السفارة ...القنصلية و"ثورة الغضب السرية"!
تاريخ النشر : 2019-03-04 10:21

كتب حسن عصفور/ في ديسمبر 2017 أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اعترافه بأن القدس "عاصمة لإسرائيل"، متحديا بذلك كل قرارات الشرعية الدولية، وقبلها مواقف الإدارات الأمريكية السابقة، التي رفضت ذلك منذ عام 1948، حتى 2017.

ولم يقتصر الأمر، عند اعتراف "نظري" بل ذهب سريعا لتنفيذ الإعلان بنقل السفارة من تل أبيب الى القدس في مايو / أيار 2018، وبعد أقل من عام في 4 مارس / آذار 2019، أنهى عمل القنصلية الأمريكية التي كانت بمثابة "سفارة" خاصة للفلسطينيين منذ عام 1844، والسلطة الوطنية منذ تأسيسها عام 1994.

الخطوات الثلاثة سارت بشكل متسارع، في ظل غياب أي رد فعل حقيقي فلسطيني، رسمي وشعبي، سوى ما كان يوم الجمعة الأسود في قطاع غزة مايو 2018، حيث ارتكب دولة الكيان "مجزرة دموية" سقط أثرها 70 شهيد، دون ذلك كان بعض "التحرشات" التي لم تشكل قوة فعل تربك الإدارة الأمريكية.

ولأن الموقف الفلسطيني الرسمي – الشعبي، لم يكن يوازي أي من تلك البيانات التي أطلقتها كل "المكونات السياسية" في بقايا الوطن، خاصة التي هددت بأن "أبواب جهنم" ستفتح على أمريكا وإسرائيل والمصالح الأمريكية، وربما الوجود الأمريكي نفسه، لم تر النور، فقد غابت ردود الفعل العربية وكأن ما حدث ليس سوى "خبر عابر".

بل أن الجامعة العربية، لم تهتز كثيرا فلم تستدع وزراء الخارجية العرب لعقد اجتماع طارئ، ولم تتقدم بأي خطة عمل ملموسة لمواجهة القرار الأمريكي الذي يمس عاصمة فلسطين، والمكانة المقدسة للمدينة سياسا ودينيا، واكتفت الدول العربية، بكلمات حاولت قدر المستطاع أن لا "تخدش" الإحساس الأمريكي.

ولأن الموقف المنهك لا قيمة له، واصلت أمريكا تحديها وأنهت وجود القنصلية في القدس، لتكريس قرارها من كل جوانبه، وتفرض سياسيا على الفلسطينيين الذين يحتاجون "خدمات ما" تتعلق بأمريكا، ان يذهب الى القدس الغربية، لفرض "حقيقة سياسية" عمليا وليس نظريا، ومن هنا تبدأ رحلة جديدة، أمام الشعب الفلسطيني، خاصة أهل القدس المجبرين بحكم واقع ما التعامل مع الخدمات القنصلية الأمريكية.

قد لا يكون جديدا على النظام الرسمي العربي وجامعته، أن يقف مشلولا أمام قرار أمريكي، فخلال المواجهة الكبرى التي قادها الشهيد المؤسس ياسر عرفات دفاعا عن الهوية السياسية – الدينية للقدس، ورفضا للمشروع الأمريكي – الإسرائيلي لتهويد المدينة والأرض الفلسطينية في الضفة الغربية من 2000 حتى اغتياله نوفمبر 2004، لم نجد أي حراك حقيقي عربي رسمي لمنع المؤامرة العلنية، وحاولت دول عربية أن تبدو كـ "وسيط" أمريكي لكسر شوكة الخالد أبو عمار، بأشكال متعددة.

قرار الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان، وتكريس ذلك عمليا وفرضه على أهل فلسطين واقعا، قد يكون أكثر القرارات التي تم تنفيذها بـ "سلاسة غريبة"، وكأن الأمر لا يتعلق بأحد أقدس المناطق عربيا وقبلها فلسطينيا الى جانب البعدين الإسلامي – المسيحي.

كل مقومات صفع واشنطن جديا متوفرة، واجبار واشنطن على التفكير جذريا بأن لا تذهب بعيدا في القرار، لو أن دولة عربية أعلنت تهديدا اقتصاديا للمصالح الأمريكية، كما حدث مع قضية اللحوم البرازيلية، التي أجبرت حكومة الرئيس المنتخب أن تتراجع عن تنفيذ "وعد" نقل السفارة، عندما هددت بعض دول عربية بوقف استيراد اللحم الحلال منها، ما يعني خسارة بـ5 مليار دولار.

المصالح الأمريكية في بلاد العرب اضعافا مضاعفة، لم تمس ابدأ، بل العكس تماما تضاعفت حركة التفاعل الاقتصادي معها، فكان منطقيا جدا،ان لا تتأثر أمريكا بأي بيان يندد أو يهدد لو نقلت سفارتها.
الطريف، ان الجانب الرسمي الفلسطيني، اكتشف أن قرار انهاء عمل القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية بعد 175 عاما من وجودها، ينهي دورها في عملية السلام.

موقف يحمل إهانة غير مسبوقة للشعب الفلسطيني ولتاريخه الكفاحي، ان يتكثف رد الفعل الرسمي لما يمسي نفسه ممثل الشعب بتلك السخافة النادرة، وكأن هناك عملية سلام لا تنتظر سوى من يرعاها أو يشارك بها، وهو قول الى جانب هزالته، يمثل تضليلا سياسيا، للحديث عن "ميت" بصيغة الحي، ووصف هروب من اتخاذ أي قرار عملي صدامي حقيقي يعيد الاعتبار للكينونة الوطنية، التي أصابها هوان لا سابق له في حياة الشعب الفلسطيني.

لن نطالب محمود عباس ومن يقف الى جانبه باعتباره "متصدي لصفقة ترامب"، أن يذهب لمقاومة شعبية او مواجهة عامة مع المحتلين والأمريكان، فقط أن ينفذ بعضا من قرارات تم التصويت عليها في المؤسسات التي يتحكم بها، لا أكثر ولا أقل.

ونصيحة أخيرة، على فصائل النكبة أن تأخذ إجازة طويلة عن الكلام، وأن تتوقف عن اصار أي بيانات تتعلق بأن قرار أمريكا لن يمر دون عقاب...فصمتكم لأول مرة سيكون خيرا للشعب على أمل الاعتزال النهائي من عقاب الشعب بوجودكم!

صحيح هل لا زالت بعض "أصوات الجعجعة" تقول إنه تم اسقاط صفقة ترامب!

ملاحظة: زيارة رئيس سلطة الحكم المحدود محمود رضا عباس الى العراق كشفت أن وفده يضم مدير المخابرات فرج ومدير الاستثمار مصطفى كذلك ولده ياسر عباس، دون وجود لأي سياسي...هل هي زيارة أمنية – اقتصادية بس...و"هزي يا نواعم"!

تنويه خاص: سؤال الى من لا يهمه الأمر، ما هو تعريف جريمة قطع رواتب عشرات آلاف فلسطينيين في ظل مواجهة مع العدو...وفي الطريق مطلوب تحديد شو عقوبة أي جريمة ضد الانسان!