الذكاء يهزم المساحيق
تاريخ النشر : 2019-03-09 12:46

اندثرت أو كادت معايير الجمال التى لا تزال سائدة لدينا، وأصبحت المجتمعات الحديثة تتبنَّى معايير أخرى تتجلَّى على شاشات تليفزيوناتهم، حيث صار الجمال عندهم فى الحضور والذكاء واللباقة وتدفق الحديث والكياسة واللطف فى الخروج من المآزق والمهارة فى إيجاز المداخلة لإفساح المجال للضيف وتصديره فى قلب الشاشة، مع البساطة فى الملبس والانسجام مع تفاصيل المشهد..إلخ. وراجع كل هذا مع نجمة النجوم أوبرا ونفرى، التى صنعت نموذجاً يحتذيه الإعلاميون ومثلاً تقتدى به جماهير عريضة حتى فيما تميل إليه من خارج تخصصها الذى تألقت فيه، إلى حد أن بعض المعلقين السياسيين يرون أن الطفرة النوعية الأولى فى تأييد الجماهير لأوباما، عندما رشح نفسه لأول مرة فى الانتخابات التمهيدية لحزبه، تحققت عندما أعلنت أوبرا تأييدها له على الملأ. وكثيرون يلحون عليها الآن أن تقبل ترشيح نفسها ضد ترامب فى مسعاه لولاية ثانية.

وأما فى ملاعبهم فالجمال فى الإعجاز الذى يؤديه الجسم البشرى فى تحديات الجاذبية والزمن، ليس بالقوة الغشوم، وإنما بالعقل الواعى المُدرِك أن الإنجاز يتحقق بحساب القوة وتدقيق قدرها وتوجهها وليس بإطلاقها هوجاء، وأن الإفراط فى القوة قد يُخلّ بتحقيق الغرض، فركلة الكرة لتسجل الهدف لا تكون إلا بمقدار محدد إذا زاد هفوة زاغت الكرة. ثم صار هؤلاء الأبطال نجوم الإعلانات فى سلع ليس لها علاقة بالرياضة، لما بات لهم من تأثير عظيم على الجماهير العريضة من رجال ونساء وأطفال، برغم أن بعضهم لا يتطابقون مع معايير الجمال المعتمدة لدينا حتى الآن والتى لا يعترف مجتمعنا بأنها تنتمى لمراحل دنيا فى تطور البشر.

لا نزال لا نبرح الصورة الاستاتيكية القديمة التى تتغزل فى الملامح الموروثة، التى لم يبذل صاحبها جهداً فى أن تكون له، والتى لا تزال الأغانى تعيد فيها وتزيد عن جمال الشعر والعيون والرموش والخدود والقدود والأنامل، ولم تدرك بعض مذيعاتنا قواعد المنافسة الحديثة فى تليفزيونات الخارج، ولا يزلن يتنافسن فى الإفراط فى الأصباغ والمساحيق، ثم يقرأن التحية على المشاهدين من ورقة مكتوبة!

عن الأهرام