تسريبات "صفقة ترامب" ليست للتسلية السياسية!

تابعنا على:   08:53 2019-05-09

كتب حسن عصفور/ منذ أن بدأ الحديث عن قيام الإدارة الأمريكية المنتخبة، بالتحضير لخطة سلام شرق أوسطية جديدة، وحركة التخمينات الإعلامية تتسارع في نشر ما تراه بها "الصفقة التاريخية"، وغالبا ما تكون مواقع تلك التسريبات، إما أمريكية بعضه معادي لسكان البيت الأبيض (كي تبدو لها مصداقية)، أو وسائل إعلام عبرية، غالبها من مؤيدي رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو.

حركة "التسريبات" تلك يمكن اعتبارها "خطة ممنهجة" من الفريق الأمريكي الصهيوني، الذي يقف خلف تلك الخطة، وتحديدا جيسون غرينبلات، كجزء من عملية ترويج واسعة استباقا للعرض الرسمي، وإثارة جدل ونقاش على مضمون التسريبات تلك، ثم يخرج منهم، وخاصة المسرب الأساسي، لينفي ويطالب الجميع بأن لا يصدقوا ما يقرأون.

وبتدقيق خاص، يمكن اعتبار ذلك العمل كجزء من الخطة التي لم تتبلور بعد كنص متكامل، وهي التي تعتمد التنفيذ لبعض منها قبل إعلانه، وبلورة عناصر التكوين النهائية، ولذا يصبح نقاش التسريبات ورد الفعل العام عليها، خدمة للفريق المعد لتعديل أو إعادة صياغة، او تكريس لما بها.

خلق نقاش عام، وإن كان في غالبه رفضا أو نقدا حدا، لا يمثل ضررا لمعدي تلك الخطة السياسية، بل خلافا له مساهمة عملية في الترويج والتصويب، لذا يمكن التأكيد أن حركة التسريبات جزء من الخطة وآلية لتنفيذها بشكل أو بآخر.

ولا ريب أن بعض من أهداف ذلك، محاولة تقديم أن تلك الخطة تتعامل مع تفاصيل الصراع ببعده المباشر (الفلسطيني – الإسرائيلي)، وأيضا الإقليمي، للمرة الأولى من حيث الارتباط، خلافا لمؤتمر مدريد ومساره "متعدد الأطراف"، فالخطة الأمريكية الجديدة تقوم بعملية تسويق السلام ضمن ابعاد سياسية – اقتصادية، ليس كهدف فقط، بل وكأنه تطوير لواقع بدأ عمليا، بين دول عربية ودولة الكيان، وهي سابقة تتجاوز كل الذي كان منذ اغتصاب فلسطين التاريخية.

ولعل فريق الصفقة الأمريكية، يرمي أيضا، الى أن يظهر الرسمية الفلسطينية (بشقيها الشمالي والجنوبي) في مظهر "الرافض الجهول"، فمع كل تسريبة جديدة تخرج عشرات الأصوات ناطقين ومسؤولين من مختلف الفصائل الفلسطينية لتعلن رفضها للصفقة، والبعض يزيد كلاما بتهديد أن تنتظر أمريكا عقابها الذي سيكون بعد عرضها تلك "الصفقة"، ليبدو وكأن الفلسطيني يستبق الأمر دون علم أو معرفة، ووضعه في سياق أمام المنظومة الدولية عامة وبعض العربية، انه خارج التفكير العملي.

الفريق الأمريكي، الذي يقف خلف عملية النشر، يعتقد أن زيادة النشر المضلل مسبقا ثم النفي سيزيد كثيرا من "درجة التشويق والتسويق"، وتجهيز لبعض مظاهر "الصدمة السياسية" في نصوص قد يراها البعض انها ليست كما كانت وبها ما يمكن نقاشه لاحقا.

نحن أمام حركة مناورة واسعة جديدة، وخطيرة في ذات الوقت، وقد يتطلب ذلك فلسطينيا، أن يتم الانتباه جيدا للمخطط الاستباقي الذي يديره الفريق الأمريكي الصهيوني، لخدمة خطته المستقبلية، وأن تكون حركة الرفض ضمن رؤية سياسية ومشروع متكامل وليس تردادا يوميا لكلام "ببغاوي"، يفقد لاحقا قيمته، ويتحول لسلاح مضاد أمام الشعب الفلسطيني، فتظهر الفصائل بأنها "فصائل شعاراتية"، لتتزايد حركة النقد أو الرفض له شكلا ومضمونا، وكذلك تسطيح موقفها عربيا وعالميا.

ليس مطلوبا الانسياق وراء التسريبات الإعلامية، بل يجب التوقف كليا من التعامل مع أي "مناورة تسريبية جديدة"، وتركها تسير بلا ضجيج، لتذهب الى مكب نفاياتها الخاص.

أن يتم نشر التسريبات كخبر صحفي، ضمن أخبار "الإثارة السياسية" خاصة مع كلمات لأول مرة والكشف عن تفاصيل، وكل ما يتعلق بتلك العبارات، شيء وان يذهب الناشرين الى قراءات فيما تم نشره شيء آخر، وكأنه الحقيقة المطلقة فتلك هي الفضيحة السياسية وهو ما يريده فريق الخطة ذاتها.

تجاهلوا كل ما تنشره وسائل أمريكا والكيان من تلك التسريبات، عندها سيجد الفريق ذاته أمام "مأزق جديد"...قليل من الصبر السياسي ليس ضررا!

ملاحظة: ممارسة النقد لأي قائد أو فصيل فلسطيني هو حق مطلق، ولا يجوز التذمر منه، لكون ذلك جزء من تصويب المسار أي كان، فلا يوجد "منزهين" في بلادنا...مع الاعتراف أن بعض النقد قد يكون لغايات غير وطنية!

تنويه خاص: منذ التوصل الى اتفاق التهدئة الجديد، عادت الفصائلية لتطغى حضورا على المشهد...فبدلا من التقييم الشامل لما كان، إيجابا وسلبا، وجدنا تمجيدا وتفخيما لا غير...مش هيك تنتصر الشعوب عفكرة!

اخر الأخبار