الفلسطينيون والإضراب عن الضرائب
تاريخ النشر : 2019-03-05 19:22

يخيم على الشارع الفلسطيني، وعلى عشرات الآلاف من العاملين في القطاع العام، وعلى جزء كبير من القطاع الخاص الفلسطيني، “شبح” توقف الرواتب الكلي أو الجزئي، وبالتالي انقطاع جزء كبير من الدخل. ويمكن تشبيه الوضع، مع وطأته أقل ألماً ولكن أوسع مدى، بالحالات التي كان الأسرى الفلسطينيون والعرب في السجون الإسرائيلية، يستعدون فيها من أجل بدء الإضراب عن الطعام. في الحالتين هناك تشابه، هو ملجأ أخير، فلسفته أولاً تحدي الجلاد، بإبلاغه أنّه لن يُسمَح له أن يحدد هو قواعد اللعبة، وأنّه سيدمر محاولات هذا السجان، فرض ما يريده حتى لو فعل هذا بالجوع. وثانياً، هو (الأسير أو الشعب الفلسطيني) يحاول أن يحصل على تضامن من المجتمع المحلي والدولي، بعد أن شعر أنّه تم التخلي عنه، فأنت تتألم مع الألم الذي قد يودي بالحياة وبالاستقرار أكثر من الألم الصامت.
بعد أن قرر الإسرائيليون اقتطاع عشرات ملايين الدولارات شهرياً، من الأموال التي تستحق للفلسطينيين، بموجب اتفاقية باريس الاقتصادية بجباية إسرائيل ضرائب تستحق للفلسطينيين، وذلك بحكم السيطرة الإسرائيلية على الحدود، قرر الفلسطينيون وقف استلام مستحقاتهم إلا إذا كانت كاملة غير منقوصة. وقررت القيادة الفلسطينية، دفع مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء، أولا، ثم تدبر أمر الرواتب للبقية، جزئياً أو كُلياً. وهذا يعني أن شبح بدء المعاناة الاقتصادية يلوح بالأفق.
كان موقف الاتحاد الأوروبي، متوقعاً تقليدياً، ويمكن قراءة ثلاث نقاط في هذا الموقف، تُشكل عمليا تساوقا شبه تام مع الموقف الإسرائيلي، ومع الموقف الذي يريد الجانب الإسرائيلي للعالم كله أن يتبناه، الجزء الأول من الموقف الأوروبي (وربما العالمي)، بموجب بيان الناطق الرسمي بالاتحاد الأوروبي، يوم 21 شباط (فبراير) 2019، هو ضرورة أن يتم الالتزام الإسرائيلي بالاتفاقيات المالية الموقعة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطينين وهذا الطلب قد يبدو لصالح الفلسطينيين، ولكن الحقيقة أنه يغض النظر عن أن الجانب الإسرائيلي هو الذي يريد لهذه الاتفاقيات المؤقتة أن تصبح للأبد، ولا تنتهي بقيام الدولة الفلسطينية كما كان مفترضاً. والبند الثاني في الموقف الأوروبي، يدعو الاتحاد فيه الفلسطينيين لعدم رفض الضرائب، أي لعدم الاعتراض، أو الاعتراض بصمت ودون فعالية على الخصومات الإسرائيلية، وهذا ما يبدو أنّ العالم يريده من الفلسطينيين، أي أن يتقبلوا الخطوات الأميركية والإسرائيلية، بوداعة، وهذا ما يؤكده مطالبة الاتحاد الطرفين بتجنب خطوات تهدد الاستقرار. والنقطة الثالثة، هي تأكيد الاتحاد “الاستمرار بالتعبير عن القلق” حول نظام دفعات الفلسطينيين للأسرى وعائلات الشهداء، أي قبول الطرح الإسرائيلي بخصوص هذه المخصصات، بدلا من مطالبة إسرائيل مثلا بتطبيق الاتفاقات السابقة حول إطلاق هؤلاء الأسرى، وتغيير ظروف اعتقالهم. وبعد كل هذا أشير على نحو عابر، في ذيل البيان، إلى حل الدولتين، ومنع التحريض.
تقوم السياسة الإسرائيلية على مواصلة التضييق على الفلسطينيين، وعلى نزع أي صفة وطنية عن نضالهم، وهذا هو ما تعنيه إثارة موضوع الأسرى والشهداء، فالمطلوب نزع شرعية النضال الفلسطيني، مع أنّ الاتفاقيات الإسرائيليية وُقّعت مع ممثلي وقادة هؤلاء المناضلين، أثناء الكفاح الفلسطيني. وما يريده العالم هو الهدوء، ولا يهم حقاً أن ينال أو لا ينال الفلسطينيون حقوقهم الوطنية، أو تنتهي معاناتهم، المهم أن يبقوا هادئين حتى لا تتهدد مصالح هذا العالم، ولا يضطروا لمواجهة المروق الإسرائيلي.
إذا ما استمر القرار الفلسطيني برفض الضرائب، فهو أشبه بالإضراب عن الطعام الذي يقوم به الأسرى، ولكنه يمكن أن يعيد العالم إلى صوابه، فيعي أنّ توقع استمرار الصمت الفلسطيني غير واقعي. فقرار التحدي الفلسطيني يضرب كل فكرة الحل الاقتصادي (حل فرص العمل والأجور) الذي يثيره فريق الإدارة الأميركية الحالي، ويضرب نهج إدامة اتفاق أوسلو للأبد بجعل الفلسطينيين رهن رواتبهم ورهن أقساط البنوك والديون.
بطبيعة الحال مثل هذا الخيار ليس سهلاً، ولكن الموقف الفلسطيني الذي بدأ برفض الوساطة الأميركية في عملية السلام يتجه الآن لرفض المعادلة الإسرائيلية – العالمية بجعل حياتهم ومطالبهم الوطنية رهن متطلبات الحياة الأساسية التي هي من صلب مهمات الاحتلال طالما أن عملية إنهاء الاحتلال عبر المفاوضات توقفت.

عن الغد الأردنية