سوسيولوجيا الحراك الشعبي في غزة

تابعنا على:   11:53 2019-03-19

د. سليم محمد الزعنون

من غير الممكن دراسة الحرّاك الجّماهيري الأخير في قطاع غزة، بمفاهيم ثورات الربيع العربي، فالحالة الفلسطينية أكثر تعقيداً وخصوصية من الحالة العربية، لعدة اعتبارات: قطاع غزة كيان لم يرتقي لمستوى الدولة بعد، وفي ذات الوقت كيان خاضع للإحتلال بطريقة أو بأخرى، نظراً لذلك فإن حالة خروج/الثورة على السلطة الحاكمة في ظل هذه المعطيات يمثل حدث عظيم بمفاهيم تاريخية، إذ أنه لأول مرة في التاريخ تخرج ثورة على حركة تحرر من الاحتلال/الاستعمار، للمطالبة بالاصلاح، بما يجعل من الحراك الشعبي في غزة ذات طابع خاص وفريد من نوعه.

يُظهر المنظور الشامل أن حركة حماس/السلطة الحاكمة في قطاع غزة لم تكن أبداً أقوى ممّا هي اليوم، من حيث بسط هيمنتها وسلطتها في غزة، وتفوقها العسكري على محيطّها من الفصائل، وعلاقات متقدمة مع مصر، وقبول دولي وإسرائيلي مستتر لسطتها في غزة، ورغم ذلك نجحت الجماهير في الخروج عليها وتحدي سلطتها، هذه الورقة تتضمن ثلاث مكونات رئيسية:

أولاً: العوامل المفسرة لحالة الحراك الثوري في غزة.

ثانياً: دلالات ومؤشرات الحراك (محلياً، واقيمياً، ودولياً)

ثالثاً: السيناريوهات المُحتملة.

أولاً: العوامل المفسرة لحالة الحراك الثوري في غزة.

حالة الخروج/الثورة في قطاع غزة يصحّ تحليلها بالابتعاد عن مظاهر الحراك الشّعبي الأخير المرتبطة بالتدهور الاقتصادي، ورفع مستوى الضرائب، ويجد تفسيره في ثلاث عوامل أعمق من ذلك بكثير، تتمثل في: نضوج الحالة الثورية، وبنية نظام الحكم في غزة، وبنية المجتمع وكيفية ممارسته للثورة.

1.         نضوج الحالة الثورية.

لم يكن موضوع إرتفاع الضرائب وتدهور الوضع الاقتصادي سوى مفجر لحالة الخروج/الثورة ضد السلطة الحاكمة في غزة، حيث سبق ذلك تبلور "حالة ثورية" بشكل تدريجي، بمعنى أصبح لدى المواطن قابلية للخروج/الثورة على النظام الحاكم، والحالة الثورية تعني "أن المواطن لم يَعد مستعداً للعيش في الظروف القائمة، والسلطة الحاكمة لم تعد قادرة على الحكم بالأدوات والوسائل القديمة"، وهذا ما يفسر حالة الخروج/الثورة الحالية، مقارنة بأحداث كبيرة حدثت في الماضي ولم تؤدي إلى ثورة، كحالات انتحار وحرق الكثير من الشباب لأنفسهم في غزة نتيجة الوضع الاقتصادي المتدهور.

وفقاً لهذا المنظور فإنه في حالة معينة يُشكل أحد الأحداث مفجراً للثورة، ليس لأنه ارتفعت الضرائب، أو تدهور الوضع الاقتصادي، ولكن لوجود حالة ثورية تبلورة خلال 12 عام من حكم حماس، وكان من الممكن لأي سبب آخر أن يحول الحالة الثورية إلى ثورة، لقد تبلورة الحالة الثورية في غزة خلال الأعوام الأخيرة، مع إدراك نظام الحكم/الحركة لذلك، ما دفعها للبحث في وسائل أخرى لتوجيه الحالة الثورية باتجاه الخارج، فكانت مسيرة العودة التي (أجلت) ولم (تُنهي) الحالة الثورية المتبلورة، وعلى العكس تماماً مما اعتقدت حماس، فإن مسيرة العودة عجلت من انضاج الحالة الثورية، لسببين: الأول المشاركين في مسيرات العودة شعروا بأنهم شركاء في المقاومة، والثاني شعروا بأن مسيرة العودة تم استغلالها لتحقيق مصالح ضيق، ولم تحقق النتائح المرجوة، أثراً لذلك انكسرت قدسية المقاومة في مخيلتهم.

ساهمت العديد من العوامل في بلورة الحالة الثورية في غزة، فإلى جانب قمع الحريات والاستبداد، واستئثار طبقة معينة بالامتيازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفرض الضرائب المنهكة على مجتمع فقير، فإن العامل المهم يتمثل في فقدان المشروعية القانونية في الحكم، وايضاً فقدان المشروعية التاريخية للنظام الحاكم متمثلاً في عدم قدرته على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين من مأكل ومشرب وخدمات، ومع فقدان المشروعية لجأت نظام الحكم/حماس إلى تنمية العصبية الحزبية لتحيط به لحمايته، وبدلاً من أن تعمل على تنمية المجتمع وإعادة بناءه انشغلت في كيفية تعزيز العصبية الحزبية في صراعها ضد المجتمع والمعارضة.

اخر الأخبار