"غزة تفاوض إسرائيل"...دلالات سياسية!
تاريخ النشر : 2019-03-07 10:09

كتب حسن عصفور/ ربما يرى البعض في الحراك المصري لمنع أي تطور أمني سلبي بين قطاع غزة بقواه كافة، عدا فتح (م7)، ودولة الكيان الاحتلالي مسألة فنية فحسب، وان ترسيخ معادلة "التهدئة مقابل حاجات" تخلو من بعد سياسي، وهي استمرار لما كان منذ أشهر.

ولكن الحقيقة أن الحراك في الآونة الأخيرة يحمل بعضا من "ابعاد" يجب التوقف أمامها، بعيدا عن "الرغبات الخاصة"، او التفسيرات الذاتية لهذا الطرف أو ذاك، فما يحدث هو تفاوض صريح يحمل مضمون سياسي – أمني، يحدد ملامح مستقبل علاقات بين واقع قطاع غزة ودولة الكيان.

ولا يحتاج المرء للتدقيق العميق ليكتشف، ان المفاوضات تسير راهنا في غياب كلي لممثلي "سلطة الحكم المحدود" في رام الله، وكذا لحركة فتح (م7)، التي نأت عن المشاركة العملية في أي فعاليات مشتركة منذ فترة، وبعد قرار رئيس الحركة محمود عباس بوقف أي تواصل مع حركة حماس، وهو ما يعني عدم حضور اجتماعات هيئة القوى الوطنية في قطاع غزة، التي تمثل عمليا "قيادة سياسية" تدير الشأن التفاوضي دون إعلان رسمي.

الجولة المصرية الأخيرة، حملت مطالب "قيادة القطاع السياسية" حول عناصر التهدئة، ووفق ما نشر لا تحمل أي شرط مضاف لما تم نشره سابقا، فهي تتلخص في (سماح إسرائيل بإدخال الأموال إلى القطاع، من دون ابتزاز، وتوسيع مساحة الصيد، وحل مشكلات الكهرباء والصحة، والسماح بتدفق بضائع أكثر للقطاع، ثم الانتقال للمرحلة الثانية حول إنشاء مشروعات كبيرة في القطاع وممر مائي، والبحث عن سبل تشغيل للشباب والخريجين وفتح مجالات عمل جديدة)، مقابلها تؤكد إسرائيل على (وقف كل مظاهر العنف، بما في ذلك البالونات الحارقة، على أن يخضع أي تحويل للأموال لآلية رقابة كما كان معمولا به. وأن أي اتفاق نهائي يشمل مشروعات اقتصادية كبيرة وممرا مائيا يجب أن يتضمن اتفاقا لإعادة الجنود الإسرائيليين المتواجدين في غزة).

مضمون مطالب طرفي المعادلة يكشف أن الصفقة الشاملة بين "قيادة غزة السياسية" وحكومة نتنياهو يمكن أن ترى النور، ومعها الصفقة المرتقبة، "صفقة الأسرى"، والتي قد تمنح "صفقة التهدئة" قوة دفع كبيرة، مقابل منحها نتنياهو قوة دفع انتخابية.

طرفي معادلة الصفقة بشقيها، التهدئة والأسرى، يدركون جيدا ما هي المزايا التي يمكن لكل منهما الاستفادة عبرها، وليس دقيقا أن الانتخابات عائق أمام إتمام "الصفقة المركبة"، وربما يحتاج نتنياهو للصفقة أكثر من حاجة حماس وقيادة غزة السياسية، لأن مصيره السياسي ومكانته كلها ترتبط بنتائج الانتخابات، التي تشير حتى الآن لخسارته، وبالتالي انتهاء دوره وشطبه من الحياة السياسية، مع ما ينتظره من مصير جنائي في أحد سجون الكيان.

وبالقطع، فأزمات قطاع غزة السياسية – الإنسانية تفرض "تفكيرا واقعيا" بحثا عن حلول عملية، وفي المقدمة منها، منع تدهور المشهد الى مواجهة عسكرية قدر المستطاع، فمهما حدث سيكون الثمن باهظا جدا، الى جانب أن التذمر الشعبي أصبح سمة علنية، ولم يعد "الأمن وقوات حماس" قادرة عل كبح غضب المواطن، وكل حديث لا يقدم حلا لا يجد لها أثر.

المفاوضات تسير دون ضجيج، وربما تصل الى نهاية مقبولة ما لم تحاول بعض "الأطراف" ممارسة الابتزاز ووضع عراقيل مفاجئة لمنع نتنياهو الذهاب بعيدا في عقد "الصفقة الكبرى"، وهناك تحالف خفي لا يوجد له مصلحة في تحقيق الصفقة الكبرى، فلسطينيا – إسرائيليا وأمريكيا وبعض أطراف إقليمية.

 تحالف يدرك أن انجاز "الصفقة الكبرى" سيعيد رسم مشهد سياسي ضمن معادلات مختلفة جدا عما كانت سابقا، ولعل قيادة سلطة الحكم المحدود، تدرك أكثر من غيرها، ما الذي سيكون لو ان الصفقة الكبرى تحققت في غيابها، وما هي الانعكاسات التي ستكون فيما لو عقدت الصفقة.

والسؤال الكبير، هل تواصل حركة فتح (م7) في طريقها الابتعادي - الانعزالي عن المشاركة العملية في حركة الفعل داخل قطاع غزة، وتواصل حالة البقاء انفصالية واقعيا، رغم كل التطمينات التي تصلها عبر هذا الطرف أو ذاك، خاصة وأن تغييرات كبرى قد حدثت عما كان سابقا.

المسؤولية الوطنية تفرض على قيادة فتح (م7)، ان تعيد جذريا طريقة تعاملها الوطني العام، مع كل القوى السياسية ومنها حركتي حماس والجهاد، لقطع الطريق على نشوء واقع جديد بآليات جديدة وأهداف جديدة...ولن تكفي كل "بيانات التشويش" مهما تضمنت لغة واتهامات من فرملة قطار الصفقة الكبرى، وفقط ما لها هو المسارعة لفعل حقيقي ولقاء وطني عام في القاهرة أو قطاع غزة وبجدول أعمال مفتوح، دون شروط مسبقة، فكل شرط يتم تسويقه يقابله مسمار بناء حالة انفصالية واقعيا.

ولا يحتاج لعقد اللقاء سوى قرار لا أكثر، فكل ما سيتم بحثه معلوم...فهل تفعلها قيادة فتح (م7)، وتقلب طاولة البلادة السياسية نحو بناء هرم سياسي وطني جديد...تلك هي المسألة وغيرها سلاما لكل ما كان!

ملاحظة: قيام لجنة الانتخابات الإسرائيلية شطب عضوية يهودي من قائمة الجبهة والعربية للتغيير، تجسيد مكثف جدا للبعد العنصري، يهودي معادي للصهيونية يمنع من المشاركة في الانتخابات...مثال ليت البعض "المجعجع" يستفيد منه!

تنويه خاص: قيام حكومة نتنياهو باعتبار فضائية الأقصى التابعة لحماس، بأنها إرهابية، يكشف أن القول بذكاء نتنياهو ليس سوى إشاعة...الفضاء لا ينتظر قرارا أمنيا يا بيبي!