درجة الماجستير في الدراسات الإسرائيلية. فقد شكل هو والأسرى بقناعاتهم وإيمانهم مدرسة ثورية لتعليم الصبر والصمود والتحدي، وأصبحت إدارة السجون وأجهزة دولة الاحتلال الأمنية تحسب لهم ألف حساب وتحاصرهم وتستهدفهم وتقمعهم وتعزلهم لظنها أنها تقتل من خلالهم إرادة وعزيمة الأسرى، إلا أن قناعتهم بعدالة قضيتهم هي المتراس الذي يحتمي به هؤلاء القادة الأبطال، فالحرية للقائد المارد الصامد دغلس ولكل الأسرى.
*كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية.