فلسطين: ما بين طعنة مؤتمر وارسو .. وإخفاق الفصائل في موسكو ..!
تاريخ النشر : 2019-02-20 13:36

تحت هذا العنوان أعلاه كانت أمسيتنا الثقافية ليوم الخميس 14 /2 /2019م، حيث شهد الأسبوع المنصرم حدثين مهمين يتعلقان بفلسطين وقضيتها، الحدث الأول وهو دعوة روسيا الفصائل الفلسطينية الرئيسية للقاء والتحاور في موسكو يومي 11/ 12 / فبراير الجاري تحت رعاية وزير الخارجية الروسية لافروف وقد شارك في ذلك اللقاء إثنتي عشر فصيلا وحزباً فلسطينياً وفي مقدمتهم حركتي فتح وحماس واللتان تمثلان الثقل الأساسي بين مختلف الفصائل، وذلك بهدف إيجاد التوافق بين هذه الفصائل والمساعدة في تقريب وجهات النظر من أجل إنهاء الإنقسام الذي مضى عليه إثني عشرة سنة، وتوحيد الموقف الفلسطيني من مجمل القضايا التي تهم الشأن الفلسطيني ومواجهة الإحتلال الإسرائيلي والموقف الأمريكي من عملية السلام، بموقف فلسطيني واحداً وموحداً ..الخ.

والحدث الثاني والخطير هو مؤتمر وارسو الذي دعت إليه الإدارة الأمريكية وبولندا .. تحت عنوان (تشجيع الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط) معتبرا أن الخطر الأكبر على الأمن والإستقرار في المنطقة تمثله إيران، متناسياً ما يمثله إستمرار الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتغييب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني منذ سبعين عاما، وتحديه للإرادة الدولية وعدم الإنصياع لقرارات الأمم المتحدة بشأنه، وكأن المستعمرة الإسرائيلية فوق القانون الدولي وفوق قرارات الشرعية الدولية، وذلك بدعم وتأييد من الولايات المتحدة التي ما زالت تواصل إنحيازها وبشكل سافر لصالح هذه المستعمرة العنصرية والتي تواصل إرهابها للشعب الفلسطيني والشعوب العربية وتواصل إحتلالها غير المشروع لفلسطين ولأراضي عربية أخرى في لبنان وسوريا ..

وقد افتتحت الأمسية بتلاوة الفاتحة على أرواح شهداء الشعب الفلسطيني لتوافق عقدها مع الذكرى الواحدة والثلاثون لإستشهاد ثلاثة من فرسان الكفاح الوطني الفلسطيني (الشهداء الثلاثة وهم: حمدي وأبو حسن ومروان كيالي) يوم 14 / 2/ 1987م في لارنكا العاصمة القبرصية في عملية إغتيال نفذتها عصابات الموساد الإسرائيلية بتفجير السيارة التي كانوا يستقلونها في ذلك اليوم، وما هذه العملية الإرهابية إلا نموذجا على الإرهاب الصهيوني المستمر والمتواصل منذ نشأة المستعمرة الإسرائيلية على أرض فلسطين وإلى اليوم دون رادع يردعها ..

وقد تحدث في مستهل الأمسية الدكتور عبد الرحيم جاموس موضحاً غايات وأهداف كل من اللقائين أو المؤتمرين وأثرهما على فلسطين الأرض والشعب والقضية، فأوضح أن الدعوة الروسية للفصائل الفلسطينية تأتي كمحاولة وجهد مشكور من الدولة الروسية لتقريب وجهات النظر وصولاً إلى توحيد الموقف الفلسطيني سعياً لإنهاء الإنقسام، حفاظاً على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الحرية والإستقلال وإنهاء الإحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م وعاصمتها القدس، كي يمثل هذا الموقف الموحد رداً على المحاولات الأمريكية الإسرائيلية الجارية والهادفة إلى تجاوز هذه الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وفرض حلول لا ترتقي إلى هذه المطالب وتصفية القضية الفلسطينية ومكافئة المستعمرة الإسرائيلية في مؤتمر وارسو بتأهيلها لتطبيع علاقاتها مع الدول العربية ودمجها في نظام الشرق الأوسط، وفك العزلة الدولية عنها دون إرضاخها وإلزامها لقواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

وقال د. جاموس أن هذا هو الغاية الحقيقية من تنظيم الدعوة لمؤتمر وارسو الذي يمثل طعنة نجلاء للشعب الفلسطيني وقضيته .. خصوصاً أن هذا المؤتمر قد حضره وزراء خارجية عشر دول عربية إلى جانب (رئيس وزراء حكومة المستعمرة نتنياهو) الذي اعتبر نجم المؤتمر لما أسداه هذا المؤتمر من خدمة لأهداف المستعمرة الإسرائيلية في أولاً: تطبيع علاقاتها مع بعض الدول العربية حيث عقد فيه لقاءات مباشرة مع بعض المسؤولين العرب، ثانياً: في إعتبار المؤتمر أن الخطر الرئيسي الذي يهدد الأمن والإستقرار في المنطقة هو الدور الإيراني متناسياً أثر الإرهاب والإحتلال الإسرائيلي الذي يتعرض إليه الشعب الفلسطيني في إشاعة عدم الإستقرار ومواصلة إرهاب الدولة، ثالثاً: إعتبار المستعمرة الإسرائيلية شريكاً أساسياً لدول المنطقة في مواجهة الخطر الإيراني، ومواجهة الإرهاب متناسياً أنها هي منبع الإرهاب الحقيقي في المنطقة والمغذي الأساسي لإستمراره ..

هذا إضافة إلى مشاركة العشرات من الدول الأخرى والتي وصلت إلى تسع وسبعون دولة.

وقد بين د. جاموس في كلمته خطورة هذا المؤتمر وما سيتبعه من تسويق للرؤيا الأمريكية في شأن تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما يسمى (بصفقة القرن) التي تولى صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر ونائب الرئيس مايك بنس التسويق إليها، والتي باتت مقدماتها من خلال المواقف والإجراءات التي إتخذتها الإدارة الأمريكية في حق الشعب الفلسطينية وسلطته وفي حق ممثله الشرعي والوحيد وتجاوز مبادئ عملية السلام في تقرير مصير الأراضي المحتلة الفلسطينية ومستقبل السيادة الوطنية الفلسطينية بحل لا يرتقي بأي حال من الأحوال إلى المطالب الفلسطينية المشروعة، وهذا ما يمثل طعنة للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية ومكافئة للإحتلال والإستيطان والإرهاب الصهيوني، ونسفاً لمبادرة السلام العربية التي تحظى بتأييد المجتمع الدولي.

إن خطورة مؤتمر وارسو تكمن في تهميش الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وإستبدالها بالخطر الإيراني وإعتبار إيران العدو الأول للدول العربية والسعي إلى إقامة حلف عربي دولي تكون المستعمرة الإسرائيلية حجر الأساس فيه لمواجهة سياسات إيران الساعية إلى عدم الإستقرار في المنطقة، لكن الشيء الإيجابي الذي ظهر هو عدم التوافق بين دول أوروبا من جهة وأمريكا من جهة ثانية في ما سعت إليه الولايات المتحدة من هذا المؤتمر، حيث كان تمثيل الدول الأوروبية متدن للدلالة على عدم توافقها مع توجهات الإدارة الأمريكية سواء فيما يتعلق بالموضوع الإيراني من حيث فرض العقوبات على إيران وإعادة النظر في الإتفاق النووي الإيراني لعام 2015م، كما هو الحال بالنسبة لعملية السلام الفلسطيني الإسرائيلي، حيث تلتزم دول أوروبا ومعها الدول العربية بمبدأ حل الدولتين وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وإعتبار القدس الشرقية أراضي محتلة ينطبق عليها القرار 242 لمجلس الأمن شأنها شأن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة في غزة والضفة الغربية كذلك فيما يتعلق بالإستيطان وإعتباره غير شرعي، إضافة إلى الموقف من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا وما تمثله من إثبات لحق العودة للاجئين الفلسطينيين، ولذا فقد أحسنت م.ت.ف والسلطة الفلسطينية رفضها المشاركة في هذا المؤتمر وتحذيرها للدول الشقيقة والصديقة من الإنصياع للرؤيا الأمريكية بشأن إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والعمل على تثبيت رؤيا حل الدولتين على أساس قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ..

وقد كان الرد الفلسطيني على توجهات هذا المؤتمر من خلال لقاء موسكو الذي أكدت فيه كافة الفصائل الفلسطينية رفضها لصفقة القرن الأمريكية وما حظي به هذا الموقف الرافض من دعم روسيا الإتحادية التي أكدت على دعمها لمطالب الشعب الفلسطيني من جهة وتشكيكها بقدرة الولايات المتحدة على رعاية عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية بشكل منفرد مؤكدة ضرورة إحترام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بهذا الشأن وإشراك القوى الدولية الفاعلة بجانب الأمم المتحدة في إقرار ورعاية عملية السلام.

وخلص د. جاموس في حديثه إلى خطورة المرحلة والتحديات الجسام التي تواجه الشعب الفلسطيني وقضيته تحتم إرتقاء فصائل العمل الوطني إلى مستوى تلك التحديات، وذلك من خلال تسريع إنهاء حالة الإنقسام وتوحيد السلطة الفلسطينية من خلال تنفيذ الإتفاقات الموقعة بهذا الشأن، وتمكين الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة لإجراء الإنتخابات التشريعية والرئاسية والوطنية في أسرع وقت ممكن وذلك ما يمثل الرد العملي على مشاريع التصفية الأمريكية الإسرائيلية للقضية الفلسطينية ..

مؤكداً على الدول العربية ضرورة عدم الإنسياق وراء التوجهات الأمريكية في تصفية وتهميش القضية الفلسطينية وضرورة تمسكها بمبادرة السلام العربية ورفض المواقف والإجراءات الأمريكية التي تنتقص منها من جهة وعدم تطبيع علاقاتها مع المستعمرة الإسرائيلية قبل تخليها عن إحتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية وتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة من جهة أخرى.

وبعد ذلك أعطيت الكلمة للأستاذ حسني المشهور والذي تقدم بورقة كانت على النحو الآتي:

إضافة إلى ما عرضه وأفاض في وصفه أخي د. عبدالرحيم في هذا الموضوع فما سأعرضه يتناول الموضوع في إطاره الأشمل بحكم الشمول لقضيتنا الفلسطينية كونها نشأت من الأساس كقضية دولية تتشابك خيوطها وتنتشر على وجه هذا العالم بكل دوله وحجم التقاطع في علاقاتها ، وبحكم ما اعتقد بصوابيته ، ووفقا لتناول وتعامل حركة فتح ومنظمة التحرير كحامل للعنوان ولشرعية التمثيل لفلسطين شعبا وقضية ورواية ومشروعاً .


بداية أود الإشارة بأن كل من مؤتمر وارسو ولقاء موسكو وغيرها من المؤتمرات التي نراها تنعقد الآن وسنراها تنعقد في الأيام القادمة ليست سوى تفاصيل من عملية أكثر شمولاً واتساعا تتعلق بترتيب أوضاع المنطقة نتيجة الخروج من عالم أحادي القطبية والهيمنة والبلطجة والتحول إلى عالم جديد متعدد القوى والأقطاب يقوم على احترام حقوق الشعوب والقوانين والشرعية الدولية، هذا التحوّل الذي أقرَّت به جميع الدول وفي مقدمتهم الولايات المتحدة التي مثّلت الأحادية القطبية والهيمنة على قرار العالم طوال العقدين المنصرمين بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ، وهي تسعى الآن لتقليل خسائرها في هذا التحول بتثبيت ما يمكن تثبيته من مناطق النفوذ ، والتأسيس لجبهة للحرب الباردة في مواجهة القطبين الجديدين روسيا والصين تحديداً كونها تصنفهما التهديد للحضارة والقيم الغربية وفقا لاستراتيجية تغيير الاتجاه التي اعتمدتها أمريكا والغرب منذ 2008 .


ــ في مؤتمر وارسو ورغم ما رأيناه من البعض في مواقف مخزية وإهانة وتحقير للذات أدانها ورفضها مواطنيهم ... فليس التهديد الأمريكي والتهويل بالخطر الإيراني سوى فزّاعة لابتزاز الدول والثروات العربية وجرّها لتجعل من أبنائها أكياس رمل لحصونها وحطباً تحرقه في وجه روسيا والصين وفقا لنفس الاستراتيجية وليس لدعم الدول العربية في مواجهة التهديدات والسلوك الإيراني ضد الكثير من الدول العربية ، كما يستخدم ساسة إسرائيل هذه الفزّاعة الإيرانية في معاركها الانتخابية ولصرف النظر وحرف البوصلة عن قضيتنا الفلسطينية وحقوق شعبنا وابتزازاً لدولنا العربية عامة وفي الخليج العربي خاصة ...


ــ وواهم من يعتقد بأن أميركا صادقة في عدائها لإيران وأن إيران صادقة في عدائها لأمريكا وهما اللتان تشاركتا مناصفة بالقوات في غزو العراق ، وتعاونتا معا في غزو أفغانستان ... ونصّبتا في جنوب لبنان وقطاع غزة قوى أصبحت في طريقها للحيلولة دون إدامة الاشتباك اليومي مع الاحتلال وقطع التواصل في العبور المتبادل للفلسطينيين ومؤيديهم في داخل الوطن وخارجه والتثبيت لحالة من اللاحرب واللاسلم التي حذّر منها الشهيد كمال عدوان وعملت بها حركة فتح منذ الانطلاقة لأنها حالة لا تخدم إلا استمرار الاحتلال واستقرار المستوطنين .


وللتعامل مع واقع اليوم ووفقا لما تعودناه من نهج حركة فتح وسلوكها كطليعة مبادرة في رؤيتها للواقع كما هو بمعيقاته ومحفّزاته وتستنبط الأدوات والوسائل لعمل ما الذي يتوجب عمله والرد به لنصل إلى الواقع الذي تريده ويريده شعبنا... ودعونا نستعرض بسرعه وبإيجاز لهذا الواقع دولياً وإقليمياً ومحلياً:


ــ الواقع والرد دولياً :

نرى الموقف الأمريكي بإدارة ترامب وسياساتها العدائية ضدنا والمتبنّية للموقف الإسرائيلي بل وتبدو أكثر إمعاناً في عدائها لقضيتنا وحقوقنا ، ونرى السياسة الإسرائيلية توغل فينا وفي أرضنا قتلاً واستلابا وتهويداً ... ولكن في نفس الوقت نرى ومضات ومواقف إيجابية تتنامى متضامنة مع قضيتنا وحقوقنا ومحفّزة لنا على امتداد الساحة الأمريكية ، ونرى كيف أصبحنا جزءاً في صلب السياسة الداخلية الأمريكية ، ونرى أن إسرائيل لم تعد موضع إجماع للأمريكيين ساسة ومواطنين كما كانت وكيف أصبحت موضع انقسام.... وردنا على هذا السلوك الأمريكي الإسرائيلي بتكثيف التواصل مع الجهات التي تتولى كشف أخطاء وخطايا هذا السلوك لتعميق العزل لهما وترسيخ عدالة حقوقنا في عقول وذاكرة الأمريكيين والإسرائيليين خصوصا جيل الشباب منهم.


ــ ودولياً : نرى المواقف الروسية والصينية ومواقف القمم والتجمعات القارّية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية والاتحاد الأوروبي والمنظمات الإقليمية المتضامنة معنا والمساندة لمواقفنا في المحافل الدولية من منطلق التزامها بالقوانين والشرعية الدولية رغم التذبذب في مواقف بعضها تجاهنا وتجاه إسرائيل (كندا ــ استراليا ــ البرازيل ــ بعض دول إفريقيا وشرق أوروبا) ... وردنا يكون بجعل الشعوب وجهات صنع القرار في هذه الدول أكثر إحاطة بتفاصيل الجرائم والمعاناة اليومية لأبناء شعبنا وأرضنا من الممارسات والسلوك الأمريكي الإسرائيلي ضدنا والضغط على القادرين من دولنا لمخاطبة دول المواقف المترددة بمصالحها و أكثر اقتراباً من قضيتنا.


ــ الواقع والرد عربياً وإسلامياً :

نرى واقع الاقتتال والصراعات البينية والضعف والتردي الذي ينتاب هذه الدول خصوصاً تلك التي تعرضت وتتعرض لموجات التخريب والقتل تحت شعارات تغيير أنظمتها للإصلاح ونشر الديمقراطية ، وحجم الانشغال لشعوب هذه الدول بهمومها اليومية تحت وطأة الاقتتال والتشريد ، وما رأيناه من المخازي في لقاءات وارسو وغيرها في سعي لبعض الحكومات لحماية نفسها وكيف تقدّم تناقضاتها الثانوية على التناقض الرئيسي لأمتنا العربية والإسلامية لدرجة لجوء بعض هذه الدول لعدونا وعدوها الأساسي طلباً للمساندة والحماية رغم كل الابتزاز الذي يمارسه هذا العدو عليها ... ولكن في نفس الوقت نرى هذه الومضات الإيجابية من المواقف لشعوب ومعظم رموز بلداننا العربية والإسلامية ومواقفها المتضامنة والداعمة لفلسطين رافضة وكابحة لأصوات وسلوك الراغبين في الهرولة تجاه إسرائيل وما يرتكبونه من المخازي وإهانة الذات ، ونرى أثر هذه الومضات في سلسلة من المواقف الرسمية المعلنة في كل القمم والمنابر العربية والإسلامية والدولية وسهولة استصدار كل القرارات التي تصيغها وفود فلسطين .... وردنا يكون بتكثيف المتابعة والتحريض طلباً للمزيد من المواقف المساندة والكابحة لحركة وسلوك من يدفعهم عجزهم لإذلال وتحقير ذاته تزلّفاً لعدونا وعدوه .


ــ الواقع والرد فلسطينيا وهو الأهم وبيت القصيد :

نرى واقع الانقسام الرأسي بين مواقف القوى المؤثرة ، ونرى أطرافاً منه تقدم مصلحة فصيلها أو حزبها فوق مصلحة الوطن ، وأفراداً في هذه الفصائل والأحزاب وإن كانوا قلّة ترى مصلحتها فوق مصلحة فصيلها أو حزبها وفوق مصلحة الوطن ، ونرى الصوت العالي لمن لا يجيد إلا التذمّر والنواح والشتائم، ونرى قلة الفعل لمن يعلنون امتلاكهم سلاحاً يقولون أنه للمقاومة ولكنهم أصبحوا يكتفون بتوظيفه لردات الفعل وما يصطلحون عليه غباءً بتوازن الرعب غافلين أنهم بذلك يكرّسون حالة من اللاحرب واللاسلم التي لا تخدم إلا استدامة الاحتلال خصوصاً ونحن نراهم يساومون الاحتلال على وسائل إدامة حالة الاشتباك اليومية معه بمنع بالونات وطائرات الأطفال تارة وإطلاقها تارة أخرى ، وفي حركة فتح نرى البعض ممن اعتقدوا أن حركة فتح هي ما شاهدوه من بعض الموظفين المحسوبين عليها بعد أوسلوا وقد أخذتهم حالة من القنوط والتحسّر على أيامٍ خلت والتخوّف من أيام قادمة إن إصبحت حركة فتح على صورة هؤلاء ، وفي الواقع الفلسطيني نرى التعتيم والتبخيس من مراكمة لإنجازات على الصعيد السياسي والقانوني يحقهها بصمت اوفياء للقسم وللعهد ، ونرى المحاولات المستميتة لإقامة كيانات موازية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، ومحاولات الإسقاط لصفة تمثيلها لشعبنا كحاملة لعنوانه ولمشروعه الوطني الفلسطيني ، وفي نفس الوقت نرى أن الهم الأكبر لأهلنا كل أهلنا هو الخلاص من الاحتلال مهما كانت السبل لهذا الخلاص في إطار ثوابته الوطنية ... وأخيرا رأينا مهزلة اختلاق الأعذار في لقاء موسكو للتهرب من صياغة سقفا سياسيا يساعد أصدقاء ومساندي شعبنا في مواجهة محاولات طمس حقوقه ، ولا يدركون كيف نحافظ على صياغة المهمات لبناء دولة والمهمات لاستكمال بقية البرامج لحركة التحرر الوطني ... وما هذه المهازل إلا استجابة لتعليمات ممولين يريدوننا سلعة لمشاريعهم وماءً يغتسلون به من نجاساتهم وخطاياهم التي ارتكبوها ويرتكبونها بحق شعوبهم وبحقنا...


أمام هذا الواقع والوضع الراهن عندنا كما تراه حركة فتح ومن معها من أصحاب الإرادة تحت سقف م ت ف فما هو ردها عليه لتنقله إلى الواقع الذي تريده ويريده شعبنا في هذه المرحلة المفصلية وللإجابة عن هذا السؤال نقول :


أولاً : إن حركة فتح في فكرتها ونشأتها هي طليعة مبادرة تنتشر بين جماهير شعبنا وتلتحم معه للنهوض به ليراكم إنجازاته على طريق حريته ، وإذا مرّت عتامة واختلطت الرؤيا تتقدم هذه الطليعة لتستطلع الطريق محتفظة بمسافة لا تسمح لأي إنزال معادي يقطع صلتها بجماهيرها وتتابع مهمتها مهما كانت الصعاب حتى تؤمن المسيرة ، وهي في الوقت الذي عملت وتعمل على تعزيز وثبات أهلنا على أرضهم تواصل العمل على هدفنا المرحلي بقيام دولتنا المستقلة وبخطوات لا تغلق المنافذ الأمنة لأجيالنا القادمة إلى هدفنا النهائي .


ثانياً : سنرى عمل م ت ف وحركة فتح على تحصين المؤسسات السيادية والرئاسية للحيلولة دون حدوث فراغ سياسي وتشريعي وأمني ينفذ منه دعاة الفوضى والمراهنين على غياب الرئيس الفلسطيني اغتيالاً أو وفاة طبيعية ، أو فراغاً تنفيذياً بانتقاص نصاب اجتماعات اللجنة التنفيذية ، أو فراغاُ تشريعياً بانتقاص نصاب اجتماعات المجلسين الوطني والمركزي ، أو فراغاً أمنياً باختراق المؤسسات الأمنية والعسكرية.


ثالثاُ : سنرى عمل م ت ف وحركة فتح في متابعة العمل لمزيد من العزل والحصار للسياسات الإسرائيلية ، وكل من تتقاطع سياساته ومواقفه معها من الفلسطينيين وغيرهم.


رابعاً : وسنرى عمل م ت ف وحركة فتح في إنجاز الانتخابات بمن يراها طريقاً للخروج من حالة الاستلاب والاستكانة وليقول أبناء شعبنا وهم أصحاب القرار والسلطة والسيادة الحقيقية ليضعوا من يدّعون تمثيله كلٌ في مكانة ووزنه بينهم.


خامساً: أن م ت ف وحركة فتح لن تخجل من القول لمن يقولون أن سلاحهم وصواريخهم لحماية الشعب الفلسطيني بأن الصيادين والمزارعين في قطاع غزة الذين يقتلهم جنود الاحتلال كل يوم هم من أبناء الشعب الفلسطيني ... ومن القول أننا لسنا بحاجة لسلاح ردات الفعل الذي لا يعمل إلا للحيلولة دون إدامة حالة الاشتباك اليومي مع الاحتلال ولو في أدنى حالاتها ولتثبيت حالة اللاحرب واللاسلم وهي الحالة التي رفضناها منذ الانطلاقة وكان إصرارنا على إدامة حالة الاشتباك مع الاحتلال ولو بأدنى أشكالها ومهما كانت قسوة الظروف.


وأخيرا ورداً على المواقف والأعذار المخزية وكل محاولات التهرب من تشكيل موقف فلسطيني موحد التي رأيناها في لقاء موسكو وتمهيداً للخروج من الانقسام والاستعداد لما هو قادم من صراع الفيَلَة لرسم المعالم النهائية للعالم الجديد المتعدد الأقطاب والقوى ، ولتثبيت وجودنا وطنا وشعبا على خرائطه فإن حركة فتح طائر الفينيق الفلسطيني والتي أجادت وتجيدالتحليق ولو بجناح قادرة على هذا التحليق ومعها كل صاحب إرادة وانتماء للوطن ... فعلت ذلك في الانطلاقة الأولى والثانية ... وفعلتها في الكرامة ... وفعلتها في الدفاع عن استقلالية القرار الوطني الفلسطيني ... وفعلتها في حصار بيروت ... وفعلتها في العبور إلى الوطن وكانت جماهير شعبنا تلحقها وتلتحم بها في كل مرة ... وسنراها في قادم الأيام تعيد التحليق ومعها كل أصحاب الإرادة مرة أخرى ولو بجناح ... وكعادته سيلحق بها شعبنا لأنه يرى في تحليقها طريقاً لخلاصه من الاحتلال ومن الأضاليل لأدعياء الطهارة الوطنية والدينية.


وبعد ذلك فتح الحوار والنقاش مع الأخوة الحضور حيث أدلى الجميع برأيه مؤكدين على التمسك بوحدة الموقف الفلسطيني في رفض صفقة القرن وضرورة إنهاء الإنقسام في أسرع وقت ممكن حيث إنتقد الجميع الفصائل التي رفضت التوقيع على بيان مشترك يصدر عن لقاء موسكو لما فيه من إضعاف للموقف الفلسطيني وإحراج للدولة المضيفة للقاء لأن بعض الفصائل لا زالت لا تستشعر درجة الخطر المحدقة بالشعب الفلسطيني وقضيته، ولا زالت تعلي المصالح الحزبية وإرتباطاتها على مصلحة القضية الفلسطينية، ومن المستهجن أن تشكك بعض الفصائل بتمثيل م.ت.ف وهدف الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس، وأيضاً بحق العودة مثل حركة الجهاد وحركة حماس.

قد استمعنا لأراء منهجية وموضوعية قيمة من قبل جميع الأخوة المشاركين في الأمسية حيث رفض الجميع كافة المبررات التي أعلنت لتبرير عدم صدور بيان مشترك عن الفصائل يحظى بتوقيع كافة الفصائل، هذا ما يثقل كاهل م.ت.ف وحركة فتح تحديداً في قيادة المرحلة وحسم المواجهة مع السياسات والضغوط التي يتعرض إليها الشعب الفلسطيني وقيادته.

مثمنين الموقف والدور الفعال للأشقاء والأصدقاء في مساندة الموقف الفلسطيني في مواجهة هذه الضغوط مادياً وسياسياً حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من إسترداد حقوقه كافة غير منقوصة وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وهذا الموقف لا يتأتى ولا يتحقق إلا بوحدة الموقف الفلسطيني أولاً والموقف العربي ثانياً والذي يبنى عليه مواقف الدول الصديقة.

أختم بما قاله مسؤول روسي عن لقاء الفصائل في موسكو (لو كنت حُرَ القرار فيهم لوضعتهم بدون ملابس في أقاصي سيبيريا وأعطيتهم ورقة وقلم، وكانوا سيوقعون لأنهم أنانيون إلى حد لا يدركون فيه كم هم محور العالم حتى أصبحوا على هامشه، لا أريد أن أراهم مرة أخرى، فهم يثيرون غثياني) كلمة قاسية قالتها هذه الشخصية الروسية والتي وضعت أصابعها على الداء الذي يعاني منه وبسببه شعبنا على مدار إثناعشر عاماً مضتا ..!!